رفيق إبراهيم
في الثامن من شهر كانون الأول من العام 2024، تم الإعلان عن سقوط النظام البعثي الحاكم في سوريا، ذلك النظام الذي ارتكب بحق السوريين على مختلف اعتقاداتهم ولغاتهم وثقافاتهم، مجازر وانتهاكات لم يسبق لها مثيلاً في التاريخ، وبعد سقوط النظام ظهر الوجه الحقيقي والبشع له، وما حدث في السجون السوريّة من انتهاكات وجرائم مروعة تُدين النظام مليون مرة.
الأحداث الأخيرة في سوريا قلبت الواقع رأساً على عقب، والتي بالأساس لم يكن يتوقعها أحد حتى فلاسفة السياسة والتحليل، وعلى ما يبدو أن السيناريو الذي حدث، كان مخططاً له في الغرف السرية للولايات المتحدة الأمريكية، وبمساهمة بريطانية أوروبية وإسرائيلية، ومشاركة دول إقليمية وعلى رأسها تركيا، والهدف الأساسي كان إخراج إيران من سوريا بالدرجة الأولى، وأيضاً توجيه ضربة لروسيا شريكة إيران في دعم النظام السوري السابق.
مجيء أبو محمد الجولاني “أحمد الشرع” إلى دمشق والسيطرة على العاصمة، وبهذا الزمن القياسي، وهذه الصورة الدراماتيكية لم يأتي صدفةً، بل كان نتيجة مُخطط مُسبق بمشاركة القوى التي ذكرناها آنفاً، وهناك استكمال لفصول المسلسل الذي نعيشه اليوم في سوريا، في المراحل القادمة، لأن رحيل النظام السوري السابق، وسيطرة هيئة تحرير الشام، لا يعني أبداً أن الشعب السوري أصبح في مأمن، بل يستدعي من السوريين مراقبة الأوضاع العامة، وأيضاً ما ستُقدِم عليه إدارة هيئة تحرير الشام المفروضة على السوريين، وهل سيكون بإمكانها تطبيق أقوالها على الأفعال.
وكلنا يعلم أن الأوضاع في سوريا حساسة للغاية، وتتطلب جهوداً مضاعفة من قبل كل السوريين لإعادة الأمور إلى نصابها، خاصةً إن الحكومة الحالية “تصريف أعمال” استفردت بالقرار، وأعلنت عن حكومة إدلب المصغرة وترحيلها إلى دمشق، لتقود المرحلة المؤقتة لمدة ثلاثة أشهر، دون التشاور مع أي أحد من السوريين، والأمر الآخر المهم هو وضع هيئة تحرير الشام دوليّاً، حيث إنها على اللائحة العالمية السوداء للمنظمات الإرهابية، وحتى أن أبو محمد الجولاني نفسه، مطلوب دولياً وعليه أحكام إعدام نتيجة الجرائم المُرتكبة المنسوبة إليه سابقاً.
في ظل هذه العوائق والتحديات الكبيرة، هل سيقبل العالم الأوضاع الحالية في سوريا، وهل بإمكان هيئة تحرير الشام قيادة المرحلة، باعتقادي هناك مهمة شاقة في هذا الجانب، إذ أنه على إدارة هيئة تحرير الشام، الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا متعددة القوميات والإثنيات والأديان واللغات، وأي عملية تغيير يجب أن يشارك الجميع فيها، ولا يمكن لسوريا أن تعود كما كانت في عهد نظام البعث والأسرة الواحدة والتفرّد بالقرار، لذلك، من الواجب النظر بتمعن ودراسة الوقائع على الأرض، وضرورة إشراك كافة السوريين في القرارات.
بإمكاننا اليوم دراسة الأوضاع في سوريا، من كافة الجهات، ولعل تغييب الإدارة الذاتية عن الساحة في سوريا، قد يكون خطأً كبيراً من قبل حكومة الأمر الواقع في دمشق، هم يقولون لدينا خبرة على اعتبار هذه الحكومة كانت تقود محافظة إدلب في الفترات السابقة، ولكن، هل بإمكان تطبيق ذلك على سوريا، أظن أنه من الخطأ الكبير، أن نعمم تجربة إدلب على كافة الأراضي السوريّة، وهي بالأصل لا يمكنها القيام بدور القيادة في هذه المرحلة التاريخية والحساسة.
إذا لماذا لا يؤخذ بعين الاعتبار تجربة الإدارة الذاتية، كي تعمم على كافة الأراضي السوريّة، وخاصةً أن التجربة عمرها تجاوز العشر سنوات، وحققت مكاسب كبيرة عبر مشاركة جميع الشعوب والمكونات في شمال وشرق سوريا بإدارتها، وأيضاً اكتسبت خبرة كبيرة خلال السنوات الماضية من عمرها، كما أنها حققت الأمن والاستقرار لمساحة تقارب ثلث الأراضي السوريّة، وعلى إدارة هيئة تحرير الشام في دمشق الاستفادة من خبرتها في كافة المجالات، ولولا الهجمات التركيّة المتكررة على مشروعها الديمقراطي، لكان لنا كلام آخر اليوم.