قامشلو/ دعاء يوسف –
عندما تعمل المرأة تكتشف ذاتها، وتصقل مواهبها لتبرهن للعالم أنها قادرة على التكيف والتغلب على أصعب المشاكل، التي قد تمر بها، فتسير في طريقها نحو أول خطوة للنجاح، وفي عيد العمال العالمي اختلفت أسباب انخراطها في مجال العمل إلَّا أنها أثبتت قدرتها على تحمل ما تجابهه من تحديات في مسيرتها في الكدح والعمل.
يصادف الأول من أيار عيد العمال العالمي، وبما أن الشعب السوري هو من الطبقة الكادحة، فإن المرأة تشكل نسبة كبيرة من هذه الشريحة. فهي تواجه تحديات في البيت وخارجه، فتدير المنزل بمساندة الزوج في مهمة كسب لقمة العيش الكريم، فالمرأة العاملة تعمل على أكثر من صعيد لتواجه التحديات، وتصارع الصعاب فتبلغ النجاح في ميادين العمل المختلفة.
مواجهة العقبات بعزم
وبهذه المناسبة، وللتعرف عن قرب على بعض الكادحات في مدينة قامشلو، ولمعرفة مطالبهن؛ التقينا بدايةً الشابة “فاطمة أحمد” البالغة من العمر27 عاماً، عراقية الأصل، تسكن هي وزوجها في منزل للإيجار مع طفليها ووالدة زوجها، وتعمل في محل لبيع المعجنات.
تقول عن أهمية عملها: “لدي طفلان بأعمار صغيرة، فالكبير عمره أربع سنوات، ومع تدهور الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار، ما عاد بمقدور زوجي تأمين احتياجات المنزل، لذا قررت أن أدخل ميدان العمل، فبدأت العمل في محل للمعجنات، منذ شهر للإسهام في دخل العائلة”.
تعمل فاطمة عملاً يومياً، وبالرغم من التعب، الذي تعاني منه لساعات العمل الطويلة، وتركها طفلها ذي العامين وحيداً، لدى والدة زوجها مدة إحدى عشرة ساعة متواصلة، تجد أن العمل أفضل حل للعيش بحياة كريمة.
وتابعت فاطمة: “بالرغم من التعب، والدوام الطويل مقارنةً بقلة الأجر، إلا أنني أفتخر بنفسي؛ لأني أستطيع أن أقدم القليل لأسرتي وأولادي، لذا فإنني أوصي بضرورة اعتماد المرأة على ذاتها، ودعم زوجها في سوق العمل”.
“على الجهات المعنية مساعدة العاملات”
بابتسامة مشرقة زينت وجه فاطمة، وهي تبيع الفطائر لأحد المارة، عبرت عن شعورها بالرضا في عملها، وتذكر: “من المهم جداً أن تعمل المرأة، فالعمل شرف وعنوان للحياة الكريمة، ومشاركة فعلية لجوانب الحياة الاقتصادية مع الزوج الذي لا يكفي مردود عمله تأمين احتياجات العائلة، ولا أنكر بأن الأجر لا يكفينا، ولكن يسد الكثير، لذا أطالب الجهات المعنية بالنظر في وضع النساء العاملات، ومساندتهن، فهن يعملنَ لساعات طوال، بأجور رمزية، وهناك استغلال للعديد من النساء لاحتياجهن للعمل ولكن يرضخن للحاجة الماسة للعمل خاصة في تدني الأجرة المقررة”.
ونوهت فاطمة: إن العمل ليس عيباً بل يعد رفعة لمكانة المرأة: “بالرغم من الصعوبات، التي أعاني منها بالتنسيق بين المنزل والعمل إلا أنني أشعر بأني قادرة على تغيير حياتي، فالعمل بالمنزل وخارجه يعد كدحاً للمرأة، لذا على المرأة ألا تستهين بما تعمل، بل تستمر في تحسين وضعها المادي”.
المساواة بين الجنسين
لا يختلف وضع الوافدة من دير الزور “غادة عبد القادر حميد” امرأة بعمر يناهز الخمسين عاماً، التي لجأت للعمل من داخل المنزل بعد الظروف المعيشية التي مرت بها: “للتغلب على هذه الظروف الصعبة التي مررنا بها، قررت العمل في الصوف، فأنا أم لخمسة أبناء هم طلاب، ومصاريفهم تزداد يوماً بعد يوم ناهيك عن أجار المنازل المرتفع، فلم أستطع ترك زوجي وحده يحمل على كاهله كل هذه المصاريف والصعاب”.
إلا أن العمل في الصوف موسمي، وهذا ما دفع غادة للبحث عن عمل آخر: “أن ازدياد عدد النساء يجعل فرصة المساواة بين الجنسين مفقودة إلى حدٍّ ما”.
واختتمت غادة حديثها بتشجع النساء التي تعيش ظروفاً مادية صعبة على العمل، وعدم الاستسلام للفقر، فالحياة لا تنتهي عند السقوط: “النساء كلهن قادرات على الاستمرار، وتحسين ظروفهن المعيشية، فالعمل يساعد المرأة على بناء ذاتها، وشخصيتها لتكون قوية قادرة على الوقوف في وجه جميع التحديات، ففي داخل كل امرأة شخص مبدع قادر على العطاء، وهذا ما اكتشفته بنفسي”.
اكتفاء ذاتي واستقلال مادي
ومن جانبها تعمل الشابة “غرام إبراهيم” البالغة من العمر سبعة عشر عاماً في مطعم ليليت، معتمدة على نفسها في تأمين مصاريف دراستها، وتجد أن زميلاتها في العمل يقمن بدعمها معنوياً، وتشجيعها على استكمال دراستها: “إن العمل هنا مكنني من التعرف على أناس تشجعني، وتدعمني نفسياً والعمل في المطعم ليس بالصعب، فأنا أعمل على تقديم الطلبات”. الظروف الصعبة التي تعاني منها عائلة الشابة جعلها تنخرط في مجال العمل باكراً، إلا إن هذا العمل ساعدها في التغلب على الأزمات، التي كانت تواجهها، وبالرغم من ساعات الدوام التي تعد طويلة، تجد غرام متسعاً من الوقت للدراسة، فهي تنظم وقتها بين العمل في المطعم والدراسة، وترى غرام أن الفتيات في المطعم أصبحن أسرتها الثانية، التي تساعدها في التغلب على مشاكلها.
وعن عمل النساء قالت الشابة غرام إبراهيم في ختام حديثها: “لا أحد يضمن ما سيحدث معه مستقبلاً، لذا على النساء الاعتماد على أنفسهن من خلال العمل كي يحققن استقلالهن المادي، وهذا الأمر اقتنعت به بعد تجربة عملي في المطعم”.
“المرأة قادرة على البدء بعملها الخاص“
“سوزدار كنعان” تعمل في التطريز من المنزل، فقد بدأت مشروعها الخاص باسم “إبرة وخيط”، إلى جانب عنايتها بأطفالها، وقد عادت إلى هذه الحرفة منذ أعوام، وبالرغم من العديد من الصعاب التي واجهتها عملت بكل حب وإخلاص من أجل تطوير عملها، وقد لاقى ما تعد أعجاب الكثيرين، بعد نشر منتوجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتوافدت إليها الطلبات من مناطق مختلفة في سوريا: “لم يكن الأمر سهلاً بل يحتاج الكثير من الجهد من أجل إكمال مشروعي، ولكني اليوم أقف أقم عملا نافعا تفخر به عائلي وزوجي ويشجعاني بالقيام به”.
وبينت سوزدار أن عمل المرأة في المنزل وخارجه قصة كفاح لا تنتهي، وتشجع النساء على بدء مشاريعهنّ الخاصة، وألا يسخرْنَ بما يستطعن فعله من أجل أنفسهنّ، وطالبت المجتمع في ختام حديثها أن يعطي المرأة الفرصة للعمل في مكان كريم، دون استغلال حاجتها.
وفحوى القول، وفصيحه، ومآله، ومأربه، أن المرأة دخلت سوق العمل الكبير ومن أبواب عدة، بعضها داخل المنزل، وكثيرة من الأبواب خارجه؛ فغدت ربة عمل بأهداف شريفة، وغايات مشروعة، جلُّ أسبابها الحفاظ على كرامة المرأة في العيش الكريم، والقويم وومد يد التشارك، والتعاون لزوج أرغمته الحياة بالمكوث في المنزل دون عمل، أو بعمل لا يستطيع مصارعة الحياة في تردي الأوضاع الاقتصادية الكبيرة؛ ما جعلها تحمل روحها، وتلقي بأشرعة الأعذار، والانتقاص من قيمتها وراء ظهرها، وتؤكد أن المرأة قادرة على خلق فرص الحياة الكريمة السعيدة، وتنشئ واقعا مميزا في تشارك الحياة مع الرجل في مسار بناء الحياة برمتها دون خوف أو وجل، وبهذا نرفع أسمى تبريكات الرضا، والقبول، والتهاني للمرأة العاملة الموقرة الكريمة في مناسبة عيد العمال العالمي، مطالبين تحقيق حقوق المرأة العاملة.
