د. علي أبو الخير
مازلنا نتحسس الخُطى حول الحديث عن مستقبل الدولة السوريّة؛ فمازال الحاضر مُلبداً بغيوم سياسية واجتماعية وثقافية؛ نود لها أن تنقشع؛ ونرى ما حدث عبارة عن زلزال سياسي، وانقلب الحال إلى الضد، والوفود من الدول الكبرى تتوالى في زيارات ومقابلات مع من يحكم البلاد خلال الفترة القصيرة الماضية، فقد جاءت وفوداً رسمية من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، جاؤوا ليحددوا مستقبل سوريا، ومن ضمنهم الكرد في شمال وشرق سوريا مع باقي الشعب السوري.
وهو الأمر الذي يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعمل على إحباطه أي دمج بين الكرد وبين باقي أطياف الشعب السوري، يريدها فتنة للتوسع على حساب الدولة السوريّة، وهو سبب الفتنة بجانب أمريكا والكيان الصهيوني، لأن أردوغان يعلم جيداً أن حصول الكرد في سوريا على حقوقهم ثم دمجهم في العملية السياسية، سوف ينعكس حتماً على الكرد في تركيا، ويطالبون بنفس المطالب، والكرد يجاهدون منذ عقود في الحصول على حقوقهم، ويطالبون بالإفراج عن الزعيم (عبد الله أوجلان) دون أن يستجيب أردوغان.
فشل الهجوم التركي الأعمى على الكرد
حاول أردوغان استباق الأحداث، فقام بشن غارات عشوائية دموية على الكرد، وفشلت حملاتهم، فقد تصدت لهم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقُتل الكثيرون من القوات التركية الغازية، والمعلوم بالضرورة أنه وبعد سقوط بشار الأسد، تسعى تركيا إلى إضعاف القوات العسكرية في المنطقة، تمهيداً لاحتلالها.
ومازالت تركيا الأردوغانية تستمر في فرض ضغوط كبيرة على الكرد في سوريا، (حسب تقرير في موقع سكاي نيوز عربية بتاريخ 18 كانون الأول 2024 تحت عنوان كرد سوريا بين أمن تركيا القومي ووحدة الأراضي السوريّة)، معتبرة أن أي تمكين لهم في النظام السوري الجديد، يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ويتزايد هذا القلق التركي (كما يدّعي أردوغان) بسبب العلاقة بين بعض الجماعات الكردية في سوريا وحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعده أنقرة تنظيماً إرهابياً، لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بحق تقرير مصيرهم. بالطرق السلمية، وحديث أردوغان لا صحة له لأنه يفرض القيود على الكرد في تركيا ولا يريد السماح بوجود حل سلمي في سوريا ودمج الكرد ضمن العملية السياسية ووضعهم في الدستور المقرر سنّه مستقبلاً.
الكُرد …اتصال وليس انفصال عن الدولة السوريّة
الشعب الكردي شعب ثوري بطبيعته، ولكنه أيضاً مُحب للسلام، وكل مطالبه هي الإنصاف السياسي والاجتماعي، وهو ما أكده الباحث السياسي رستم محمود، في حديثه لـشبكة “سكاي نيوز عربية”، بأن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليست مجرد قوة وظيفية أو عميلة، بل هي قوة نشأت للدفاع عن المنطقة بعد توسع تنظيم داعش في سوريا، وإن “قسد” وفيّة للمبادئ السوريّة، لأن الكرد في سوريا لا يسعون للانفصال، بل يسعون لبناء وطن سوري شامل لجميع مكونات الشعب السوري لأن “قسد” تمثل قيم الثورة السورية، لأنها لعبت دوراً محورياً في تحرير المناطق من تنظيم داعش، وأن كل الدلائل تشير إلى أن “قسد” مستعدة للقبول بأي شروط تهدف إلى الحفاظ على السلام في المنطقة، خاصةً في سوريا، ومن حق الكرد التحسب لمستقل الكرد، ربما ليس في سوريا وحدها، بل مع باقي طموحات باقي الشعب الكردي، وهو ما يُقلق أردوغان”.
نظرة مستقبلية
باستشراف المستقبل، نجد أن قسد تواجه تحديات كبيرة في تحقيق توازن بينالمطالب الإقليمية، والضغوط الدولية، والحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة، أي التواصل وليس الانفصال.
هذا بالإضافة إلى أنه يوجد تحالف بين قسد ودول كبرى، خاصةً الولايات المتحدة، وتحاول أمريكا المواءمة في العلاقة الجديدة مع الإدارة السوريّة الحديثة، ولذا ترى الإدارة الأمريكية وجود دور مهم للغاية للكرد، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن دور مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية حيوي، لمنع عودة تنظيم داعش إلى الظهور مرةً أخرى بعد الإطاحة ببشار الأسد ، وإن الولايات المتحدة ستواصل حماية مواقعها في شمال شرقي سوريا للتصدي لجهود تنظيم (داعش) وحفاظاً على سلامة قوات سوريا الديمقراطية، وقد حاول بلينكن إقناع تركيا بحصر تحركاتها، وإن بإمكان تركيا الخروج من المأزق الحالي، إن تمكنت من إحلال سلام واسع مع الكرد، بما في ذلك مع الكرد في تركيا، أي تلبية مطالبهم والإفراج عن الزعيم عبد الله أوجلان، الرمز المناضل لكل الشعوب.