د. علي أبو الخير
تعيش سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد حالة من انعدام الوزن السياسي والوطني؛ حيث وصل للحكم مجموعات المعارضة المسلحة؛ بدعمٍ تركي أمريكي إسرائيلي؛ رغم إنهم صُنِفوا من قبل تلك الجماعات المسلحة بالإرهاب، وبالتالي قد يحارب رفاق السلاح من المجموعات بعضهم البعض؛ وتشتغل الحرب الأهلية من جديد؛ وهو أمر لا يُريده أحد؛ ويخشى الكثيرون من تكرار النموذج الأفغاني في سوريا؛ ورغم وجود دلائل تُبرر هذا الخوف؛ إلا أنه توجد فوارق بين الحالتين السوريّة والأفغانية.
شبح التجربة الأفغانية وسُبل منعها
لا نعتقد تكرار النموذج الأفغاني في سوريا، حيث تختلف سوريا عن أفغانستان؛ من حيث الموقع الجغرافي والسياسي؛ وحتى في هدف الحرب يوجد اختلاف بين الدولتين؛ والشبه الذي يُخيفنا هو أن تتحول أرض سوريا إلى صراع أهلي بعد زوال النظام البعثي.
كما ذكرنا فإن موقع سوريا في بؤرة منطقة الصراع مع القوى الصهيونية والإمبريالية؛ وفي أرض الشام دارت الحروب الصليبية؛ ويعمل الكيان الصهيوني على تمزيق دول الطوق العربي من جيوشهم؛ ولكن أفغانستان تقع في هامش منطقة الشرق الإسلامي؛ صحيح أن من نتائج الحرب على أفغانستان إنها أنهت الاتحاد السوفيتي؛ كما اقتتلت الفصائل فيما بينها؛ وصدّروا الإرهاب للعالم؛ وفي النهاية جاءت طالبان للحكم، ولكن بنسخة أمريكية مُعدلة؛ كما قال الأستاذ عبد الله عبد السلام في مقاله (حتى لا نترك سوريا وحيدة) في جريدة الدستور المصرية يوم 13 كانون لأول 2024 .
وفي الحالة السوريّة تميل المعادلة للرؤية الأمريكية الصهيونية؛ نشاهد ذلك في قول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “إن بلاده قد تغير تصنيف هيئة تحرير الشام، كمنظمة إرهابية”، وأضاف كما جاء في وسائل الإعلام: “سمعناهم يقولون أشياء صحيحة حول الإدماج ودفع العملية السياسية للأمام، ونحن نريد إجراء محادثات مع المجموعات الرئيسية داخل سوريا”.
أما إسرائيل فقد جعلت سوريا ساحة مُستباحة، وتقوم حاليًا بتغيير الوقائع على الأرض؛ ويفتخر نتنياهو بتدمير كل ما يملكه الجيش السوري.
كما انحاز الأوروبيون للرؤية الأمريكية، ففي بريطانيا سُمِح برفع علم المعارضة على السفارة السوريّة في لندن، وقال مسؤول بريطاني: “يجب عدم التخلي عن سوريا حتى لا تعود إلى الحرب الأهلية”، أما فرنسا وألمانيا فقد أوضحتا أن موقفهما من هيئة تحرير الشام يعتمد على تعاملها مع الشعوب. لم ترفض الدولتان من البداية التعامل مع الهيئة.
مستقبل سوريا
سوريا أمامها الكثير من الوقت حتى تستقر، حيث تملأ المجموعات المسلحة الفراغ السياسي والعسكري الراهن بعد تفكك الجيش السوري، كما يقول الكاتب البريطاني سايمون تسيدال، ستحاول أن تشغله ميليشيات مسلحة تسعى لتحقيق مصلحتها على حساب مبادئ العدالة والمصالحة.
إن الخلافات العقائدية والسياسية والولاءات للقوى الأجنبية هي شديدة وعنيفة، كما إن التنوع السوري، مُتعدد الأعراق والأديان والأيديولوجيات، لن يجعل الوصول إلى سوريا الجديدة، التي تأملها النُخبة الفكرية والثقافية، سهلًا.
على سبيل المثال، ما هي نظرة الحكم الجديد إلى الطائفة العلوية التي تمثل ١٥٪ من السكان، وكيف سيتم التعامل معها؟، بالانتقام أو الدمج؛ وما تصوّر قيادات تلك الطائفة، التي حكمت البلاد منذ ١٩٧٠ حتى أيام قليلة خلت، لدورها المستقبلي؟
أيضًا الموقف الجديد من الكُرد؛ حيث لابد أن يصبحوا جزءًا من تركيبة الحكم؛ فربما لا تنسى المجموعات الجديدة انتصار الكرد على داعش؛ ربما يحدث الانتقام من الكرد، ولابد أن تُدرك النخب الثقافية السوريّة والعربية هذا الأمر.
إن أفضل السيناريوهات، كما يقول ريتشاردلوبارون، السفير والدبلوماسي الأمريكي السابق بالمنطقة، هو أن تسير الأمور بشكلٍ هادئ، حتى وإن لم يمنع ذلك المجموعات من القتال فيما بينها في مناطق محددة للإبقاء على مصالحها.
أما أسوأ السيناريوهات فهو دخول المجموعات في معارك شاملة، مما يؤدى إلى انهيار الدولة وعودة الحرب الأهلية؛ والمستفيد الأول والأخير هو المتربصين بالشعب السوري؛ وليس غريبًا أن صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية نشرت تقريرًا ادّعَت فيه أن عصر السلطة الواحدة، التي تسيطر على كامل التراب السوري، انتهى خلال السنوات الماضية، منذ دخول البلاد في أتون حرب أهلية عقب قمع الثورة السوريّة ٢٠١١.
الدور العربي في لمِّ الشمل السوري