No Result
View All Result
المشاهدات 1
د. علي أبو الخير_
ننتهز ذكرى ميلاد سيد قطب، (الذي ولِد في 9 تشرين الأول 1906، وتوفي 29 آب)، لنكتب عن تحولاته الفكرية التي انتهت باعتباره الأب غير الشرعي لجماعات التطرف والإرهاب.

كتب كثيرون عن التحولات الفكرية لسيد قطب، نقترب منها أو نبتعد، ولكن يبقى أن سر عنف سيد قطب يتلخص في نرجسية شخصية وفكرية، فسيد قطب أراد منذ البداية أن يكون متفرداً في نفسه وكتبه، زعيماً سياسياً ومفكراً يمتلك الحقيقة كاملة، ودوره أن يسير الجميع خلفه مصدقين ومصفقين له، فقد تحول وحيداً من أقصى يسار الفكر وعلمانيته إلى أقصى يمين العنف بدمويته.
التحولات الفكرية لسيد قطب
بدأ أديباً وناقداً أدبياً، فألّف كتب مثل (طفل من القرية)، وهي سيرة ذاتية – رواية أشواك – النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، ولكنها لم تحقق له التفرد، ثم تأثّر بفكر عباس العقاد وحضر ندواته، ويظهر هذا واضحاً في كتابيه التصوير الفني في القرآن ومشاهد القيامة في القرآن.
وحين اندلعت الحرب الفكرية بين العقاد ومصطفى صادق الرافعي، وقف مع العقاد المتفتح في وجه الرافعي المحافظ، ولكنه فيما بعد ابتعد عن العقاد، لأنه لا يريد أن يكون تابعاً، بل متبوعاً، وسار وحيداً يتخبط بين الفكر الماسوني والدعوة للحرية، وبين الكتابة الإسلامية من منظوره وليس بمنظور العقاد، فألّف ربما أهم كتبه من وجهة نظرنا، وهو كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام، وكان ذلك بداية تحوله العنيف للفكر اليميني، أهدى كتابه لمن قال عنهم: “إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين فوجدتهم في واقع الخيال قائمين، يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، مؤمنين في قرارة أنفسهم أن العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين، إلى هؤلاء الفتية الذين كانوا في خيالي أمنية وحلماً، فإذا هم حقيقة وواقع، حقيقة أعظم من الخيال، واقع أكبر من الآمال، إلى هؤلاء الفتية الذين انبثقوا من ضمير الغيب، كما تنبثق الحياة من ضمير العدم، إلى هؤلاء الفتية الذين يجاهدون في سبيل الله وعلى بركة الله، أهدي هذا الكتاب”.
التحالف مع الإخوان المسلمين
هذا الإهداء اعتبرته جماعة الإخوان المسلمين أنه يقصدهم به، فبدأ يشعر بعظمته، وقد أكد ذلك في تحقيقات قضية عام 1965 فقال: “فهم الإخوان في مصر إنني أعنيهم بهذا الإهداء، ولم يكن الأمر كذلك، ولكنهم من جانبهم تبنوا الكتاب، واعتبروا صاحبه صديقاً، وبدأوا يهتمون بأمره، ولمّا عدت في نهاية عام 1950، بدأ بعض شبابهم يزوروني ويتحدثون معي عن الكتاب”.
لقد شعر سيد قطب بتفرده وعظمته، خاصةً بعد أن اقترب من ثوّار تموز 1952، واعتقد أنهم لا يستطيعون العمل بدونه، ولكنهم استغنوا عنه، فبدأ طريق التفرد عندما وجد نفسه زعيماً فكرياً لجماعة الإخوان، ينادون باسمه ويقرأون كتبه، حتى صار إلى حبل المشنقة.
التحوّل الدموي
إن التبدّل الحقيقي والأخير، حدث بعد عودته من بعثة أميركا، حدث تحول تدريجي، ولكنه عنيف، ولا يمكن الادعاء أن رحلته لأميركا هي السبب، ولكن السبب كما نرى يكمن في تركيبته العقلية، لقد عاد من أمريكا متطرفاً، وتحول بعنف فكري رهيب، دافع عن ثورة تموز، وكان متحدثها المدني، ثم انقلب عليها بعنف أيضاً، وفي السجن، أكمل تفسيره المشهور في ظلال القرآن، ثم ألّف أخطر كتبه وهو معالم في الطريق، وهو الكتاب الذي صار ملهماً ودستوراً لكل جماعات الإسلام السياسي وأهمها تنظيمي القاعدة وداعش.
في كتابه (معالم في الطريق) انقلب سيد قطب على كل فكره القديم، واعتبر نفسه يملك الحق المطلق، وأن عليه نشر الفكر بالقوة، واعتبر أن العالم كله يعيش الجاهلية المعاصرة ولابد من النقاء الديني، بإجبار الناس على الدخول في الإسلام، وأن الخلافة الإسلامية وحكم الإخوان المسلمين نيابة عن الله، هو السبيل للدخول في الملكوت الأرضي.
وهذا يعني أن حركة الإخوان هي أم جميع أشكال ودرجات الإسلام السياسي العنيف، وصولاً إلى تنظيمي القاعدة وداعش، والعالمية الإسلامية لسيد قطب والإخوان، هي نفس شعارات الدعوات الأخرى، نادت بها الشيوعية والرأسمالية، وحالياً العولمة، وكلها تهدف إلى توحيد الجنس البشري في دين واحد أو ثقافة موحدة ولغة وحيدة.
ونلاحظ أنه عندما شرح سبب عدم فرض القتال على النبي والمسلمين خلال 13 عاماً في مكة، جاءت تلفيقاته مزورة، فقد وضع من عنده سبعة أسباب، منها بسبب قلة عدد المسلمين حينئذ، ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة، حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم، ويبقى الشرك ولا يقوم للإسلام في الأرض نظام، ولا يوجد له كيان واقعي، وهو دين جاء ليكون منهج حياة ونظام دنيا وآخرة”، وهو ما نقده الكاتب الراحل (محمد جلال كشك)، فقال: فطالما قلة عدد المسلمين في مكة يتهددهم الفناء، فلماذا البحث عن أسباب أخرى؟ ولكنه التبرير الذي يضع النتيجة أولاً، ثم يبحث عن أسبابها، وهو منطق معكوس، ولكنه منطقي عند سيد قطب، الذي يُعتبر المنظّر الأول لكل حركات العنف والإرهاب، حتى اليوم، هذا ما نرى… بعيداً عن كل ثرثرة أو نميمة.
No Result
View All Result