عبدالرحمن ربوع
على مدى أكثر من أسبوعين قضاها السوريون في إقامة الأفراح والليالي الملاح ابتهاجًا بالتغيير الذي حدث في سوريا برحيل بشار الأسد وسقوط نظامه وهروب معاونيه، واصلت مؤسسات الدولة أداء وظائفها، وإنْ بالحد الأدنى الذي هو أفضل بكثير مما كانت عليه قبل هروب الأسد إلى روسيا، تحت ضغط الفصائل التي زحفت من إدلب ودرعا ووصلت خلال عشرة أيام إلى دمشق.
لكن هذه الفرحة، بطبيعة الحال، لم تُنسِنا فئتين من السوريين لم تستطيعا التعبير عن فرحهما وسعادتهما بخلاص سوريا من نظام الأسد، وطيّ صفحة من تاريخ سوريا وفتح صفحة جديدة. وهاتان الفئتان هما سكان شمال وشرق سوريا وسكان الجولان والقنيطرة، وهما أكثر فئات الشعب السوري اكتواءً باستبداد وفساد نظام الأسد على مدى أربعة وخمسين سنة من حكم الأسدين الأب والابن.
اعتداءات مزدوجة
حيث تستغل كل من تركيا وإسرائيل حالة الفراغ السياسي والانكفاء الأمني والعسكري. بالإضافة إلى انشغال الفصائل المسلحة في إحكام قبضتها على دمشق وبقية المحافظات التي دخلتها مؤخرًا؛ حلب وحماة وحمص واللاذقية وطرطوس، كذلك انشغال حكومة تسيير الأعمال برئاسة محمد البشير في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وذلك وفق أجندة محددة يتم تطبيقها للقطيعة التامة مع النظام السابق ومتوافقة إلى حدٍ كبير مع معايير الإدارة الجديدة التي تقودها هيئة تحرير الشام.
وفيما كادت إسرائيل أن تبتلع محافظة القنيطرة وأجزاء من دمشق ودرعا بحجة تأمين حدودها، ورصد تحركات فصائل المعارضة التي تخشى أن تتقدم باتجاه الجولان المحتلة؛ تقوم تركيا بحملة عسكرية لا هوادة فيها لعبور نهر الفرات من خلال سد تشرين، وقصف البلدات والقرى والمدن على طول الحدود السورية التركية موقعة عشرات الضحايا والإصابات بين المدنيين، ومدمرة المزيد من البنى التحتية في المنطقة.
وفيما لم يصدر عن الإدارة الجديدة إلا تصريح خجول من مرهف أبو قصرة (أبوحسن الحموي) مسؤول إدارة وزارة الدفاع في دمشق يطالب المجتمع الدولي “وضع حد للتجاوزات الإسرائيلية”؛ لا تبدو الإدارة الجديدة بصدد الاعتراض على تركيا وما تقوم به بعمليات عسكرية بالتعاون مع الفصائل التابعة لها. هذا فيما وجهت العديد من العواصم العربية إدانات للتمدد الإسرائيلي والتركي على الأرض السوريّة، لكن دون تلقي أيٌّ من تل أبيب أو أنقرة بالًا لأيٍ من هذه الاعتراضات الروتينية التي لا تتجاوز إطار الرمزية، وتسجيل المواقف، دون أي فاعلية أو ضغوط مؤثرة تحفظ لسوريا استقلالها وسيادتها على أراضيها.
بداية غير مُبشرة
إنها بداية غير مُبشرة للإدارة الجديدة التي تفضل الصمت على الكلام، وتفضل العطالة على الحركة، وتستمع للإملاءات بدلًا من اتخاذ القرارات. كما تخفض جناحها لتركيا وإسرائيل دون أي ردة فعل، وكأن الجزيرة والقنيطرة ليستا من سوريا أو أن أهلهما ليسوا بسوريين، وكأن من يسيطر على دمشق اليوم لا مسؤولية عليهم تجاه حماية وصيانة تراب سوريا وحماية مواطنيها من الاعتداءات الخارجية.