خطر أحداث سوريا على الأمن القومي العربي

د. علي أبو الخير

من أهم ما تعلمناه في المدارس قديماً؛ أن من أسباب وضع الكيان الصهيوني الغربي وحمايته، هو منع التواصل بين مصر والشام؛ كما لو كانت حرباً صليبية جديدة؛ كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن؛ وما ذكره الرئيس الحالي جو بايدن بأنه صهيوني رغم كونه ليس يهودياً.

ومن هنا ندرك فداحة الخطر القادم؛ لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد؛ بعد انهيار لبنان والعراق وغزة وفلسطين، وسوريا التي ساهمت بصورة كبيرة في التشكيل الأساسي للهوية العربية وقاعدة للأمن القومي العربي؛ صارت هي ذاتها مُهددة من الداخل في ظل نظام بشار الأسد؛ وبالتالي مهددة للأمن القومي العربي.

لقد جاء سقوط نظام البعث وهروب الأسد كشرخ في نظرية الأمن القومي العربي؛ وجاء سقوط النظام في دمشق غريبًا في حدوثه، فللمرة الأولى يكون سقوط عاصمة عربية ليس بيد احتلال أجنبي مباشر، كما فعلت أمريكا، أو بيد تجمّع من دول” حلف الناتو”، التي نفذت حظرًا جويًا على ليبيا في 2011 ، كما قال الأستاذ يحيى عسكر في مقاله في جريدة الدستور المصرية) يوم 8 كان الأول2024 )، وحقيقة ما حدث أنها المرة الأولى أيضاً منذ استقلال الدول العربية، نجد دولة سقطت في يد مجموعات؛ وربما جاء الخير مما نرجو.

والغريب أن ما حدث هو انهيار  لحكومة دمشق ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش السوري، فقد اختفى الجيش السوري تمامًا من أنحاء سوريا، فاتحاً الطريق أمام المعارضة الذين صاروا الحكام الجدد؛ لكن الجيش السوري تفوق في وقت ومعدل اختفائه، الكل لا يصدق ولا يعرف في أي وقت، فقد انسحب من كل المواقع دون أن يشتبك أو يطلق طلقة واحدة تع تقدّم” الفاتحين”.

كان أمام نظام بشار فرصة ذهبية لإعادة بناء سوريا منذ أن استعاد حلب في 2015 وأعاد بسط سيطرة الجيش على معظم أنحاء سوريا في 2016 ولم يفعل طوال ثماني سنوات خوفًا منه أن يتم الانقلاب عليه، لم يدرك أنه كان في إمكانه فتح وبناء عهد جديد في سوريا ومع كل أبنائها، وأن يتحد مع الجيش بدلاً من الارتماء في الحضن الإيراني والروسي.

الدور التركي

في كتابه “استراتيجية الاستعمار والتحرير”، قال الدكتور جمال حمدان: “تركيا قوة مترحلة، بلا تاريخ أو حضارة، واتخذت لنفسها وطناً بالتبني، حتى كتابتها استعارتها من العرب، غراب يقلد مشية الطاووس، يشعرون بعقدة نقص تجاه مصر التي أذلتهم، وسحقت جيوشهم، لكنها نسيت ذلك، وتناطح أسيادها العرب الآن”، وهو قول يختصر تاريخ الأتراك وكراهيتهم للعرب وليس مصر وحدها.

وهو ما يحدث اليوم، فقد تم اجتياح سوريا؛ بعد أن قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتدريب وإطعام المجموعات المرتزقة؛ لا لشيء سوى الكراهية للعرب والكرد؛ والحقيقة أن دور الأتراك مُشين طوال عمرهم العثماني الأتاتوركي.

إذن وبعد أخذ الأذن من أميركا وإسرائيل، قامت تركيا باختيار التوقيت بعد حرب غـزة، والحرب على لبنان وتحجيم قدرات حـزب الله، وانشغال روسـيا في حرب أوكرانيا لتكون سوريا هدفهم؛ ونحن اليوم نُحسن الظن بمن يدير سوريا.

دور إسرائيل

يوم إعلان سقوط حكم الأسد في دمشق وبعد ساعات أقل من أصابع اليدين، أعلنت إسرائيل من خلال نتنياهو، عن انهيار اتفاق  (فض الاشتباك  لعام1974 ) مع سوريا بشأن الجولان، وأنه أمر الجيش بـالاستيلاء على المنطقة العازلة، حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، وذلك عقب سقوط بشار الأسد، قال نتنياهو “إن الاتفاق الذي أُبرِم مع سوريا في العام 1974 انهار وتخلى الجنود السوريون عن مواقعهم، وأنه أمر جيشه بـالسيطرة على هذه المنطقة العازلة ومواقع القيادة المجاورة لها، ولن نسمح لأي قوة معادية بأن تستقر على حدودنا”، وحتى تعرف أكثر، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية أعلنت عن أن قوات الكيان توغلت وسيطرت على مساحات بين 15 كيلومترًا و20 كيلومترًا داخل الحدود السورية؛ بدون أن يرد العدو أحد من الحكام الجدد أو البعثيين القدامى، هذا هو مطلبها، تفتيت الدول العربية وتهديد أمنها القومي.

كيفية حماية الأمن القومي العربي

المعروف أن الأمن القومي العربي يمتد من المحيط إلى الخليج؛ ولكن الدول المؤثرة هي مصر والشام بكل دوله والعراق؛ وهي التي قادت الصراع مع الصليبيين طوال مائتي عام؛ انتهت بانتصار العرب بقيادة القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي. وهذا الانتصار النهائي على الدول الأوروبية أحدث عقدة خوف لدى الغرب والصهيونية من هزيمة الصليبين الجدد، ثم يتشتت اليهود مجدداً؛ ويبدو أن حماية الكيان تستهدف بالفعل تمزيق الدول العربية؛ منعاً لتكرار الهزيمة؛ وهو ما جاء على لسان بنيامين نتنياهو بأن الشرق الأوسط القديم انتهى بالفعل ويتشكل الجديد كما نرى أحداثه وتفاصيله.

وسائل حماية الأمن القومي العربي

يقول الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون في حواره لموقع الوئام “إن الوضع في سوريا وقطاع غزة يمثل نقطة تحول خطيرة في المشهد الإقليمي وأن استمرار العدوان الإسرائيلي يهدد بتفجير الأوضاع في المنطقة بأكملها”. لكن حماية الأمن القومي العربي يتطلب بناء منظومة أمنية واقتصادية متكاملة، تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزز القدرات الدفاعية للدول العربية، وتحقيق هذا الهدف يتطلب تنسيقاً عربياً على أعلى المستويات، وأيضاً يتطلب وعياً شعبياً عربياً بحجم التحديات المحيطة، لأن مستقبل الأمن القومي العربي يعتمد على قدرة الدول العربية على توحيد مواقفها وتنسيق جهودها في مواجهة التحديات المشتركة.

هذا إن كان العرب يريدون الحياة ويتصدون للمؤامرات التي لا تنتهي.