دجوار أحمد آغا
عندما يعجز العدو عن تحقيق الانتصار عسكرياً على الرغم من استخدامه للأسلحة كافة، بما فيها تلك المحرمة دولياً والمحظور استخدامها بموجب اتفاقيات دولية هو طرف فيها، يلجأ الى اتباع وسائل أخرى، وغالباً ما تكون قذرة من خلال الحرب الخاصة التي يتبعها من خلال أساليب غير أخلاقية وبعيدة عن الإنسانية، وخاصةً، عمليات الاغتيال التي يقوم عملائه بتنفيذها ضد الشخصيات الوطنية المناضلة، والتي غالباً ما تكون قيادية في المجتمع، ولها دور كبير في تحصينه وتنظيمه في مواجهة الأعداء.
هذا ما تقوم به السلطات الفاشية التركية بحق أبناء وبنات الشعب الكردي الرافضين للخضوع لسلطتهم القمعية، لذا نراها تشنُّ حرب خاصة ضد مناضلي ومناضلات شعبنا في مختلف ميادين الكفاح، ومجزرة باريس الأولى، التي راح ضحيتها كلاً من “ساكينة جانسيز (سارا)، فيدان دوغان (روجبين)، وليلى شايلمز (روناهي)، مثال على ذلك.
التخطيط للمجزرة
وبتنظيم وتخطيط وإشراف مباشر من الاستخبارات التركية، تمت عملية اغتيال المناضلات الكرديات الثلاثة (سارة، روجبين، روناهي) في باريس العاصمة الفرنسية عن طريق قاتل مأجور يعمل لحساب الاستخبارات التركية يُدّعى “عمر كوني”، الذي أخفى شخصيته العميلة للاستخبارات التركية من خلال مشاركته في نشاطات الجمعية الكردية، في فرنسا حيث قام بتمويه نفسه لتسهيل عملية الاغتيال، فالعملية نفذت في باريس، بينما التخطيط كان يجري قبل وقت طويل ضمن دوائر الاستخبارات التركية في أنقرة وإسطنبول تحت قيادة “حقان فيدان” وزير الخارجية التركي الحالي، الذي كان وقتها رئيساً لجهاز الاستخبارات التركية، وبإشراف مباشر من الرئيس التركي “أردوغان” الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك.
وبقيت السلطات الفرنسية تحقق مع منفذ الجريمة “عمر كوني” لمدة أربع سنوات، دون الوصول إلى أدنى نتيجة، والحقيقة أن السلطات الفاشية التركية، هم من يقفون خلف ارتكاب هذه المجزرة عبر جهاز الاستخبارات الخاصة بهم، ودور “عمر كوني” كان فقط تنفيذ الجريمة، إلى أن تم تصفيته داخل السجن، وبالتالي إغلاق ملف القضية، هذا الأمر يؤكّد بأن هناك اختراق في جسم السلطات الفرنسية من جانب الأتراك الفاشيين، وبالتالي تم تواطئ الطرفان في طمس القضية.
مجزرة باريس الأولى
وفي يوم التاسع من كانون الثاني 2013، بعاصمة النور “باريس” العاصمة الفرنسية، ارتكب مجزرة بشعة بحق ثلاث مناضلات كرديات داخل المركز الإعلامي الكردي في باريس، حيث قام “المجرم “ذو السوابق” عمر كوني، بإطلاق الرصاص من مسدس كاتم للصوت على كل من المناضلة ساكينة جانسيز “سارة”، وفيدان دوغان “روجبين”، وليلى شايلمز “روناهي”، ما أدى لاستشهادهن على الفور، ولم يكتشف المجزرة إلا في اليوم التالي، عندما زار أحد أعضاء المركز، وعندما لم يفتح أحد الباب، قام بالاتصال هاتفياً مع الشرطة الفرنسية، التي جاءت وكسرت الباب لتكتشف الجريمة النكراء.
استهداف الشعب الكردي في شخص شهداء المجزرة
ولم يكن استهداف ساكينة جانسيز ورفيقتيها وليد الصدفة، ولا مجرد عملية اغتيال بحق إحدى النساء الرائدات في حركة حرية كردستان، بل كان أبعد من ذلك بكثير، حيث أراد المحتل التركي من خلال عملية استهداف المناضلات الثلاث إلى كسر إرادة المرأة الكردية الحرة التي شاركت منذ بدايات تأسيس حركة حرية كردستان وكانت ضمن مقاومة السجون، ولم تستطع السلطات الفاشية التركية أن تنتزع منها إرادتها الحرة لمدة عشر سنوات في السجون والمعتقلات، رغم ممارسة كافة أنواع التعذيب النفسي والجسدي.
فقد استهدفت الشعب الكردي برمته من خلال هذا الاستهداف وكأنها تنتقم لذاتها التي مرغتها ساكنة جانسيز بالتراب، خلال مقاوماتها المستمرة سواء في السجون أو فوق قمم جبال كردستان الشماء وصولاً إلى ساحات العمل الدبلوماسي في أوروبا، كذلك الأمر بالنسبة لرفيقتيها فيدان دوغان وليلى شايلماز.
العدالة المفقودة
وعندما يتعلق الأمر بالكرد، تصبح العدالة في خبر كان، وهذا الأمر ينطبق ليس فقط على الدول المحتلة لكردستان فحسب، بل حتى أكثر الدول ادعاءً بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، فقد سبق وارتكبت أنظمة محتلة لأرض الكرد، ونخص بالذكر النظام الإيراني عندما أقدم على اغتيال اثنين من قادة الكرد في روجهلات كردستان (د. عبد الرحمن قاسملو في فيينا، ود.صادق شرف كندي في برلين)، وعندما لم يتم محاسبة القتلة من جانب السلطات النمساوية والألمانية، تشجّعت دولة الاحتلال التركي وارتكبت مجزرة باريس الأولى طالما ليس هناك محاسبة ولا ملاحقة ولا اعتقال.
المجزرة استمرار للمؤامرة الكونية
وبالتأكّيد، فإن مجزرة باريس هي استمرار للمؤامرة الكونية التي جرت بحق القائد والمفكر “عبد الله أوجلان”، لأنها نُفذت من قبل القوى نفسها التي خططت ونفّذت المؤامرة، فالهدف من هذا الاغتيال كان واضحاً فقد استهدف بالدرجة الأولى إرادة المرأة الحرة من خلال استهداف ثلاث نساء ناشطات في مجال حقوق المرأة، بالإضافة الى وضع عصى في دولاب المفاوضات التي كانت تجري بين القائد عبد الله أوجلان والحكومة التركية آنذاك، كذلك إبقاء المنطقة غير مستقرة من خلال التمهيد لتزايد هجمات القاعدة وظهور “داعش”.
فالأمر الأكثر وضوحاً في استمرار المؤامرة يكمن في أن القوى نفسها التي ارتكبت مجزرة باريس، هي من تقوم الآن بارتكاب المجازر بحق أبناء وبنات مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا عبر حربها المستمرة وهجمات مرتزقتها ممن أسمتهم بـ “الجيش الوطني” على مناطق أرياف منبج وعين عيسى وكوباني.
ومحاولات تجديد المؤامرة الدولية التي تجددت مع مجزرة باريس الأولى والثانية، ما تزال مستمرة، فالأطراف نفسها تقوم بارتكاب المجازر بحق الكرد والمرأة خصوصاً، في مناطق كردستان كافة “عفرين، بوطان، السليمانية، ديرسم، شنكال، مخمور، برادوست” وحتى خارج أجزاء كردستان الأربعة، الذين قاموا باغتيال الناشطات سارا، روناهي، وروجبين بالأمس، هم نفسهم من قاموا باغتيال “هفرين خلف، يسرى درويش، أفين كوي، ليمان شويش”.
استمرار المطالبة بالمحاسبة والعقاب
ويواصل الشعب الكردي مطالبة السلطات الفرنسية بمحاسبة ومعاقبة مخططي ومرتكبي مجزرة باريس الأولى، وهم معروفون جيداً للسلطات الفرنسية، فإن موت منفذ الجريمة “عمر كوني” لا ينهي القضية، بل على العكس من ذلك، لا بد للسلطات الفرنسية من كشف الحقائق التي تمتلكها حول هذه الجريمة البشعة، والتي ترتقي إلى مستوى الإبادة، فجميعنا يتذكر ما أدلت به محكمة الشعب الدائمة الفرنسية TPP يومي 15 و16 آذار 2018 في نهاية جلسة عقدت حول (تركيا الفاشية والشعب الكردي)، إذ أكّدت المحكمة المسؤولية المباشرة للدّولة التّركيّة عن قتل الناشطات الكرديّات الثلاث، واستندت المحكمة على اعترافات اثنين من عملاء جهاز الاستخبارات التركية MIT، والتي قام عناصر أمن حزب العمال الكردستاني بأسرهما في السليمانية بباشور كردستان، هذا وقد جاء في اعتراف العميلين أنه تم التّخطيط لاغتيال المناضلات الكرديات الثّلاث من قبل كبار المسؤولين في معهد (ماساتشوستس) للتكنولوجيا.