سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المناهض لذهنية الإسكندر تحوّل إلى زيوسودرا العصر ـ2ـ

أحمد بيرهات: (كاتب وباحث ورئيس مشترك لمنتدى حلب الثقافي)

اتخذت شعوب المنطقة والمؤمنين بفكر وفلسفة القائد أوجلان شعاراً واضحاً وبمثابة رسالة قوية موجهة لكل الدول والأنظمة والشخصيات التي شاركت في خطف وأسر القائد أوجلان والرسالة هي أنكم “لن تستطيعوا حجب شمسنا”.

فالذهنية والشخصية التي بنتها فلسفة العصرانية الديمقراطية سوف تُفشِل المؤامرة الدولية، فكما أن المؤامرة مستمرة بأشكال متعددة كذلك المقاومة مستمرة وبأشكال متعددة وخلَّاقة أيضاً ولن تقف، وباتت عنواناً للمرحلة ستهزم المؤامرة الدوليّة، فكما أن السلطات الحاكمة ابتغت أن تعيش الشعوب في ظلام دامس فقد ردت الشعوب بطريقتها وأبدت موقفها الصريح والشفاف وهو السير بفكر ونور براديغما العصرانية الديمقراطية ومشروعها في الإدارات الذاتية الديمقراطية.

أهمية تواجد القائد أوجلان في سوريا

 سؤال يطرح نفسه بقوة ماذا كان يعني بقاء القائد عبد الله أوجلان في سوريا؟

كان لبقاء القائد في سوريا قرابة عشرين عاماً أهمية قصوى وظهرت نتائجها جلياً فيما بعد، فقد أسس للكرد وكردستان فلسفة ومعادلة جديدة، واهتزت بذلك أركان وعرش الدولة التركية والداعمين لها.

لقد كان لتمركزه في الشرق الأوسط متنقلاً بين سوريا ولبنان دوراً هاماً في تعريف شعوب المنطقة بالقضية الكردية وهذا ما أدى لتشكيل علاقات وتحالفات بين حركة حرية كردستان والحركات التحررية والثورية في المنطقة، والتي كانت تمثل شعوب ومكونات المنطقة والتعرف بعمق على كل القوى الوطنية والديمقراطية المتواجدة فيها.

لقد استغلت تركيا أزمة الشرق الأوسط التي سميت “بالربيع العربي” وأرادت الانتقام من التوازن الذي بناه القائد عبد الله أوجلان اثناء تواجده في سوريا، فقامت تركيا من خلال تدخلاتها ودعمها للإرهابيين وخاصة حركة الإخوان المسلمين باحتلال مناطق عفرين وسري كانيه وكري سبي و بعض مناطق شمال سوريا ومازالت تلعب دوراً رئيسياً في عدم حل الأزمة السورية حتى الآن بل واستمرارها والمساهمة في تعميقها بشكل كبير وواضح.

لقد فشلت كل حسابات الدولة التركية بإسقاط النظام في سوريا فقد كان أردوغان يقول في بداية الأزمة السورية أن عمر النظام السوري لن يتجاوز الثلاثة أشهر، وهذا الكلام قد قاله لأحد الصحفيين الأتراك المشهورين وهو محمد علي بيراند، وها قد مر ثلاثة عشر عاماً ولم يسقط هذا النظام، بل هو من تعرض لعدة مراحل حرجة كاد ان يسقط هو شخصياً وحكومته الفاشية، لولا أن سخّر كل امكانيات الدولة لمصالحه وأجندات حزبه وتلقي دعم  مكثف من دول إقليمية ودولية إضافة إلى دعم كبير من حركات الإخوان المسلمين في المنطقة والعالم الذين نفذوا أجندته في الدول التي يتواجدون فيها، وعلى رأس هذه الدول الداعمة هي دولة قطر وخاصة في المجالين المالي والإعلامي.

لقد كانت تحضيرات التدخل في سوريا جاهزة من قبل تركيا قبيل الازمة المعلنة عام 2011 من خلال تجهيز مخيمات اللاجئين وتشجيع المواطنين للخروج من سوريا (ونحن في عفرين عشنا هذه التجربة) وقد تم ممارسة أفعال قذرة وساذجة وكبيرة في مخيمات هؤلاء اللاجئين لإهانة هؤلاء المهاجرين، فالتدخل التركي في سوريا كان من خلال دعم التنظيمات الإرهابية والهلال الأحمر التركي.

الفاشية التركية كانت ومازالت المسبب الرئيسي لتدمير سوريا، ووصولها إلى هذه الأوضاع الكارثية الحالية فهذه الدولة المارقة تمتلك توجهات عثمانية جديدة ولديها عقدة الميثاق الملّي.

وبالطبع علينا ألا ننسى دور وتعنت النظام السوري، ورفضه إجراء الإصلاحات المطلوبة والتمسك بالنظام المركزي في استمرار الأزمة حتى الآن.

وعلى هذا الأساس يمكن القول إن:

الحرب والأزمة المستمرة في سوريا تمت وفق سياسة ممنهجة تعمل عليها تركيا وأعوانها، ومرتزقتها، ولهم الدور الكبير فيها، من خلال تحريض الشعوب المتعايشة في سوريا ضد بعضها البعض، وتحريض بعض المرتبطين بها من العرب ضد الكرد (كما حصل في الآونة الأخيرة في دير الزور) وهذه السياسة كما هي معروفة تاريخياً، سياسة إنكليزية قديمة تبنّتها تركيا وتمارسها بامتياز وحرفيّة ومهارة فائقة، وتُبدع فيها وترسّخها من خلال وسائل الحرب الخاصة التابعة لها، بضرب كل الشعوب ببعضها البعض بحجج واهية لم تعد تُجدي.

وهذا يعني أن المؤامرة الدولية على القائد أوجلان كانت في نفس الوقت؛ مؤامرة على سوريا أيضاً، فسوريا تاريخياً هي بوابة الشرق الأوسط والقوى التي تسيطر على سوريا ستسهل عليها السيطرة على الشرق الأوسط، فالحرب العالمية الثالثة التي تجري الآن على هذه المنطقة الاستراتيجية للاستحواذ على ثرواتها ونهب خيراتها، وهذا ما شخّصه القائد أوجلان مراراً وتكراراً في كتاباته ولقاءاته.

عمل القائد عبد الله أوجلان على إضعاف هذه المؤامرة الدولية التي استهدفته، وقد نجح في العديد من مراحلها عبر مواقفه المتميزة والخلَّاقة والتي تمتاز بالمرونة والواقعية الثورية وما زال يناضل لإفشالها.

والواضح أن نضال حركة حرية كردستان وثورة روج آفا وتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية قد وصلت إلى مرحلة باتت تُشكل جواباً واقعياً وراقياً والسير وفق براديغما ومشروع الأمة الديمقراطية وبنهج القائد عبد الله أوجلان.

وفق ما ذكرناه يمكننا القول إن:

المؤامرة الدولية كانت تستهدف سوريا أيضاً، فقد سعت وأرادت وفعلت تركيا كل ما تستطيع لضرب الشعوب بعضها ببعض ومحاولة السيطرة عليهم وتنفيذ كل مشاريعها وأجنداتها.

المؤامرة وبالرغم من كل أدواتها وأساليبها وأشكالها الفاشية والنتنة، إلا أنها فشلت بفعل المقاومة والرؤية الاستراتيجية والنظرة الشاملة والمسؤولية الكبرى التي يحملها القائد أوجلان والتحام وصهر حركة حرية كردستان مع فلسفته هذه.

شعوبنا باتت تُدرك ذاتها وتتبنى نهج وفلسفة الأمة الديمقراطية وتعيش تفاصيلها فعلياً ويومياً في مناطق شمال وشرق سوريا ضمن مجالسها المدنية وإدارتها الذاتية الديمقراطية فالمشروع القومي والطائفي والمذهبي قد فشل فشلاً ذريعاً خلال السنوات الماضية في العالم أجمع والدول والحكومات في الشرق الأوسط عليها أن تتجاوزها لأنها مخالفة ومضادة لثقافة المنطقة، فهذه المنطقة عاشت شعوبها ومكوناتها في فسيفساء متجاورة ومتحابة عبر التاريخ، وهذا ما يعمل ويناضل ويسعى لتحقيقه القائد أوجلان من خلال إعادة التاريخ إلى مساره الطبيعي وفق فلسفته في الأمة الديمقراطية التي تعتمد في جوهرها على الوحدة في الاختلاف والتنوع، إذاً فالحلول تكمن في بناء علاقات استراتيجية بين شعوب المنطقة الكردية والعربية والفارسية والتركيّة وغيرها..

ويجب على النظم الحاكمة في هذه المنطقة التخلي عن هذه العقليات القروسطية، ليعود الأمن والأمان والسلام إلى ربوع أوطاننا وتعيش شعوبنا حياة إنسانية ومجتمعية وفق نظام الكونفدرالية الديمقراطية للشعوب، تكون فيها العودة إلى الطبيعة جزءاً رئيسياً، وأن تبتعد عن المكائد والخداع في السياسة، فالسياسة في أساسها فن إدارة المجتمع. والحلول المستدامة في كل منطقة الشرق الأوسط تكمن في الكونفدرالية الديمقراطية والإدارات الذاتية الديمقراطية في كل المناطق السوريّة وبحسب خصوصيتها المختلفة.

فالخلاصة فيما أردنا أن نُبيّنه ونظهره هو الاستنتاج إن:

الرد المناسب على المؤامرة الدولية هو التعمّق في فلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي عمل خمسين عاماً ومازال وفق مانفيستو واضح المعالم، خلق ذهنيّة حرة، وسار بشعوب المنطقة نحو التحرر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبحث ودراسة التاريخ واستخلاص التجارب وتطويرها وفق مفهوم ديالكتيكي معاصر، كون فلسفة الأمة الديمقراطية تعتمد على ثلاث مفردات أساسية  “الفرد والمجتمع والديمقراطية المعاصرة” وأداتها الفعلية تعتمد على حيوية وعنفوان الشبيبة وأناقة وروحية المرأة ومجتمعية الشعوب المتعايشة وجدلية المعادلة التالية وهي: “عدم رفض كل شيء آتي من الثقافة الغربية وعدم قبول كل شيء من الثقافة الشرقية”.

هذه التركيبة الممنهجة التي تتميز بها فلسفة وبراديغما القائد عبد الله أوجلان جعلت كل قوى الحداثة الرأسمالية والهيمنة العالمية تهتز أركانها ونظامها؛ فاستهدفته، ومن ثم عملت على عزله وتجريده عن كل شيء متعلق بالعالم الخارجي، وتحديداً قطع تواصله مع حركة حرية كردستان والشعب الكردي وشعوب المنطقة عامةً.

القائد عبد الله أوجلان يقاوم في جزيرة وسط بحر مرمرة في مدينة بورصة التركيّة، قوى الحداثة الرأسمالية والفاشية التركية أرادوا إبعاده عن حركته وشعبه، لكن جدلية الوعي التي يتحلّى بها القائد عبد الله أوجلان قد حوّلت سجنه الانفرادي إلى أكاديمية ومكاناً للتأمل، وقدم وطوَّر رؤى جديدة فيما يخص العلوم الاجتماعية والسياسية، وما يخص المرأة، وأبرز أهمية الديمقراطية المباشرة والمعاصرة ومفاهيم مجتمعية كمسؤولية تاريخية مُلقاة على عاتقه.

 فقد أكد القائد أوجلان أكثر من مرة أنه في موقف مُشرّف “فليأتي الموت من حيث ما شاء فلا قلق لنا، فعندما نقوم بعمل صحيح حينها يكون للموت معنى، فكل أمرئ مُلزم بأن يخاف عند القيام بعمل خاطئ”.

فعلى كل المؤمنين والمخلصين لفكره أن يجددوا تمسكهم وتضامنهم الدائم مع القائد والمفكر عبد الله أوجلان، وعليهم أن يعبّروا عنه في أي فرصة سانحة ويدينوا الإجراءات التي تمارسها السلطات الفاشية التركية بحقه، كونه بات يمثل آمال الشعوب في التحرر وفق فلسفة الوجود والحقوق الكونية في ظل بناء جمهوريات وأمم ديمقراطية.

وأخيراً أقول أنه:

يجب التعمّق والاستفادة واستخلاص الدروس من قراءة مجلدات المُفكر وعالم علم الاجتماع الحديث القائد عبد الله أوجلان وبذلك نتعرف على ما قام به من مسؤولية تاريخيّة  تجاه الشعب الكردي وتجاه الشعوب والمكونات المتعايشة في المنطقة على أساس بناء شرق أوسط ديمقراطي يكون بمثابة الحل الأمثل للقضايا الكأداء المتشابكة التي تنتظر القرن الواحد والعشرين، بعدما عرّى القائد أوجلان من خلال كتابته عقلية النظم السلطوية والهرمية والرأسمالية التي كانت السبب الرئيسي في كل الأزمات التي شهدتها وتشهدها المنطقة والعالم  بعدما فشلت هذه النظم في إجراءها الإصلاحات التي زادت من تبعاتها الكارثية وطرح أطروحته في العصرانية الديمقراطية.

وعلى هذا الأساس أؤكد من خلال كل حرف كتبته خلال هذا المقال إن: الحرية تُليق بالقائد عبد الله أوجلان وجميع رفاقه الأسرى والنصر لكل المناضلين والسائرين على خطاه.