هيفيدار خالد
مُنذُ أسبوع وشعوب شمال وشرق سوريا تخوض مقاومة تاريخية في سد تشرين، رداً على هجمات دولة الاحتلال التركي المستمرة منذ أكثر من شهر، ودعماً لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة التي تُقاوم المحتلَّ التركي وتوجّه له ضرباتٍ موجعةً، وتوقع في صفوفه خسائرَ فادحة في الأرواح والعتاد العسكري. القوافلُ الشعبيةُ التي توجَّهت إلى سدِّ تشرين بهدف حماية مقومات الحياة التي يمدُّهم بها السدُّ من ماءٍ وكهرباء لاستمرار حياتهم، وتقديم الدعم المعنوي لمقاتليها في جبهات القتال، أكَّدت للجميع أهميَّةَ تكاتف الشعوب في المرحلة التاريخية، والالتفافَ حول القوات المُدافعة عن المنطقة.
مُنذُ أسبوع تَزيَّنَ سدُّ تشرين بمقاومة أبطال قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة وتألَّقَ بزغاريد الأمهات والنساء اللواتي حولْنَ السدَّ إلى ساحةٍ للنضال والمقاومة، رَغْم برودةِ الطقس وانخفاضِ درجات الحرارة، واستمرارِ القصف التركي بالمسيّرات والطائرات الحربية؛ إلا أنَّ كلَّ ذلك لم يُثنِ عزيمَتهم وإرادتَهم. ردُّوا على الضربات التركية بالأغاني الثورية والزغاريد والأهازيج والتصفيق الحار وحلقات الرقص من الشباب والشابات تحت أصوات القذائف وسقوط الصواريخ وقذائف المدفعية التركية، وبروح التحدِّي لديهم، لسانُ حالهم يقول كما صرخت بذلك إحدى النساء اللواتي توجَّهن إلى سد تشرين بأعلى صوتها، واستُهدفت قافلتهن من قبل الاحتلال التركي: “نحن أكبر من الموت، في غفلة مَن يُفكِّر بموتنا”، في إشارةٍ إلى تصريحات أردوغان التي دائماً ما يُدلي بها، بأنَّ مصيرَ شعوب شمال وشرق سوريا؛ إمَّا الموت أو الاستسلام.
جميعُ أبناء الشعب الكردي والشعوب المتعطشة للحرية والعيش الكريم، تضامنتْ مع المقاومة الشعبية في سد تشرين والتي تميَّزت بالمشاركة النسائية الرائعة ودعمها وتفاعلها ونشاطها اللامحدود في الفعالية المنظمة هناك.
الصورُ والمشاهدُ الحيّة التي نقلتْها وسائلُ الإعلام من قلب الحدث الساخن، عبَّرت عن حقيقة الشعب المقاوم والمُنظَّم، والذي يمتلك إرادةً قوية في وجهِ جميع التحديات والصعوبات التي تمرُّ بها مناطق شمال وشرق سوريا، ويؤمن بأنَّ تحقيقَ الحرية يمرُّ من النضال المكثَّف، والمقاومة في كافة مجالات الحياة؛ بذلك أصبحَ سدُّ تشرين رمزاً حيّاً وشاهداً على كفاح شعوب المنطقة من الكُرد والعرب والسُّريان، وأيقونةً لامعةً في جبين المناضلين من أجل الهُويَّة.
مقاومةُ سدِّ تشرين علمتْنا الصبرَ والقوةَ والشجاعةَ، وبعثت فينا روحَ النضال مرةً أخرى، وسجَّلت في صفحات التاريخ الحديث كيفَ أنَّ أبناء هذا الوطن ضحُّوا بكلِّ غالٍ ونفيسٍ من أجل قضيَّتِهم الأولى ألَّا وهي العادلة، وستُصبح بذلك الذاكرة الجماعية التي تصنع القصص للأجيال القادمة، وسيكون لهذه المقاومة صدًى وآثارٌ عميقة لا تُمحَى من الذاكرة أبداً؛ بل ستبقى عالقةً في أذهان كثيرٍ من أبناء جلدتهم.
يومياتُ المقاومة الشعبية في سدِّ تشرين تحت أزيز الطائرات الحربية التركيّة، شغلتِ العالمَ وجميعَ مُحبِّي الحرية والحياة والديمقراطية؛ الهتافات والشعارات التي يردِّدُها المناوبون هناك وصلت إلى أصقاع الأرض وعرفَ الأحرارُ في العالم المقاومةَ التاريخية التي تُبديها شعوبُ شمال وشرق سوريا للتصدي للذهنية التركية الفاشية الإقصائية؛ الصورةُ مختلفةٌ تماماً عمَّا نراه أو نسمعه من هناك، على الجميع الالتفافُ حول المقاومة الشعبية ودعمُها والوقوفُ إلى جانبها والكلُّ بطريقته الخاصة التي يستطيع من خلالها التعبيرَ عن مساندته في هذه المرحلة المصيرية.