No Result
View All Result
المشاهدات 5
عبد الرحمن ربوع_
وكأنه محكوم على هذا الشعب أن يعاني الأمرّين من أهل البيت ومن الجار، من البعيد والقريب، من العدو والصديق. وكأنه لا يكفي أن تتصارع إسرائيل وإيران على التراب السوري ليتحول واقع السوريين إلى جحيم مقيم؛ بل يضاف إليهم صراعات ومناكفات الوكلاء والأُجراء من المجموعات المرتزقة والمجموعات الإرهابية في طول البلاد وعرضها.. ليضاف إليها الحرب الهمجية التي تشنها تركيا منذ أكثر من ست سنوات، وتقضم بها سوريا لقمة لقمة وتشرد شعبها، مُخلفة مزيدًا من الآلام المستفحلة والأخطار المستدامة.
مشاريع سرطانية تنهش هذا البلد من كل الجهات، وتحولها إلى بيئة سامة طاردة لأصحابها ومعذبة لسكانها، ولا تكاد أصوات المدافع تسكت ساعة حتى تلعلع في الساعة التالية، ولا تنقطع الغارات يومًا حتى تعاود في غده، ولا أخبار إلا عن الموت والدمار، والعذابات تنهش الجميع، والجميع منقسم بين فريقين؛ فريق مشارك في الجرائم وفريق يقف عاجزًا حيرانًا مذهولًا.
تركيا اليوم ماضية في مشروع تقسيم سوريا وتغيير طبيعتها السكانية بالتعاون مع إيران، كل واحدة من جهتها، وتعمل أنقرة لتحويل الشمال السوري إلى مستنقع آسن غير قابل للحياة. عبر حرقه وتلويثه وإنشاء مستوطنات فيه وتسليط العصابات عليه، وكأن أمان واستقرار تركيا مرتبط بتدمير وحرق ما تبقى من سوريا وإفناء وتشريد ما تبقى من شعبها. وكذلك طهران التي بنت استراتيجيتها الأمنية على تخريب سوريا وتقسيمها واستيطانها واتخذتها مخزنًا لأسلحتها ومحطة لكتائب مرتزقتها.
كذلك إسرائيل اليوم تنفذ القرار النهائي الذي اتخذته بتصفية محور المقاومة. فتل أبيب ومن ورائها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين والعرب يريدون معالجة صداع المقاومة من جذوره، ولا يريد هذا الفريق أي عقبة تقف في وجه مشاريعهم الحالية للمنطقة، شرق أوسط جديد وسلام إبراهيمي مستدام. وفيما اقتنع النظام العربي بالمخططات الجديدة وقبل أن يكون جزءًا منها؛ مازالت بعض الدول والتنظيمات في الإقليم تقف حجر عثرة في طريقها، وهنا قرر بنيامين نتنياهو بموافقة جو بايدن “قطع هذا العرق وتسييح دمه” والخلاص منه للأبد.
وكما يعاني أهل غزة والضفة ولبنان يأتي دور السوريين أيضًا ليعانوا من نير هذا الصراع، وهم بطبيعة الحال جزء منه. سواء النظام في دمشق السابح في فلك إيران وتنظيماتها “المقاومة”، أو المعارضة المتماهية مع الرؤية التركية التي تقدم رجلاً وتؤخر أخرى في هذه المشاريع الجديدة التي تطالها لا محالة وستغير وجهها ومستقبلها.
وكما يدفع السوريون في سوريا ولبنان وربما قريبًا في الأردن والعراق ثمنًا غاليًا في المعركة الدائرة حاليًا بين نتنياهو وخامنئي، حيث يطالهم القصف ويضطرون للنزوح القسري، وينهشهم ضنك معيشة النكبة واللجوء؛ أيضًا يدفع السوريون في شمال سوريا ثمن الغطرسة الغاشمة سواء من إيران غربًا أو تركيا شرقًا. حيث القصف اليومي والتهجير والتغيير الديمغرافي مع انخراط كامل قوات النظام مع إيران وقوات المعارضة مع تركيا والمستهدف الوحيد هو الإنسان السوري الذي أصبحت حياته جحيمًا، وصار بقاؤه مستهدفًا بكل وضوح من الإيراني والتركي على حدٍ سواء.
الحرب الإقليمية ـ العالمية الشاملة التي يبدي كثيرون مخاوفهم من اندلاعها هي في واقع الأمر مُستعرة بالفعل، وإحدى ساحاتها سوريا، ويعاني منها السوريون كما يعاني الفلسطينيون واللبنانيون. ويبدو أنها ستستمر لعام قادم أو عامين إلى حين يتغير وجه العالم والمنطقة ويقضي نتنياهو وطره من إيران أو تقضي إيران على مشروعه، وحتى ذلك الحين لن يهدأ للكثيرين بال ولن يهنأ لهم عيش.
No Result
View All Result