حاوره/ علوان عباس_
عندما هُزمت مرتزقة داعش من مدينة منبج، وتم تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية عام 2016، عادت الحياة الى أهلها، واستعادت أهميتها الاستراتيجية، بيد أن هذه الأهمية لا تحسب بالكيلومترات، التي تمتد عليها هذه المدينة الصغيرة، بل بموقعها الاستراتيجي، فقد كانت مدينة منبج حلقة وصل هامة لمرتزقة داعش في حلب، والرقة السوريتين، وعنتاب التركية، إضافة إلى كونها نقطة هامة في التواصل الجغرافي مع مدينة الموصل في شمال العراق.
وتقع مدينة منبج على بعد 85 كيلو متراً شرق مدينة حلب، ويفصلها عن الحدود التركية نحو 30 كيلو متراً، ويبلغ عدد سكانها قرابة 550 ألف نسمة، ويتبع لها إداريا عدد من النواحي، و314 قرية ومزرعة.
وللحديث عن مدينة منبج وما حصل فيها أثناء سيطرة مرتزقة داعش على المدينة، وتحريرها بقوات سوريا الديمقراطية، والإنجازات، التي تحققت بعد التحرير، وعن الأطماع والتهديدات التركية، وغيرها من المواضيع أجرت صحيفتنا حواراً مع أمين فرع حزب التحالف الوطني الديمقراطي السوري في منبج، وعضو الهيئة المركزية في الحزب عزيز عبود، وإليكم نص الحوار:
![]()
ـ هل بإمكانكم التحدث عن وضع مدينة منبج قبل تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية؟
كان وضع مدينة منبج أثناء فترة سيطرة مرتزقة داعش مأساوياً، وعاشت في ظلام استمر قرابة ثلاث سنوات، عانى فيها أبناء المدينة الويلات نتيجة بطش داعش، وفرض منهجه وشريعته بالقوة وبقطع الرؤوس وفرض الإتاوات، وتقييد الحريات العامة والقيام بإعدامات ميدانية وإجبار الأهالي على حضورها.
ـ هل لكم أن تبينوا لنا بعض الحالات، التي حصلت فيها انتهاكات حقوق الإنسان؟
لقد حصلت الكثير من القصص والحوادث التي لا تعد ولا تحصى لممارسات مرتزقة داعش ضد الأهالي في المدينة، نعم لقد قاموا بقطع رؤوس الأبرياء وسط تجمعات الأسواق، وإجبار الأهالي على حضور عمليات القتل الوحشية بحق أبرياء لفقوا لهم تهم عديدة، نتيجة مخالفتهم لسياستهم العامة، في محاولة منهم لإرهاب الأهالي وتخويفهم عبر قطع الرؤوس، وكذلك كان يتم جلد، وضرب النساء وسط التجمعات لمخالفتهن اللباس، الذي فرضه داعش، وكذلك حصلت الكثير من القصص لإجبار النساء الجميلات بالزواج من عناصر وقيادات داعش.
ـ ما ردة فعل الأهالي عندما عَلِموا بأنّ قوات سوريا الديمقراطية سوف تحررهم؟
ردة الفعل كانت بمثابة أمل العودة للحياة والتحرر، وبالفعل تحقق الحلم وشارك أغلب شباب، وشابات المدينة بحملة التحرير، عبر هروبهم باتجاه قوات سوريا الديمقراطية، ومشاركتها الزحف لتحرير المدينة الأمر، الذي أعاد الحياة للمدينة، ولاقى فرحة عارمة من قبل الأهالي.
وأعتقد بأنه لا مجال للمقارنة بين المرتزقة وقوات سوريا الديمقراطية، من حيث الأمان، والاستقرار، والقوانين، والمؤسسات، والخدمات العامة، والعدالة الاجتماعية، وكذلك مشاركة الشعب في القرارات والإدارة الشعبية.
ـ ما الانجازات التي تحققت بعد التحرير؟
بالتأكيد تم إنجاز الكثير بعد التحرير، حيث قامت الإدارة المدنية بتشكيل المؤسسات الخدمية، وتم إعادة تأهيل المدارس، التي دمرتها الحرب وتفعيل العملية التربوية، وكذلك تم تقديم الرعاية الصحية للأهالي عبر دعم المشافي وتأهيلها وتقديم الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة لذلك، وأيضاً تم تشكيل قوات عسكرية مهمتها حماية المدينة وريفها، من أي اعتداءات بالإضافة لجهاز الأمن الخاص بتوفير الأمن والاستقرار للأهالي، وكذلك تفعيل مجالس العدالة الاجتماعية وتأهيل البنى التحتية للمدينة.
ـ بالعودة الى دولة الاحتلال التركي، ما سبب التهديدات المستمرة لشمال وشرق سوريا؟
المحتل التركي منذ بداية الأزمة استغل الأزمة، وانقلب على الحكومة السورية، وقام بدعم الإرهاب وتهديد سيادة سوريا من أجل تنفيذ بنود الاتفاق الملي، بالسيطرة على أجزاء من سوريا مشمولة حسب الميثاق مدن حلب، والرقة، والحسكة، وأجزاء من دير الزور، وحماه والساحل السوري، والاعتداءات الأخيرة تندرج في سياق المخطط الاحتلالي، وأيضاً من أجل كسب الأصوات الانتخابية، فأردوغان يسوق لنفسه بأنه يحافظ على الأمن القومي التركي، واستطاع أن يقنع الشعب التركي بسياساته، وهذه التهديدات الأخيرة تندرج في خدمة حملته الانتخابية، وأيضا تنفيذ لمخططاته الاحتلالية باللعب على وتر التناقض الغربي الروسي، والاستفادة من تلك التناقضات باحتلال أجزاء من شمال وشرق سوريا.
لكنه وحتى الآن فشل الى حد ما، لكنه استطاع، وبكل أسف احتلال بعض المناطق مثل سري كانيه، وكري سبي وعفرين، ويريد احتلال المزيد من المدن، والأراضي السورية.
ـ ما السياسة التي تمارسها دولة الاحتلال التركي في المناطق المحتلة؟
احتلت تركيا منطقة عفرين عبر ما تسمى عملية غصن الزيتون، وكذلك احتلت كري سبي، وسري كانيه، عبر ما تسمى بعملية نبع السلام، وقبلها احتلت جرابلس، والباب، وإعزاز عبر ما أسمته أيضاً بعملية درع الفرات، حيث مارس الاحتلال التركي ومرتزقته، أقسى أنواع الانتهاكات ضد السكان المحليين لإجبارهم على النزوح وتنفيذ سياسة التغيير الديمغرافي، التي تسعى تركيا لتنفيذها، وكذلك فرض اللغة التركية، وإطلاق يد المرتزقة الذين عاثوا فساداً، وأحرقوا الطبيعة، واغتصبوا، وخطفوا، وقتلوا، وأجبروا المخطوفين على دفع الفدية مقابل حريتهم، أو قتل من لم يدفع الفدية، حيث يعاني الأهالي في مناطق سيطرة الاحتلال ظروفاً صعبة في ظل كل هذه الممارسات، وعدم وجود استقرار وأمن وحياة كريمة.
ـ ما الهدف من تهديدات تركيا باحتلال منبج، وكوباني، وتل رفعت؟
لا شك أن تركيا تسعى لاحتلال مناطق شمال وشرق سوريا كلها، فهي موجودة في مناطق إدلب، واعزاز، وجرابلس، والباب، وعينها على حلب، وصرح الأتراك أكثر من مرة بهذا الخصوص حيث أن جغرافيا مدينة تل رفعت تعدّ بوابة الدخول إلى حلب، وباحتلالها تصبح حلب تحت تأثير النفوذ التركي، وكذلك الأمر لمدينة منبج حيث الثقل الاقتصادي، والسكاني، وبذلك تكون حلب محاطة من ثلاث جهات، أما بخصوص كوباني فتسعى تركيا لوصل مدينتي سري كانيه، وكري سبي بمناطق غرب الفرات، لتقترب أكثر باتجاه العمق الشرقي للشريط الحدودي، والغاية الأساسية هي التغيير الديمغرافي، والوصول لمناطق النفط، فلم تخف تركيا هذه الرغبة.
ـ برأيكم إلامَ يرمي المحتل التركي بقصفه المنشآت الحيوية، والبُنى التحتية؟
لأن هناك مشروعاً ديمقراطياً، ويتطور يوما بعد يوم ليضع الحكومات الديكتاتورية بالمنطقة في خطر، ما يؤدي لفشل مشروع تركيا الاحتلالي، فقام باستهداف المراكز الحيوية، والبنى التحتية، التي يعتمد عليها أهالي المنطقة، ولوضع عثرة أمام منجزات ومكتسبات أهالي المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى القيام بإحداث تغيير ديموغرافي على الشريط الشمالي، وتهجير سكانه الأصليين وخاصة الشعب الكردي، وقد يكون المحتل التركي له حسابات أخرى بالاتفاق مع التحالف الدولي، بإدخال شركات تركيا تعيد إعمار ما ساهمت بتدميره خلال الحرب السورية.
أي إن استهداف المراكز الحيوية، هو لضرب المنجزات الاقتصادية، والبنى التحتية، التي يعتمد عليها الأهالي في عيشهم بشكل رئيسي، ولإحداث تغيير ديمغرافي، وضرب مكتسبات المشروع الديمقراطي.
– ارتباط تركيا بمرتزقة داعش وثيق ما مدى هذا الارتباط؟
الوقائع على الأرض كلها، أثبتت ارتباط مرتزقة داعش بالنظام التركي، إبان سيطرة مرتزقة داعش على الريف الشمالي والشرقي لمدينة حلب، كان المرتزقة يدخلون إلى الأراضي السورية عبر تركيا بدون أية عراقيل، وكذلك كان يتم دخول الدعم لهم إلى الداخل السوري عبر تركيا، وتتحدث التقارير عن أماكن إقامة ومعسكرات لمرتزقة داعش داخل تركيا، وهناك ثبوتيات ووثائق بذلك.
وهجوم داعش على سجن الصناعة في الحسكة، كان بدعم وتخطيط مباشر من المخابرات التركية، بالإضافة لاعترافات مرتزقة داعش أثناء التحقيق معهم، بوقوف تركيا خلف كل ما حدث في سجن الصناعة بالحسكة، حيث قدمت لهم أشكال الدعم، واعترفوا بأن هناك الكثيرين من عناصر مرتزقة داعش انخرطوا في صفوف ما يُسمى بالجيش الوطني المرتهن لتركيا، في تبنٍّ تركي واضح لمرتزقة داعش، وتجييشهم للهجوم على مدينة منبج التي تسعى تركيا لاحتلالها.
ـ ما تصوركم لشكل الحكم في سوريا المستقبل؟
برأينا يجب أن يتوافق السوريون كلهم على دستور جديد، بحيث يتم من خلاله صياغة نظام حكم عبر إجراء استفتاء دستوري يشارك فيه السوريون كلهم، بشعوبهم كافة، وبذلك قد يكون نظاماً برلمانياً، أو ربما غير ذلك حسبما يقرره الشعب السوري عبر الدستور المتفق عليه.
أما المجتمع الدولي ليس جاداً بإنهاء المأساة السورية؛ بسبب تشابك مصالح الدول الكبرى المؤثرة في الساحة السورية، حيث تضارب المصالح، وبرأيي هذه الدول مستفيدة من الحرب السورية، وبذلك ليس من مصلحتها إنهاء الأزمة، بل استمرار الصراع، وقد لعبت دوراً سلبياً في هذا الصراع بل أججته بشكل واضح، وقد تأثرت سوريا بالتجاذبات الدولية، والتنافس الدولي في الشرق الأوسط.
ـ هل من كلمة أخيرة تختمون بها حوارنا؟
نوصي السوريين كلهم بتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى كلها، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة إنهاء هذه المعاناة، وإيجاد حل للأزمة السورية.
