د. علي أبو الخير
عندما انتصرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على داعش الإرهابي، لم تقُم بأي فعل مشين ضد أعضاء داعش؛ لا قتل ولا سبي ولا اعتقال، فكان نصراً للأخلاق والدين والإنسانية؛ وكان أيضاً انتصاراً لسوريا؛ فهي أبعاد أخلاقية مستمدة من فكر القائد عبد الله أوجلان، وربما يكمن حل الأزمة السورية من خلال أفكاره المتجددة.
وها هي الأيام تعود من جديد، وتتمكن قوات سوريا الديمقراطية خلال أيام من منع داعش من العودة للشرق السوري، حيث دير الزور، خاصةً وكما قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي إن التطورات المتسارعة إثر انسحاب القوات الحكومية شكّلت فراغاً في مناطق عدة خاصة في البادية السورية، وقد انتصرت الأخلاق، ونعتقد أن (قسد) ستمنع من عودة داعش من جديد، لن يحدث، كما ستمنع أبو محمد الجولاني من الوصول إلى الشرق ومنع التحالف التركي الشرير.. والنصر يكون دائماً حليفاً للمظلوم صاحب الأخلاق، كما نرى في سيرة وقيادة القائد عبد الله أوجلان، وهي ليست أقوال نظرية مرسلة ولكنها رؤية يمكن تطبيقها على الواقع في الأرض وليس في السماء، ويمكن مناقشتها والأخذ بها وممارستها كما نرى.
الرؤية الأخلاقية للمفكر عبد الله أوجلان
لقد كتبنا من قبل عدة مقالات في جريدة (روناهي) الغراء، وهي مقالات حول رؤية القائد أوجلان السياسية الأخلاقية؛ اعتبرنا فيها أن البعد الأخلاقي له دور كبير من انتصار السلام بالأخلاق؛ وهو ما شاهدناه في انتصار قسد على داعش؛ وهو ما نراه حدث ويحدث من جديد؛ لأنه قابل للتحقيق في الحرب غير الأخلاقية في سوريا؛ فهي حرب تقودها أميركا وإسرائيل وتركيا لتمزيق الوطن السوري؛ ولا نستبعد نظام حكومة دمشق؛ فعنفه معروف ومشهور وغير أخلاقي أيضا داخل سوريا، ولكن رؤية المفكر عبد الله أوجلان تمنع تقسيم سوريا، عندما تتوحد النوايا والأفعال، والأخذ بالرؤية الأخلاقية، مع العلم أن تلك الرؤى تتفق مع الأديان؛ لأن الروح واحدة والدعوات الإصلاحية متشابهة، ولكن تتميز رؤية القائد أوجلان بأنها قابلة للتطبيق الحالي إذا صفت النفوس، كما أنها في عداء مع التمييز الطبقي الذي يقود للصراعات، كما وصفها المفكر أوجلان في كتبه ومقالاته الغزيرة المتنوعة والمتعددة..
الأخلاق والأمة
كما فهمنا من رؤية القائد عبد الله أوجلان أن الأخلاق سبقت الأديان؛ لأنها إنسانية قبل أن تكون تعاليم دينية، والمجتمعات البشرية قد تعيش بلا دين، ولكنها لا تستطيع العيش بلا أخلاق، وكل دعوات الأنبياء والمصلحين تقوم على إرساء قيم الأخلاق الحميدة.
ومن ضمن القيم الحميدة تأتي حرية الإنسان على مستوى الفرد والجماعة؛ والحرية الضرورية لا تعترف بالقوميات ولكنها تنبني على مفهوم الأمة؛ والأمة تتبنى الديمقراطية؛ والديمقراطية تنحاز للحرية والأخلاق السامية؛ وحرية المجتمع من حرية الفرد.
والأخلاق صلب الأديان والحرية، صلب الكرامة الإنسانية؛ وتوجد علاقة حميمة بين الأخلاق والحرية؛ يقول القائد عبد الله أوجلان: “إن الأخلاقَ على علاقةٍ وثيقةٍ بالحرية، نظراً لعنايتها بقابليةِ الإنسانِ للاختيار والانتقاء. .الأخلاقُ تقتضي الحرية، والمجتمعُ، أياً كان، يُحَدِّدُ حريتَه بوساطةِ أخلاقه، وبالتالي، مَن لا حريةَ له، لا أخلاقَ له والسبيلُ الأبلغُ تأثيراً لِدَكِّ دعائمِ مجتمعٍ ما، يَمُرُّ مِن بترِ أواصرِه مع أخلاقه، في حين أنّ إضعافَ تأثيرِ الدينِ لا يُسفرُ عن الانهيارِ، بقدرِ ما ينجم عن الأخلاق، فالفراغُ الناجمُ عن الدين تَملؤه شتى الأيديولوجياتِ والفلسفاتِ السياسيةِ والحَيَواتِ الاقتصادية المتحولةِ إلى أشكالٍ من الدي؛ في حين أنّ الفراغَ الناجمَ عن غيابِ الأخلاقِ لا تَملأه سوى التبعيةُ والخنوعُ وانعدامُ الحرية” .
من هنا، وكما انحاز المفكر عبد الله أوجلان ضد الطبقية والرأسمالية؛ لأنهما صنوان بلا روح أخلاقية؛ وقد أكد هذا المفهوم في مقال له في موقع الحوار المتمدين؛ تحت عنوان “اعرف نفسك، تنجو من براثن الرأسمالية”؛ لأن الصراع الذي يدور كما يرى القائد أوجلان هو صراع تقوده الرأسمالية أو العدو الرأسمالي؛ وهو صراع متعدد الجبهات متعدد الصور؛ لكنه بلا أخلاق أو قيم إنسانية.
وبالعودة لما يحدث في سوريا، نجد أن رؤية القائد أوجلان هي الحقيقة، يكفي للتدليل على ذلك، ما قاله أبو محمد الجولاني، بأنه ليس في عداء مع الغرب الأميركي، وأنه ضد التكفير الذي كانت تمارسه داعش، وهو انقلاب نفعي غير أخلاقي، يمارس القتل بروح الدين ويتحالف مع النظام التركي القومي العثماني، وهو ما لم يحدث من المفكر عبد الله أوجلان، ظل ومازال يؤكد على دعوته المثالية دون تغيير أقواله، وأفكاره تخرج من داخل السجن، الذي يعيش فيه، منذ أكثر من ربع قرن.
نرى أنه يمكن نجاة سوريا وكل فلسطين والمنطقة إذا قامت الحوارات على أسس أخلاقية؛ ومفهوم الأمة الديمقراطية؛ التي ترسي التسامح وتبعد وتنتصر على قوى الغدر غير الأخلاقية.
حفظ الله سوريا… حمى الله قسد…
