No Result
View All Result
المشاهدات 3
روناهي/ الدرباسية –
يعدُّ الرسم نوعاً من أنواع الفن الأكثر ارتباطا بالواقع، وذلك نظرا للمساحة، التي يوفرها الرسم للرسام للتعبير عما يجول في نجواه بشكل أكثر تنسيقا، وأكثر رتابة، وذلك من خلال لوحة فنية تجسد كل ما يسعى الرسام لإيصاله لمحيطه.
ففي الرسم، يستطيع الفنان، أن يُعبر عن مختلف القضايا التي يُريد طرحها، ففضاء الرسم الواسع يحتضن مناحي الحياة كافة، سواء أكانت مناحي سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم نفسية، هذه الأمور كلها، يستطيع الرسام تقديمها للمتلقي، ليفسح المجال أمام هذا المتلقي أن يطلع على مختلف القضايا، ومن مختلف الجوانب.
خصائص الرسم عديدة ومتنوعة، ولا يمكن الإتيان على ذكرها كلها، إلا أن السمة الأبرز للرسم، هي أنه قادر على جعل كل شيء حاضراً، بغض النظر عن الزمان والمكان، ومن هذا المنطلق، اكتسب الرسم أهمية كبيرة في تجسيد حضارات الشعوب، فحتى الآن، يفضل العديد من الرسامين تجسيد تراثهم في لوحات فنية، لحفظ هذا التراث من الضياع، على الرغم من الوسائل المتطورة، التي تم اكتشافها، إلا إنه لا يزال للرسم مذاق خاص لدى الرسامين.
ومثل أنواع الفن الأخرى، يعد الرسم موهبة يتمتع بها شخص ما، ويعمل على تنميتها وتطويرها، لتحقيق تقدمات ملموسة في هذا المجال، ومن هنا لا يمكن اكتساب الرسم، ولا يمكن تعلمه، بل إن الرسم تولد موهبته مع ولادة الإنسان، ولكن تبقى هذه الموهبة دفينة، حتى تؤتى الظروف لقيامها من جديد، فيعمل بعد ذلك على تنميتها.
الشاب عبد الكريم الملا، من مواليد الدرباسية 1994، عاش منذ طفولته يبحث عن صوت كان يناديه من داخله، فما كان منه إلا أن يستكشف مصدر هذا الصوت من خلال الورقة والقلم.

التعبير عن المكنون الداخلي
لهذا الشاب مسيرة طويلة مع الرسم، تتجاوز عشرين عاما، إلا أنه لم يقطف ثمارها كما يجب، ولذلك أسباب عدة، نحاول تسليط الضوء على هذه المسيرة، مع كل ما رافقها من متاعب: فتحدث لنا عن البدايات، وبعض تفاصيلها: “منذ سنواتي الأولى في الدراسة الابتدائية، كان يشغلني موضوع الرسم، فكنت أحاول رسم كل ما تراه عيني، إضافة إلى الرسومات، التي كنت ابتدعها من مخيلتي، وكنت أترجم ذلك من خلال (خرشبات) على أوراق دفتر الرسم، وبالرغم من أنني لم أكن أميز ما كنت أرسمه في حينه، إلا إنني كنت أشعر أنني أنجزت شيئا ما، وكان هذا الشعور يدفعني إلى الاهتمام والمثابرة بشكل أكبر، ما عزز لدي الاهتمام بالرسم، والبدء بالعمل على تطوير ذاتي في هذا المجال”.
الإرادة والإصرار صقلا موهبتي
وأضاف: “هذا الشغف أخذ يكبر معي يوما بعد آخر، حتى لفتت انتباه أسرتي، وقد عملت على صقل هذه الموهبة من خلال تكرار الرسوم ذاتها عدة مرات، ففي كل مرة كنت استكشف فيها خللاً؛ فأقوم بإصلاحه، وهكذا حتى المرحلة الجامعية، وكنت أستطيع في حينه التسجيل في فرع الفنون، إلا أن أسرتي لم تُشجعني على ذلك، وقد سجلت في فرع الهندسة الميكانيكية، ولكن بالرغم من ذلك، عملت على تنمية موهبة الرسم”.
وتابع الملا: في الاستمرار على تنمية موهبتي، استطعت أن أحقق تقدما كبيرا، ففي المرحلة الجامعية مثلا، رسمت العديد من اللوحات، وكانت تعبر عن مختلف الاتجاهات، وقمت ببيع عدد من هذه اللوحات، إضافة إلى إهداء بعضها الآخر، والاحتفاظ بالعديد من أعمالي. في تلك المرحلة، أخذت أتلمس التقدم الذي أحرزه في هذا المجال، حيث بدأت برسم وجوه الأشخاص، وكانت رسوماتي ناجحة، كما بدأت بتجسيد العديد من الأحداث الواقعية، والمشاهد التي أراها، بدأت بتجسيدها في لوحات فنية معبرة، وذلك شكل لدي حافزا للاستمرار والتقدم. ضف إلى ذلك، تنويعي للمواد التي استخدمها في الرسم، فلم أعد محصورا في الألوان الخشبية، بل تدربت على الرسم بالألوان الزيتية، وغيرها من الألوان الأخرى. من جهة أخرى، بدأت بتجسيد فولكلورنا الكردي، وذلك من لوحات تجسد الزي الكردي، وأيضا من خلال رسم العديد من اللوحات، التي تجسد طبيعة منطقتنا، ونمط عيشها، أي أنني من خلال رسوماتي، أجسد كل ما يتعلق بحضارتنا وثقافاتنا”.

الهروب من الواقع
الدافع عند عبد الكريم الملا بالرسم شعور الإنسان باليأس: “إن أكثر ما يدفعني للرسم هي حالات اليأس، التي تتملك الإنسان في بعض الأحيان، ففي هذه الحالات، أقوم بتفريغ كل ما في داخلي على لوحة الرسم، ففيها أجسد ما يدور في رأسي من أفكار، وذلك عوضا عن الغضب، الذي يتملك الكثيرين في هذه الحالات، أي أنني أفرغ الشحنات السلبية من خلال الرسم، لتتحول إلى لوحة بديعة”.
جهوده الذاتية في تنمية المهارة
الملا أشار إلى أنه أنجز الكثير بالاعتماد على قواه الذاتية وإرادته، ولم يخضع لأي دورة أو دروس تدريبية في مجال الرسم، بل إنه عمل على تنمية قدراته بجهود شخصية: “كنت أدقق كثيرا في لوحة الموناليزا للفنان العالمي، ليوناردو دافنشي، حيث أنه على الرغم من التعقيد الموجود في هذه اللوحة، إلا إنني أحاول دائما تفسيرها وفهمها، وقد ساعدني ذلك كثيرا في رسمي، كما أنني بحثت عن مبادئ الفن التكعيبي في المدرسة التكعيبية لبابلو بيكاسو، حيث تعلمت العديد من أساسيات الفن من هذه المدرسة، التي مع الأسف لم تُدرس في مناطقنا حتى اليوم، ضف إلى ذلك، لجوئي لشبكة الإنترنت للتعرف على أساسيات الرسم، والتي ساعدتني كثيرا، أي إنني اعتمدت على مصادري الذاتية لتنمية مواهبي”.
الرسام عبد الكريم الملا أنهى حديثه: “في مجال الرسم، نعاني من الإهمال، واللا مبالاة الكبيرة، فحتى اللحظة لا تتوفر وسائل الرسم الاحترافية في منطقتنا، فنضطر في كثير من الأحيان لرسم لوحات كبيرة بوسائل وأدوات بدائية، ضف إلى ذلك، عدم وجود أي مؤسسة تُعنى بتعليم الرسم، وكل هذا يشكل عائقا في وجه تطوير هذه الهواية، ويجعلنا ندور في الحلقة نفسها، مع إحراز تقدم بسيط نعتمد فيه على ذاتنا، لذلك، يجب الاهتمام بالرسم اهتماما كافيا إسوة بباقي أنواع الفنون، لأن الرسم في الأهمية، لا يقل عن أي نوع آخر من الفنون”.
No Result
View All Result