ضياء اسكندر
بعد سنوات من الحروب والصراعات، أصبح السوريون بحاجة ماسّة إلى عقد اجتماعي جديد، عقدٌ يعترف بأن الهويات ليست سبباً للصراع، بل مصدراً للتنوع الثقافي والفكري. عقدٌ يُبنى على مبادئ المساواة والعدالة، بعيداً عن التصنيفات الوراثية التي لم يخترها أحد.
إن محاسبة الإنسان بناءً على انتمائه إجحافٌ يتنافى مع مبادئ العدالة، خاصةً في مجتمع لم يُتح لأفراده حرية اختيار هوياتهم. وفي سوريا الجديدة، يجب أن تتكامل الجهود لإعادة بناء الإنسان جنباً إلى جنب مع بناء الدولة، مع التركيز على تصحيح المفاهيم المجتمعية التي ترسّخ القيم السلبية، فالإنسان الواعي هو الأساس لدولة عادلة، والانتماء ينبغي أن يتحوّل إلى قيمة تُحتفى بها، لا عبئاً يُثقل كاهل الأفراد أو مبرراً لإقصائهم.
التحذير من فخ المحاصصة الطائفية
من الخطير للغاية أن يُؤسَّس الدستور السوري على المحاصصة الطائفية، كما حدث في تجارب أخرى مثل لبنان والعراق، حيث أسهمت هذه المحاصصة في تفتيت المجتمع وتعميق الانقسامات. هذا التوجه، الذي تسعى بعض القوى المتربصة بمستقبل سوريا إلى فرضه، يشكّل تهديداً مباشراً لوحدة البلاد وازدهارها. هذه القوى تخفي نواياها الخبيثة تحت عباءة التصريحات الوردية، منتظرة اللحظة المناسبة للانقضاض وإثارة الفوضى والتخريب.
من هنا، نؤكد على أهمية اعتماد دستور علماني في سوريا، بعيداً عن التصنيفات الطائفية والعرقية، كسبيل رئيس لبناء دولة حديثة ومتقدمة. ويجب الإشارة إلى أن الدستور الحالي، كما الدساتير السابقة، يحتوي على الكثير من البنود الإيجابية، لكن المشكلة تكمن دائماً في التطبيق. فقد أدّى غياب الديمقراطية والمساءلة إلى تحويل النصوص إلى مجرد حبر على ورق، مما فتح المجال لانتهاك القوانين دون أي رادع.
مسؤولية النخب السورية
اليوم، وليس غداً، تقع مسؤولية كبرى على عاتق النخب السورية، من سياسيين ومثقفين وحقوقيين وأدباء، وكل من يحمل همّ مستقبل البلاد. يجب أن تُضاعف هذه الأطراف جهودها لبلورة مشروع وطني جامع ينقذ الأجيال القادمة من دوامة الانقسامات. وما نشهده في هذه الأيام من دعوات، من مختلف أنحاء البلاد، لعقد اجتماعات وحوارات حول الشأن السوري ومستقبله، يشكل عصفاً ذهنياً قد يكون نواة يمكن أن تبني عليها اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها في قادم الأيام.
إن الحل الحقيقي يتمثّل في تبنّي دستور علماني يُرسّخ المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، دون تمييز قائم على العرق أو الدين أو الطائفة.
إذ ليس أصعب من العودة إلى الجدل حول بديهيات الأمور. فمن منّا اختار قوميته أو قبيلته؟ من قرر مذهبه أو طائفته؟ هل أُجري استفتاء لاختيار الانتماءات؟ بالطبع لا. جميعنا وُلدنا في سياقات اجتماعية وثقافية محددة، ورثناها مثلما ورثنا الملامح الجسدية.
المرحلة تستدعي أن تُوجّه جهود القوى المؤثرة في المشهد السوري، بما في ذلك الهيئة والجهات السياسية والعسكرية الأخرى، نحو تعزيز الوحدة الوطنية بدلًا من تعميق الانقسامات القائمة.
ويبقى هنا الأمل معقودًا على ترسيخ قيم التسامح والتعاضد بين فئات الشعب. فبالتعاون مع القوى الخيّرة، يمكن رسم عالمٍ جديد تُبنى فيه جسور للتواصل بين الطوائف والأعراق، لتجنّب مأساة جديدة على أنقاض القديمة.
لقد عانت سوريا تاريخياً، من غياب العدالة الاجتماعية، وافتقار الديمقراطية السياسية، وتقييد حرية الرأي والمعتقد. هذه العوامل كانت من الأسباب الجوهرية للأزمة التي عصفت بالبلاد خلال العقد الأخير.