No Result
View All Result
المشاهدات 1
الشرق الأوسط الجديد واستراتيجية توازن القوى
في إطار مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، وحسبما يتّضح، فإنّ قوى الهيمنة العالمية سوف تعتمد على استراتيجية التوازن بين القوى الإسلامية والعلمانية واليسارية والاشتراكية وغيرها في إدارة المنطقة، وستتّبع سياسة تكافؤ القوى بحيث لا تتخطّى قوة على أخرى، كي يكون الوضع تحت السيطرة وتكون القيادة سهلة.
بالرغم من أنّ مشروع الإسلام السياسي المعتدل مشروع بريطاني وأمريكي وكان يتمثّل في حركة الإخوان المسلمين نوعاً ما في بسط سيطرتها على عموم الشرق الأوسط، إلّا أنّه حصل تغيير استراتيجي خلال العقد الأخير. تبلور الوضع أكثر بعد الربيع العربي، فمع اعتقال محمد مرسي (أحد قياديي الإخوان المسلمين) الذي نجح في الانتخابات كرئيس لمصر ووضعه في السجن، والمداخلة التي تمّت على الإخوان المسلمين في الدول الأخرى، حيث تم استبعادهم عن الساحة السياسية. إن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أنّه – ومن ضمنها حركة الإخوان المسلمين التي تدّعي أنّها معتدلة – فشلت وأنه لا مكانة للحركات المتشدّدة التي تدعي الإسلام في مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، سيكون هناك مكانة للإسلام المعتدل التي لا تتعارض مع قيم الدول الغربية. كما وتجري محاولات تدجين وتهجين القوى اليسارية والاشتركية ودمجها في التركيبة الجديدة للشرق الأوسط من قبل قوى الهيمنة.
في الشرق الأوسط الجديد المزمع تشكيله مستقبلاً تسعى كلٌّ من أمريكا والقوى الغربية تحقيق توازن بين القوى الموجودة على الأرض. لا نتوقع أن يكون للإخوان المسلمين دوراً في الشرق الأوسط الجديد، رغم أنّها توحي بالاعتدال تارةً وتارةً أخرى تميل نحو التشدّد والتطرّف. وأردوغان ذو التوجّه الإخواني الذي يحرّض على العنف والكراهية مثلما فعل في أحداث دير الزور – وموضوع أحمد الخبيل (أبو خولة) حيث عمل على إحداث فتنة بين الكرد والعرب – كذلك دعمه العلني للعنف إبّان هجمات حماس على الإسرائليين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، هو الآخر مستهدف؛ فإذا لم يقرّر أردوغان العدول عن مواقفه هذه فسيكون مصيره مثل قيادات الإخوان الآخرين الذين تم اقتلاعهم.
تركيا لا تستطيع القيام بشن هجمات في العمق العراقي دون موافقة أمريكا أو إيران
سوف يتمّ تنفيذ مشروع الممرّ الاقتصادي بقيادة أمريكا بكلّ تأكيد، وفي النتيجة سوف تستفيد منه جميع الدول التي ذكرناها. فتح هكذا ممرّ لا يصبّ في مصلحة تركيا وإيران، وبالتالي ستحاول كلّ من تركيا وإيران إعاقة ذلك، وكخطوة استباقية تحاول تركيا مع إيران فتح ممرّ اقتصادي من تركيا عبر البصرة إلى الخليج الفارسي؛ كمسعى منها لإفشال الممرّ الاقتصادي الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي، وتخفيف العبء الاقتصادي والحصار الخانق على تركيا؛ فالزيارات والتحرّكات الدبلوماسية للمسؤولين الأتراك (الرئاسة التركية والخارجية والداخلية والاستخبارات) لكل من أمريكا والعراق وإقليم كردستان تندرج في هذا الإطار. وبحجة الأمن القومي لتركيا، ومحاربة حزب العمال الكردستاني يحاول أردوغان أخذ الموافقة من أمريكا لاحتلال مناطق أخرى في باشور كردستان (شمال العراق) وتنفيذ حزام أمني حسب زعمه، في الجانب الآخر تسعى تركيا لإقناع العراق بالمشاركة في هجماتها العسكرية المزمعة البدء بها.
بهذا الخصوص هناك إشارات لمشاركة البرزانيين في الحملة، باعتباره يقدّم كلّ الدعم والمساندة لتركيا في هجماتها على حزب العمال الكردستاني، لكن هذا وحده لا يكفي في ظلّ النقاش حول احتلال مناطق شاسعة من العراق تصل إلى عمق مئات الكيلو مترات، في هذا الحالة؛ فإنّ تركيا بحاجة إلى موافقة أمريكية أو إيرانية للبدء بشن الهجمات وإذا لم توافق إحدى الدولتين فإنّ تركيا لن تشنّ أي هجمات بمفردها.
فالوضع مُعقّد ومتشابك جدّاً، وليس من مصلحة أمريكا أن يتم إنهاء PKK لأن أمريكا بحاجة إلى PKK وأنصاره في سوريا وتركيا وإيران، ومن دون PKK يستحيل تحقيق التوازن في المنطقة، إن قبلت أمريكا أو لم تقبل فمعظم كرد روج آفا متعاطفين مع فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، فلا بد أن تأخذ أمريكا هذا الأمر بعين الاعتبار. في الجانب الآخر إذا تُرِكت ساحة سوريا للإخوان وداعش والمجموعات المتشددة المحسوبة على تركيا (أي تركيا)ستستولي على سوريا، وهذا ما لا ترغبه أمريكا. لذا؛ أمريكا بحاجة إلى PKK في كلٍ من سوريا وتركيا وإيران لأن لديها قوة جماهيرية كبيرة في كل من هذه الدول. كذلك من غير الممكن أن تنتهي العداوة الإيدولوجية التاريخية بين إيران وتركيا بين ليلة وضحاها، فإيران أيضاً لا ترغب أن يتم القضاء على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نهائياً، لماذا؟ لأنّها بكل بساطة هي الأخرى تستفيد من وجود PKK في التصدي للأطماع التركية وتوسعاتها، فهي عامل أساس للتوازن في المنطقة.
إذا لم تكن قسد موجودة في شمال وشرق سوريا ستملأ كلاً من الحركات المتطرفة كداعش والنصرة والإخوان المسلمين والمجموعات التابعة لتركيا هذا الفراغ كما حصل في الشمال الغربي لسوريا والمناطق المحتلة من قبل تركيا. في الجانب الآخر فبقاء PKK مثل السيف المُسلّط على رقبة تركيا وجعلها تستنزف طوال السنين بالتأكيد يصبّ في مصلحة إيران. تركيا تستغل ورقة المياه وتضغط على العراق لقبول أجنداتها، فالعراق ليست بحاجة إلى الممر الاقتصادي الذي تطرحه تركيا لأن هذا الممر يخدم أجندات تركيا السياسية والعسكرية والاقتصادية في الدرجة الأولى، فإن نفط العراق يتم تصديره عبر دول الخليج، فكلمة الفصل في هذا الموضوع لإيران؛ فالعراق يتفهّم أنّ تركيا لديها طموحات، وتحاول من خلال البرزاني والسنّة امتلاك العراق، كما فعلت في سوريا من خلال الفصائل السنية المسلّحة المرتزقة، فانضمام العراق إلى هكذا عملية والإتيان بقوة تركية إضافية إلى أراضيها لا يصبّ في مصلحتها، من ناحية أخرى من خلال تهديداته المستمرة على الكرد في سوريا والعراق يحاول أردوغان تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج.
لا نعتقد أن يُسمح لتركيا القيام بما تسمى بعملية على نطاق واسع على (كاري وقنديل) التي تقع في مناطق سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني القريبة من الحدود الإيرانية كما هو مخطّط، وسوف تكلفها خسائر كبيرة وخاصةً أن أردوغان لم يحصل على النتائج المرجوة في انتخابات البلديات في 31 آذار 2023حيث تراجعت شعبيته وخسر الانتخابات أمام خصمه حزب الشعب الجمهوري (CHP)؛ لكن بهدف إضعاف وكسر إرادة حزب العمال الكردستاني ستقوم تركيا بهجمات محدودة على بعض المناطق أو بعض النقاط التي يرونها مهمة، فهل ستحقق نتائج من وراء هذه الهجمات؟ ما تسمى بالعمليات أو الهجمات السابقة أثبتت فشلها في القضاء على حزب العمال الكردستاني، ولن تختلف هذه الهجمات عن سابقاتها.
في الجانب الآخر، فقد زفَّ قائد قوات الدفاع الشعبي مراد قريلان بُشرى للشعب الكردي في عيد النوروز 2024، وأعلن خلالها أنّهم باتوا يمتلكون الأسلحة المضادة للطائرات المسيّرة (درونات)، هذا من شأنه أن يغيّر المعادلة على الأرض، والنقطة الأخرى؛ فإنّ الذهاب إلى قنديل وكارى ليس بنزهة، ربّما يكون الدخول إلى هذه المناطق سهلًا لكن يستحيل الخروج منها، بحكم الطبيعة الجبلية الوعرة، وكذلك المدن التي بناها حزب العمال الكردستاني تحت الأرض في تلك المناطق، فحرب الأنفاق ليست سهلة مثلما يظن البعض، لقد شاهدنا خلال العامَين الماضيَين كيف أنّ تركيا بقيت لأشهر تحوم حول هذه المغارات والأنفاق، ولم تستطِع السيطرة عليها بسهولة إلّا بعدما استخدمت الغاز الكيميائي المُحرّم دولياً.
الخلاصة
بعد مصالحة إسرائيل مع العرب وإعلان الممرّ الاقتصادي الذي يربط بين الهند وأوروبا، لن تبقَ أية حاجة لإسرائيل لدى تركيا للعب دور مثلما كانت تلعبه في القرن الماضي؛ لأنّه ببساطة لن يبقى أيّ خطر من العرب يهدّد إسرائيل، وهذه المعادلة تنطبق على أمريكا والغرب أيضاً، ولن يبقى أيّ داعٍ لتلك الأهمية التي كانا يعطيانها لتركيا، فأمريكا موجودة في العراق وسوريا أيضًا، واليوم لم يعد هناك من داعٍ للدور الذي كانت تلعبه تركيا سابقًا، لذا لم يعد لتركيا تلك الأهمية التي كانت تعطيها لها إسرائيل وحلفاؤها في السابق، خاصةً أنّ نهج أردوغان وتشجيعه لحركة حماس والتفكير في التمدّد نحو دول الجوار، الأمر الذي أزعج كلًّاً من أمريكا والدول الغربية وإسرائيل، وجعل من تركيا وإسرائيل في حالة قطيعة في العلاقات أحياناً، بعد ما كانت قوية خلال الخمسين عامًا الماضية.
خلافات إسرائيل ليست مع تركيا، وإنّما مع شخص أردوغان الذي يميل إلى الحركات المتطرّفة، فمواقف أردوغان هذه تتّجه نحو التشدّد مع مرور الزمن، مثلما سجّل نقطة لصالحه في مسرحيته في منتدى دافوس الاقتصادي (2009) عندما تدخّل أردوغان وقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي: (one minute)، حيث دفاعه المستميت عن الفلسطينين (التجارة بالورقة الفلسطينية) وكذلك إرسال باخرة مافي مرمرة (Mavi Marmara) إلى غزة لكسر الحصار المفروض عليها، ومقتل بعض من عناصر طاقم الباخرة والمتطوعين على يد الجنود الإسرائيلين، وكذلك وصفه لحركة حماس في الفترة الأخيرة بـ (حركة مقاومة) وكلماته المبتزّة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلّ هذه المواقف تسجّل كنقاط ضد تركيا، وهذا ما تسبّب برودة في العلاقات، لا سيما تغريد أردوغان خارج سرب الناتو والالتفاف على العقوبات الأمريكية التي فرضتها على روسيا، كل هذه الأسباب وغيرها تؤدّي إلى فقدان تركيا لموقعها الاستراتيجي في المنطقة مع مرور الزمن مستقبلاً.
وفي المجال السياسي إذا ما تتبّعنا المشهد سوف نجد أن تركيا كانت تعيش في السنوات الأخيرة حالة من العزلة، حيث كانت علاقاتها سيّئة جداً مع كلّ من سوريا والعراق والإمارات والسعودية ومصر وليبيا واليونان وأرمينيا وغيرها، وحتى مع إيران ورغم أنّهما تتّفقان حول بعض النقاط، إلّا أنّهما غير متّفقَتَين في كثير من النواحي وخاصةً المذهبية.
وفي المجال الاقتصادي؛ فإذا ما تمّ افتتاح الممرّ الاقتصادي (الهند – أوروبا)؛ فإنّ اقتصاد تركيا سيتأثر سلباً وسوف تتضرر مصالحها بشكلٍ عام. في الآونة الأخيرة أدرك أردوغان هذا الشيء، لذا فإنّه يحاول إعادة بناء وتصحيح علاقاته مع هذه الدول التي ذكرناها من جديد من أجل إنعاش وتنمية اقتصادها المتدهور والمنهار أصلاً. فبعد كلّ تلك الشتائم والألفاظ البذيئة التي وجّهها إلى قادة تلك الدول نجد أردوغان يرتمي أمام أقدامهم، ويضع الوساطات ويُلِحُّ ويرجو لقاء رئيس حكومة دمشق.
No Result
View All Result