الشدادي/ حسام الدخيل – بعد سنوات طويلة من الصراع الدامي الذي شهدته سوريا، والذي خلّف دماراً هائلاً في البنية التحتية والمجتمع، بات الاقتصاد السوري على شفا الهاوية.
فرضت العقوبات الدولية، ولا سيما قانون قيصر الذي تبنته الولايات المتحدة، ضغوطاً هائلة على النظام السوري المخلوع بالإضافة إلى الشعب السوري الذي وصل به الحال إلى الحضيض وبات تسعون بالمائة من الشعب السوري تحت خط الفقر.
تاريخ فرض العقوبات
بعد اندلاع الثورة السورية في آذار من العام ٢٠١١، استخدم نظام بشار الأسد القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات المنادية حينها بالحرية والكرامة، بعد أن عاش الشعب السوري طيلة أربعة عقود تحت قبضة أمنية شرسة، مارس خلالها نظامي الأسد الأب والابن شتى الوسائل لقمع الشعب السوري واستخدموا سياسة تكميم الأفواه إلى أن وصل بهم الحال إلى تدمير مدينة حماة السورية في العام ١٩٨٢ على يد حافظ الأسد وأخيه رفعت الأسد، وقتلوا حينها أكثر من أربعين ألفاً من أبناء مدينة حماة تحت ذريعة انتمائهم لتيار الإخوان المسلمين.
أما في عهد الأسد الابن، لم يكتفِ الرئيس المخلوع بتدمير مدينة واحدة فقط، بل كان أشد تعطشاً من والده لدماء السوريين، فقد قام بمحو مدن بأكملها مثل مدينة دير الزور التي وصلت نسبة الدمار فيها إلى أكثر من ٨٠ بالمئة، وتدمير محافظة ريف دمشق ومحافظة حمص وحلب ودرعا بالإضافة إلى كثير من البلدات والمدن الصغيرة التي عمل على تسويتها على الأرض.
وقتل النظام مئات الألوف من السوريين ببنادق عناصره الأمنية وبراميله المتفجرة التي هدم بها المنازل فوق رؤوس قاطنيها.
وزجَّ بأكثر من ثلاث مئة ألف سوري بالمعتقلات وقام بإخفائهم قسرياً في سجون الموت، واستخدم أشنع وسائل التعذيب بحق المعتقلين بهدف إسكات أصواتهم المنادية بالحرية إلى الأبد.
وفي العام ٢٠١٩، قام ضابطاً منشقاً عن صفوف قوات النظام السوري حينها، بتسريب أكثر من خمسة آلاف صورة من المعتقلات السوريّة وعرضها على الكونغرس الأمريكي، الأمر الذي استدعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى سنِّ قانون قيصر على النظام السوري المخلوع والذي دخل حيّز التنفيذ في منتصف العام ٢٠٢٠. وعُد قانون قيصر بنقلة نوعية في العقوبات بسبب شموليته واستهدافه من يُيسرون استحواذ نظام الأسد على سلع أو خدمات أو تقنيات تدعم أنشطته العسكرية وصناعات الطيران والنفط، كما يهدد بمعاقبة أي طرف آخر يساهم في تعزيز النظام.
ونجح هذا القانون في جعل النظام السوري بعزلة مشددة باستثناء بعض الداعمين له أمثال إيران وروسيا.
أبرز ما جاء في قانون قيصر
حجب الملكيّة: وهذا يشمل تجميد أصول أو الحجز على أصول منقولة أو غير منقولة موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية على أراضيها، أو بحوزة مواطن أو جهة أمريكية خارج أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية عملية سيتعلق الأمر بالأموال الموجودة في البنوك الأمريكية، الأسهم والسندات، والأصول القائمة كالشركات أو الحصص ضمن هذه الشركات.
حظر التعاملات: ويمكن أن يتم حظر التعامل المالي والتجاري مع الشخص محل العقوبة، ويشمل ذلك عمليات الاستيراد والتصدير أو البيع والشراء وكذلك تحويل الأموال بالوساطة عن طريق مؤسسات أمريكية داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى منع منحه أي رخص أو امتيازات داخل أو خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
العملة الأجنبية: كذلك فإنه بموجب القانون يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تمنع المعاملات المالية بالعملة السوريّة وكذلك أن تفرض عقوبات على بيع وشراء الدولار لحكومة النظام.
الضمان: لن يمكن بموجب قانون العقوبات منح اعتمادات مالية أو قروض أو تقديم خدمات في إطار هذه القروض بما فيها خدمات التحويل عن طريق الشركات الأمريكية أو عبرها.
زيارة الولايات المتحدة الأمريكية أو الإقامة فيها أو الاستفادة من مزايا الهجرة أو اللجوء أو الجنسية وما إلى ذلك وبالتالي لن يعود الشخص مقبولاً في الولايات المتحدة سواءً كان مقيماً أو طالباً للإقامة لأي سبب كان.
البنك المركزي السوري: أفرد القانون مادة خاصة متعلقة بالبنك المركزي السوري لما له من وظائف في مساندة النظام وكذلك لما لهذه الوظائف من دور رئيسي في عمليات التبادل التجاري والمالي الخارجي، لذا فإن العقوبات على المركزي السوري لن يتم فرضها بشكلٍ مباشر فور دخول القانون حيّز التنفيذ بل سترجأ لما بعد 180 يوماً على الأكثر لتقرير ما إذا كان البنك المركزي بعيداً عن عمليات غسيل الأموال، وهي فرصة للبنك المركزي السوري ليتمتع بالاستقلالية ويدير عمليات نظيفة تساعد السوريين على الحصول على كل مستلزماتهم الغذائية والطبية وأي مستلزمات أخرى لا تساعد النظام في حربه على السوريين.
الانتقال التلقائي إلى قوائم العقوبات المتبناة من معظم المؤسسات العاملة في النطاق الدولي متى ما تم اعتماد اسم المؤسسة أو الشخص في لوائح العقوبات الأميركية.
إلا إن أثر هذا القانون لم يكن على النظام السوري والأشخاص الداعمين له، إنما تأثر به الشعب السوري بشكلٍ مباشر، حيث انخفضت العملة السوريّة إلى مستويات قياسية وأصبحت من أضعف العملات على مستوى العالم، وأدى ذلك إلى انخفاض الأجور بالنسبة للعاملين في القطاع الحكومي والخاص، حيث أصبحت رواتبهم لا تتجاوز الـ ٢٠ دولار أمريكي بالنسبة للقطاع العام والخاص يزيد عن ذلك بقليل، كما واجه الشعب السوري أزمات اقتصادية ومجتمعية كثيرة على كافة الأصعدة، وذلك بسبب استمرار تعنت المصرف المركزي السوري ورفضه إن ينفصل عن عمليات غسيل الأموال التي يمارسها النظام السوري، بعد منحة مهلة لمدة ١٨٠ يوماً من قبل الإدارة الأمريكية.
وهذا ما أثر بشكلٍ مباشر على الأهالي القانطين في مناطق النظام السوري وحتى على السوريين في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ممن بقوا يتعاملون بالليرة السوريّة، على الرغم من إعفاء الولايات المتحدة الأمريكية المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري من هذا القانون وسنّها تشريعات للقانون تُخفض من وطأته على المدنيين من خلال السماح لمنظمات المجتمع المدني في العمل دون أن تتأثر بالعقوبات، بالإضافة إلى السماح بدخول المساعدات الدولية، ومنع عمليات إعادة الأعمار في المناطق التي تعرضت لتهجير قسري وذلك للحفاظ على ممتلكات السوريين الذين تم تهجيرهم ومنع سرقة أراضيهم وأصولهم من قبل النظام السوري وحلفائه.
سوريا بدون بشار الأسد
في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني أعلنت إدارة هيئة تحرير الشام شن عمل عسكري تحت مُسمى “ردع العدوان”، يهدف إلى إبعاد النظام السوري وحلفائه عن مدينة إدلب وريف حلب.
وسرعان ما تهاوى جيش النظام السوري ليخسر مدينة حلب بالكامل بعد ثلاثة أيام فقط من انطلاق المعركة، وبعد أحد عشر يوماً بالضبط وبالتحديد في الثامن من شهر كانون الأول المنصرم دخلت قوات المعارضة إلى مدينة دمشق وهرب الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، وأخبرت القيادة العامة للجيش السوري الجنود بسقوط نظام بشار الأسد بشكلٍ رسمي، ليكون هذا هو الحدث الأبرز في العام ٢٠٢٤.
ومع تشكيل حكومة تصريف أعمال من قِبل أبو محمد الجولاني قائد إدارة هيئة تحرير الشام، برئاسة أحمد البشير، بدأت الزيارات الدبلوماسية تأتي إلى سوريا من كلِّ حدبٍ وصوب وآخرها كان رئيس الوزراء الفرنسي والألماني، بالإضافة إلى وفود عربية وأجنبية كثيرة لتعلن بذلك نهاية عصر القطيعة والعزلة لسوريا والبدء بمرحلة جديدة.
تخفيف قانون قيصر
ومع وصول السلطة الجديدة إلى سُدة الحكم ومطالبتهم المتكررة لإيقاف العمل بقانون قيصر الذي كان يُفرض على النظام المخلوع، أعلنت الإدارة الأمريكية في السادس من شهر كانون الثاني الجاري عن رفع جزئي للعقوبات لمدة ستة أشهر فقط، مشيرةً إلى إن رفعها يهدف لتحسين حياة السكان في سوريا.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها أصدرت ترخيصا عاماً جديداً لتوسيع الأنشطة والمعاملات المسموح بها مع سوريا، في حين تواصل واشنطن مراقبة التطورات بعد تولي إدارة جديدة للحكومة السوريّة.
وأوضحت الخزانة الأميركية، في بيانٍ، أن هذه الخطوة جاءت “للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي”.
فوائد تخفيف العقوبات
ذكرت الخزانة الأميركية أن خطوة الإعفاء تهدف إلى:
- المساعدة في ضمان عدم إعاقة الخدمات الأساسية واستمرار الحكومة في أداء مهامها في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.
- سيسمح القرار الأميركي بإجراء معاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا، بما فيها الإدارات والوكالات ومقدمي الخدمات العامة التي تديرها الحكومة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمرافق.
- يُجيز القرار إجراء المعاملات لدعم بيع الطاقة، بما في ذلك البترول والكهرباء، أو توريدها أو تخزينها أو التبرع بها إلى سوريا.
فيما رحبت الإدارة السوريّة الجديدة بالرفع الجزئي للعقوبات، وقالت إنها كانت متأملة بإن يكون الرفع كُلي للعقوبات لأن حقبة الأسد انتهت.
وبعد قرار رفع العقوبات، ذكرت مصادر إعلامية إن هناك بارجتين لتوليد الكهرباء وصلتا إلى ميناء طرطوس وبانياس وذلك لتوليد ٨٠٠ ميغا من الكهرباء وهي تمثل نسبة ٣٠ بالمئة من الكهرباء المنتجة حالياً في سوريا.
كما شهدت الليرة السوريّة تحسناً ملحوظاً منذ سقوط نظام الأسد، حيث انخفض سعر الصرف إلى ١٢٠٠٠ ليرة سوريّة بعد أن وصل إلى قرابة الـ٣٥٠٠٠ ليرة سوريّة في آواخر أيام نظام الأسد المخلوع.
آثار رفع العقوبات المتوقعة..
- إعادة إعمار البنية التحتية: يمكن أن يُساهم رفع العقوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، مثل الطرق والموانئ والمباني.
- تنشيط القطاع الخاص: يمكن أن يشجع رفع العقوبات على عودة المستثمرين السوريين إلى بلادهم، وتشجيع الاستثمار المحلي، مما يُساهم في تنشيط القطاع الخاص وخلق فرص عمل جديدة.
- زيادة الصادرات: يمكن أن يساهم رفع العقوبات في زيادة الصادرات السوريّة، مما يُعزِّز من الميزان التجاري للبلاد ويدعم النمو الاقتصادي.
- تحسين مستوى المعيشة: يمكن أن يؤدي رفع العقوبات إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين السوريين من خلال توفير السلع والخدمات الأساسية بأسعار معقولة، وتقليل معدلات البطالة والفقر.