كاوە نادر قادر
تُعدُّ القضية الكردستانية من أعقد القضايا الإقليمية وأكثرها تشابكاً، خاصةً في ظل الظروف الراهنة في روج آفا (غرب كردستان). تعيش هذه المنطقة في قلب نضال متعدد الأبعاد، حيث تقف أمام تحديات وجودية تشمل تدخّلات القوى الإقليمية والدولية. في هذا السياق، برزت ظاهرة رفع صور “عبد الله أوجلان”، القائد الكردستاني المعتقل، في العديد من المناطق والفعاليات داخل روج آفا، ما أثار جدلاً واسعًا حول دلالات هذا الفعل وأبعاده.
بين حرية التعبير والضغوط الإقليمية
من المهم التأكيد على أن رفع صورة القائد “عبدالله أوجلان” في روج آفا يعبّر عن معتقدات جزء كبير من الشعب الكردستاني، الذين يرون فيه رمزًا للمقاومة والنضال من أجل الحرية. مع ذلك، تواجه هذه الخطوة انتقادات من بعض الجهات السياسية والمحللين الذين يرون أنها قد تؤدي إلى تعقيد العلاقات مع الدول المعادية للطموحات الكردستانية، وخاصةً تركيا التي تعتبر أي ترويج لفكر “عبد الله أوجلان” تحديًا مباشرًا لها، إذ تضعه في قلب معركتها ضد الحركة الوطنية التحررية الكردستانية.
التوترات حول رفع صورة القائد عبد الله أوجلان ليست جديدة، ففي عام 2016، أُثيرت خلافات حادة في المناطق الكردية شمال سوريا بسبب رفع صور “عبدالله أوجلان” في ظل معركة كوباني ضد داعش. في ذلك الوقت، اعتبر البعض أن رفع هذه الصور كان إشارة إلى وحدة الصف الكردستاني ضد الأعداء المشتركين، بينما رآها آخرون استفزازاً لبعض القوى الدولية التي تراها تهديدًا لمصالحها في المنطقة.
لكن هنا يبرز سؤال جوهري: لماذا يتم توجيه الانتقادات لرفع صورة “عبدالله أوجلان”، بينما يتم التغاضي عن رفع صور شخصيات أخرى تُعتبر رموزًا قومية في سياقات مشابهة؟ فمثلاً، لا نرى اعتراضًا على رفع صور “مصطفى كمال أتاتورك” أو “رجب طيب أردوغان”، رغم أن هذه الصور تُستخدم أحيانًا كأدوات لاستفزاز الکرد. كما أن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا يُعلق صور المرحوم “الملا مصطفى بارزاني” القائد الكردستاني الآخر، دون أن يواجه انتقادات مماثلة، هذا التناقض يسلط الضوء على ازدواجية المعايير في التعامل مع الرموز الكردستانية.
عبدالله أوجلان (رمز المقاومة والوحدة)
رفع صورة “عبدالله أوجلان” لا يشير إلى كونه تعبير عن الولاء لشخصية معينة، بل يحمل في طياته رسالة أعمق ترتبط بالمبادئ التي ألهمت النضال الكردستاني. فكر “عبدالله أوجلان” لعب دورًا محوريًا في بناء إرادة المقاومة والثبات في مواجهة الغزاة الأتراك، داعش، والمجموعات المتطرفة الأخرى. لذلك، فإن استهداف هذا الرمز يُعتبر جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إضعاف الروح الوطنية الكردستانية وضرب وحدة النضال.
أبعاد الاستراتيجية التركية
الإصرار التركي على إزالة صورة عبدالله أوجلان ليس مطلبًا عابرًا، بل يعكس استراتيجية أوسع تهدف إلى القضاء على الروح الكردستانية الجماعية (يكتي نتوي). تركيا تسعى بشكلٍ مستمر لتقويض رموز الهوية الكردستانية وتعميق الانقسامات الداخلية بين الأحزاب الكردستانية. في هذا السياق، يجب أن نتساءل: لماذا يتم التركيز على الرموز بدلًا من البحث عن نقاط مشتركة تعزز الوحدة الوطنية؟
على سبيل المثال، يُظهر الحزب الديمقراطي الكردي احترامًا خاصًا لشخصية “بارزاني” والاتحاد الوطني الكردستاني لـ “جلال الطالباني”، كما يعلق الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صورة “عبدالرحمن قاسملو”، بينما يتبنى حزب الاتحاد الديمقراطي فكر “عبد الله أوجلان”. هذا التنوع في الرموز يعكس تعددية في الفكر والسياسة داخل المجتمع الكردستاني، لكن تركيا تسعى لاستغلال هذا التنوع كأداة لزرع الفتنة.
الدعوة للوحدة واحترام التنوع
إن النضال من أجل تحرير كردستان يتطلب تجاوز الحزبية الضيقة والتركيز على الأهداف المشتركة، والاحترام المتبادل بين مختلف القوى الكردستانية ضروري لتعزيز وحدة الصف، إن رفع صورة “عبدالله أوجلان” أو “بارزاني” أو “طالباني” أو “قاسملو” يجب أن يُنظر إليه كجزء من التعبير عن الهويات السياسية الكردستانية وليس كمصدر للانقسام، من المهم أيضًا إدراك أن المحاولات الانفصالية داخل الصف الكردستاني لم تحقق نجاحًا يُذكر على مدار عقود، ومع ذلك، تستمر بعض القوى في المطالبة بتبني نموذجها الفكري باعتباره الحل الأمثل. هذا الإصرار على فرض رؤية واحدة يتعارض مع طبيعة النضال الكردستاني المتعدد الأبعاد
خاتمة