No Result
View All Result
المشاهدات 6
د. علي أبو الخير_
قبل الكتابة عن رؤية القائد عبد الله أوجلان حول القومية والدين، وعلاقتهما المتشابكة، لابد أن نكتب بصورة أكبر عن الجدل بين القومية والدين، فالأديان سابقة على القوميات، والدولة القومية حديثة، بعكس الدين غارق في قدم الأرض والبشرية، وهو ما نهدف إلى توضيحه أولاً.
جدل القومية والدين
يدور جدل كثير حول الدين والقومية في عالمنا العربي الإسلامي، وكأن القومية تتعارض مع الدين، ويعود سبب هجوم البعض على القومية إلى الضعف الذي تشهده الأمة في الوقت المعاصر، فيعتقدون بصورةٍ خاطئة أن الدعوة للقومية العربية هي سبب الهزائم والنكسات، وهم يروّجون للإسلام لمحاربة الهيمنة الخارجية، ويرجع ذلك الفهم الخاطئ إلى عدم التمييز بين القومية والعنصرية، فالقومية جاءت من القوم، وأن الجماعات البشرية جاءت من أفراد يعيشون في منطقة واحدة ويتكلمون لغة واحدة، وتلك هي القومية أو العلاقة الاجتماعية، لأن العلاقة الاجتماعية جاءت من جموع الأفراد، والقومية جاءت من جموع القوم، فكلتاهما جاءتا من نفس المفهوم، ولا يتعارض الولاء للجماعة أو القومية مع الدين، فالدين في كل الأحوال رافد هام وضروري للقوم وهو بمثابة المُحرك الأخلاقي للقوم الذين يتعاملون اجتماعياً فيما بينهم، فالدين لا يرفض القومية ولكنه ينظم العلاقات بين الناس بعضهم ببعض، ليسود المنهج الأخلاقي في الأسرة ثم القبيلة ثم المجتمع ثم الأمة، وتلك هي أسس العلاقات التي تربط بين بني الإنسان بوجه عام.
ومن هنا لا نجد أي تناقض بين الدين والقومية، إلا في حالة واحدة عندما يتعصب قوم من الأقوام لقوميتهم فيقومون فيعتدون على غيرهم من الأقوام، ونفس الأمر للدين عندما يتخذه البعض سبيلاً للاحتلال، هنا تحدث فوضى في العالم، ولقد رأينا أمثال تلك العنصرية القومية والدينية في التاريخ البشري مما أدى إلى حروب دامية شوهت وجه الإنسانية، لذا علينا النظر إلى حالة الأمة التي تحطمت قوميتها فتعرضت للدمار، ثم عندما قوّت نفسها ثأرت لكرامتها وقامت باحتلال أرض عدوها فشاعت الفوضى واختلطت الدنيا لأنها قامت على العنصرية إن القومية هي أصل الأقوام، وهي التي تؤسس للدول كيانها القوي المتماسك وتخلق الأمة، مع العلم أن القومية هي نواة الأمة، ولكنها ليست بديلاً عنها، لأن الأمة قد تشمل عدة قوميات، وفي تلك الحالة تصبح دولة إمبراطورية.
وإذا تعصبت القومية الحاكمة ضد غيرها من القوميات ينحاز كل قوم لقوميتهم وتحدث الصراعات وتنهار الدولة الكبرى التي تشملهم، ويحدث هذا أيضاً عندما تتعدد الديانات داخل الدولة الواحدة، حتى إذا كانوا من قومية واحدة، فعندما يطغى دين على دين يتحزب أهل كل دين إلى دينهم وتحدث
الصراعات وربما تنفصل الأقاليم على أسس دينية أو قومية، وهو نفسه الذي جاء به الإسلام، لأن الولاء في الإسلام للأسرة أو القبيلة أو القومية لا يتنافى مع الأمة أو مع الدين، بل إنه ضمن الإطار الذي وضعه الإسلام وتمثّلته السيرة النبوية.
رؤية القائد أوجلان حول القوميّة والدين
لابد أن نعي أن القائد أوجلان يُعارض الدولة القومية، ولكنه لا يعارض الدين، بل يرى أن الدينُ والفلسفة، بل وحتى الميثولوجيا، ذاكرةَ المجتمعِ وهويتَه وقوةَ الدفاعِ الذهنيِّ لديه، يرى أن الدولة القومية تصبح عبء على الحرية والديمقراطية، عندما تتدخل فيها العنصرية القومية، وأن الدولةُ القومية هي الشكلُ الذي تَحَقَّقَ فيه الاحتكارُ الرأسمالي، وهي الدولة التي تحتكر الدين لخدمة مصالحها غير الإنسانية، وتصبح أداة في النظام الرأسمالي العالمي الظالم، وحسب ما هو منشور في موقع الحوار المتمدن – العدد: 2914 – 2010 / 2 /11، قال القائد عبد الله أوجلان عن الدولة القومية “على قدرِ ما تَكُون الدولةُ القومية من أكثرِ المصطلحات تخبطاً في الظلمات الدامسة، فهي أيضاً في مقدمةِ الاصطلاحات تعرضاً للتحريف والتشويه. ولا ينفكُّ الإصرارُ المتعنت قائماً في الهروبِ من تحديدِ وظيفتها الحقيقية ودورها الرئيسي. بالمقدور القول إنها استُخدِمَت للأهداف الدعائية بالأرجح، ونخص بالذكر العنايةَ الفائقة في إخفاءِ روابطها الوجودية مع الفاشية والقوموية، تماماً مثلما الحالُ في الإصرار على غضِّ الطرفِ عن الأواصرِ المتداخلة للفاشية والقوموية مع الحداثة الرسمية، والموقفُ ليس مقتصراً على الليبراليين البرجوازيين وحسب، بل حتى الاشتراكيين أيضاً، إما أنهم يتظاهرون بالدفاع عن الدولة القومية، أو أنهم يُمَرِّرون الموضوعَ باختزاله إلى عدةِ كلماتٍ وجُمَلٍ بخسةٍ وبسيطة، وكأنها بلا شأنٍ أو بال. بَيْدَ أنّ الدولةَ القومية من المصطلحات المفتاحية لِفَهمِ عصرنا والقدرة على تغييره، وأنه بالإمكان تقييم المواضيع على أنها تمهيدٌ لتعريفِ الدولة القومية ووظيفتها. ذلك أنّ تحديدَ دورِ الدولة القومية لن يَكُون تحليلياً كثيراً، ما لم يتم تعريف عواملِ ومؤثراتِ ولادةِ الرأسمالية، أي مصطلحات الحداثة، السلطة، الأمة والدولة، حتى وإنْ كان على شكلِ مسودة مخطوطٍ عام”.
الأمر واضح إذاً، القائد أوجلان ليس ضد الدين، ولكنه يرفض الدولة القومية، ويراها عربة في قطار الرأسمالية المتوحشة، ويعود للدولة القومية، ليرى أن البديل الأمثل هو الأمة الديمقراطية… وهو يحتاج لمقال مستقل وقراءة متأنية.
No Result
View All Result