عبد الغني أوسو
عاشت شعوبُ مزوبوتاميا والشرق الأوسط حياةً مشتركة منذ آلاف السنين، ابتداءً بالهوريين والكوتيين، وانتهاء بالميديين الذين أسسوا كونفدرالية في ذلك العهد. ولا يخفى على أحدٍ الأساليب التي تمت بها إدارة الشعوب والأمم في العصور القديمة من فيدرالية وكونفدرالية، واستمرت آلاف السنين، فلم ينقطع الكردُ عن الشعوب المجاورة لهم طيلة آلاف السنين، فعاشوا مع الفرس والعثمانيين والعرب، ومن الناحية الدينية عاشوا مسلمين وإيزديين ومانيين سويةً. واليوم تمرّ مرحلة على الكرد في سوريا لم تمرّ علينا منذ مئات السنين، والظروف باتت مناسبة لبناء سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية، جميع الشعوب والأمم والأديان لها مكانها في الإدارة، لذلك يجب على الكرد وجميع الشعوب في المنطقة التكاتف والتلاحم، حيث مرت المنطقة وخاصة إقليم شمال وشرق سوريا بتجربة غنية وهي الإدارة الذاتية الديمقراطية ووحدة وتكاتف الشعوب: الكرد والعرب والسريان والأرمن والآشوريين. كذلك تم التخفيف من مسألة سلطة الرجل، وتم تجاوز الكثير من العقبات التي كانت تعيق مسيرة الإدارة الذاتية الديمقراطية. واليوم يجب تجاوز كلّ العقبات والعوائق التي تعيق مسيرة الحركة نحو الأهداف الحقيقة لشعوبنا. لذلك لا بدّ أن تلعب القيادات والشعب دورها في هذه المرحلة الحساسة والحرجة، وأن يلتزم الجميع بالمهام الموكلة إليهم، حيث التخلص من الفردية والأنانية والحزبية والمفاهيم التقليدية الضيقة، حيث يجب تمثيل النهج الذي استشهد الآلاف من المقاتلين من أجله. كما يجب تمثيل خط المقاومة أحسن تمثيل، فشعوبُ شمال وشرق سوريا بقيت ملتزمة بخط الدفاع المشروع وخط المرأة الحرة وأخوة الشعوب والمجتمع الديمقراطي الحر، فهذه التجربة هي تجربة فريدة من نوعها، حيث يتم الالتزام بكل القيم المجتمعية من أخلاق وضمير ووجدان، لذلك ستنجح هذه التجربة الفريدة بدءاً من هذه الجغرافيا، فهناك مثل يقول: كل نبات ينمو على جذوره وجذور القيم الإنسانية موجودة على هذه الجغرافيا.
الإدارة الذاتية تمثل الوجهَ الآخر الإيجابي الذي لا بديل له في الوقت الحاضر أمام الكرد في سوريا وباقي القوى الديمقراطية في الدفاع عن مكتسبات تم انتزاعها بالدم وعرق الشعوب وتضحيات الآباء والأمهات، والحصن الذي يجب الدفاع عنه حتى إعلان النصر النهائي، والعبرة تكون بالنتائج لا بالمقدمات.