قامشلو/ جوان محمد ـ لم نستغرب عندما تم تداول صورة لِسجل مكتوب عليه المخبرين الرياضيين!، ضمن أحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام الساقط في سوريا، وذلك لأننا طوال السنوات الماضية التي كنا نغطي فيها الأحداث عانينا من هؤلاء، فبعض من الحكام والرياضيين كانوا يرفضون الظهور بالصور وكذلك ذكر أسمائهم خوفاً من أمثال هؤلاء المخبرين لدى النظام البائد.
في العام 2015 بدأت صحيفتنا “روناهي” بتخصيص صفحة للرياضة المحلية بالمقاطعات والرياضة السوريّة والعالمية، ووقتها كانت هناك إدارات ذاتية في ثلاث مقاطعات؛ تم الإعلان عنها في العام 2014، وهي الجزيرة وكوباني وعفرين، وكانت هناك في مقاطعة الجزيرة أندية رياضية تمارس العديد من الألعاب، وتواجدت هذه الأندية والفرق والمراكز الرياضية التي رُخّصت من قبل هيئة الشباب والرياضة والاتحاد الرياضي سابقاً والمجلس الرياضي حالياً بمقاطعة الجزيرة في العام 2015، وفي الوقت نفسه؛ كان هناك نادي الجهاد الذي كان مرخصاً من الاتحاد الرياضي العام السوري التابع للنظام البعثي البائد، وطبعاً كان هناك الكثير من الرياضيين ممن كانوا يعملوا في مجال التحكيم مثلاً في مختلف الألعاب وخاصةً لعبة كرة القدم للبطولات التي كانت تقام برعاية من الاتحاد العربي السوري لكرة القدم التابع للنظام البائد، وكان هناك حكام ورياضيين منهم يعملون في المجال الرياضي بمناطق الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة.
ولم تكن الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة تقترب من الرياضيين ونادي الجهاد الرياضي بعنصرية وتشدد وترفض مشاركتهم في المجال الرياضي بمناطقها، بل على العكس فقد قررت وقتها معاملة نادي الجهاد الرياضي معاملة الأندية المرخصة من المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة، ولكن إدارة هذا النادي كانت حذرة جداً في قضية الإعلام وحتى التعامل رسمياً مع المجلس الرياضي والأندية الرياضية التابعة لهذا المجلس، وهنا كصحيفتنا “روناهي” أصبحنا نعمل بظروف صعبة حتى لا نتسبب في خلق مشاكل لا لنادي الجهاد أولاً ولأي رياضي يعمل في الرياضة بمقاطعة الجزيرة، وفي الحال نفسه كان يعمل في الرياضة التابعة للنظام البائد.
لا تصورني كابتن
الإدارة الذاتية فتحت بابها للجميع، وعلى العكس قالت: “نود الاستفادة من خبرات وتجارب الحكام والرياضيين الذين كانوا يتمتعون بها طوال السنوات التي كانوا يعملون بها بالرياضة السورية، وطبعاً البعض منهم كانوا فاسدين وعملوا لفترة وتم إبعادهم بسبب محاولتهم لنقل ذهنية وفساد الرياضة التي كانت تدار من النظام البائد لرياضة مقاطعة الجزيرة، بينما من كان يود العمل والمساهمة في تطوير الواقع الرياضي فُتح له الباب ومنهم مازال يعمل إلى الآن”.
بينما النظام البعثي لم يكن تقربه على هذا الشكل، وكان يضغط على الكثيرين ويحاول ثنيهم عن الانضمام للعمل برياضة مقاطعة الجزيرة.
وكان الحكام في لعبة كرة القدم هم أكثر من كانوا يعانون بهذا الصدد، وكان العديد منهم يطلبون منا قبل المباراة أن لا نظهرهم في الصور أثناء تحكيمهم للمباريات بالبطولات التي كانت تنظم تحت رعاية المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة، وطبعاً مراعاةً لظروفهم وتقيداً منا بأخلاق المهنة الصحفية التي تطلب منا عدم تعريض الإنسان للخطر، كنا نواظب على عدم إظهارهم في الصور، وأحياناً كنا نتناقش ونقول “يعني حتى لو لم نصوركم، هناك بكل تأكيد مخبرين لهذا النظام، وسوف تصل لهم مشاركتكم في التحكيم ببطولات كرة القدم التابعة للمجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة”، ولكن كانوا يردون علينا “بأنهم يعلمون هذا الأمر، ولكن الأهم أن لا نظهر على وسائل إعلام رسمية، كي لا تكون دليل ومستند ضدنا لدى أجهزة الاستخبارات التابعة للنظام البائد”.
وخلال هذه السنوات ابتعد بعض الحكام عن التحكيم للبطولات التابعة للإدارة الذاتية والبعض الآخر كان يمارس مهنة التحكيم ولكن لا يتم تصويرهم، ولا ننسى بأن البعض كان يقوم بمهام التحكيم ولم يطلب منا عدم تصويره.
عم تشتغل مع قسد!
أحد الحكام أسمعنا تسجيل صوتي لضابط في قوات الأمن التابعة للنظام البائد يتصل به ويقول له “شو يا كابتن عم تشتغل مع قسد؟” تصوروا يحسبون حتى الرياضة على قسد؟ وهي قوات سوريا الديمقراطية التي تحمي المنطقة وتحارب مرتزقة داعش بالتعاون مع التحالف الدولي، وهي قوة عسكرية ولا علاقة لها بالرياضة، وفي المكالمة الحكم كان ينفي هذا الحديث له، وهذا الحكم في أكثر من مناسبة تغاضينا عن نشر صوره واسمه خوفاً من اعتقاله، ولذلك كنا نعاني بشكلٍ كبير، فالكثير من اللقطات للمباريات كنا نقوم بحذفها حتى لا تظهر صور الحكام فيها، وحتى كانت بعض تقاريرنا ناقصة المعلومات لهذا السبب، فمثلاً تنظيم دورة تحكيم يُتطلب ذكر المحاضر فيها، ولكن كنا لا نذكر اسمه ولا نُظهر صورته، وننشر فقط أنه أُقيمت دورة وعدد المشاركين والأهداف والمدينة، وكل ذلك لحماية هؤلاء الحكام من هذا النظام العنصري.
وليس الحكام فقط، بل بعض المدربين الذين كانوا يدربون الأندية المرخصة من المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة كانوا يتعرضون للتحقيقات وكنا نتحفظ على نشر صورهم أيضاً، خوفاً من اعتقالهم من الجهات الأمنية التابعة للنظام البائد، كونهم كانوا أما موظفين لدى هذا النظام أو كانوا يسافرون لمناطق سيطرة هذا النظام في ذلك الوقت، وقصة الحكام نفسها كانوا يقولون لنا “نعلم تماماً بأن هذا النظام يراقبنا عبر جواسيسه ويعلم كل شيء، ولكن المهم ألا يكون هناك دليل ملموس بين أيديهم وظهور لنا في صور تدريبات أو مباريات للأندية التابعة للمجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة”، وحتى علمنا أن البعض منهم تعرضوا للتهديدات والتحقيقات بسبب قيام بعض المخبرين الرياضيين تصويرهم خلسةً، وإيصالها مع تقارير مفصلة للجهات الأمنية والاستخباراتية التابعة للنظام البائد.
وكل ما يُذكر كان يُعيق عملنا، وفي السياق نفسه؛ نادي الجهاد الرياضي فقد كان مرخصاً كما ذكرنا من الاتحاد الرياضي السوري العام التابع للنظام البائد، وكانت الإدارة الذاتية تراعي ظروف النادي كثيراً كونه كان محروم من اللعب على أرضه بقرار من النظام البعثي، وكان يكنُّ هذا النظام حقداً كبيراً على النادي وخاصةً بعد الأحداث التي واكبت مباراتهم مع نادي الفتوة بآذار عام 2004، والتي اندلعت على أثرها انتفاضة قامشلو وهي باتت قصتها معروفة للجميع، وحتى كانت الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة تقدم المساعدات المالية وصفحة النادي لا تنشر والإدارة الذاتية كانت تطلب منا عدم نشرها أيضاً حتى لا تؤثر على وضع النادي، وهذا حصل في أكثر من مناسبة، وحتى كان النادي يتحاشى التعاطي الإعلامي مع صحيفتنا ومع فضائية روناهي بمنحنا التصريحات، وبالرغم من ذلك وبسبب تغطيتنا لأخبار النادي فقد قام النادي لمرتين بتكريم صحيفتنا “روناهي” لأنها فرضت نفسها على الساحة الرياضية وعلى الوسائل الإعلامية الأخرى بتغطيتها لأخبار نادي الجهاد، كوننا كنا نساند النادي في محنته ومازلنا، فهو محروم من اللعب على أرضه وبين جمهوره ويفتقر للإمكانيات المادية، وكان حزب البعث هو الذي يقوم بتعيين أعضاء مجلس إدارة نادي الجهاد والأندية في سوريا كافة، في تدخّل سافر بالعمل الرياضي والذي يمنعه الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي لم يحرك ساكناً لأفعال هذا الحزب وتدخله في المجال الرياضي وجعله منظومة غارقة بالفساد من الباب إلى المحراب.
وحتى أعضاء ورئيس إدارة نادي الجهاد تعرضوا للمساءلة، البعض منهم لعدة مرات بسبب المخبرين الرياضيين الذين كانوا يرفعون التقارير إلى الجهات الأمنية بهم، وحتى هذه التقارير تسببت باعتقال بعض من لاعبي الجهاد لمرتين، وفي الوقت نفسه كان البعض يحاولون أن يُظهروا أن الإدارة الذاتية بمقاطعة الجزيرة تعادي نادي الجهاد، وذلك عبر بعض الرياضيين المحسوبين على الأندية التي كانت مرخصة من المجلس الرياضي بمقاطعة الجزيرة، ولكن محبة الجماهير واللاعبين وبعض المدربين والإداريين ويقظة الإدارة الذاتية أفشلت الكثير من الفتن التي كانوا يحاولون أن يزرعوها هؤلاء.
إلا صحيفة روناهي..!
لم نكُن نعلم لماذا كانت سياسة القيادات التابعة للنظام البعثي البائد تكنُّ كل هذا العداء لصحيفتنا “روناهي”، حيث تم استدعاء أحد الحكام وطلبوا منه عدم التصريح لصحيفتنا “روناهي”، وكما قاموا باستدعاء مدرب من مدينة قامشلو وتوبيخه بعد أن منحنا تصريح، وضمن التصريح وقتها كتبنا ضمن سياق التقرير النظام السوري، فقد أخبرنا ذلك المدرب بأنهم كانوا متضايقين من هذا الوصف كثيراً وكانوا يطالبون بوصفهم بالحكومة السورية، وطبعاً حفاظاً منا على حياة ذلك المدرب توقفنا عن أخذ التصاريح منه أو إظهار صوره على صحيفتنا “روناهي” كموقع وصحيفة مطبوعة وعلى صفحتنا الرياضية على الفيسبوك.
وكان النظام البعثي البائد يزرع الجواسيس والمخبرين في كل القطاعات والمجالات التي كانت تدار في البلاد، وفي المجال الرياضي فقد تم إعطاء الصلاحية المطلقة لحزب البعث في تولي الملف الرياضي منذ عقود، وحزب البعث كان يُعيّن الإدارات ويُقيلها، واليوم ندخل عهداً جديداً وكل آمال الرياضيين أن يشهدوا رياضة سوريّة خالية من المحسوبيات والمخبرين وأن يعملوا بحرية وأن يبتعدوا عن المجال الرياضي كل المخبرين والفاسدين وخاصةً في قضية انتقاء اللاعبين للمنتخبات الوطنية وخاصةً في لعبة كرة القدم، الذي عُرف أنه منتخب الواسطات.