د. يونس بهرام
كيف تحولت سوريا إلى مرآة لانقسامات تاريخية وجغرافية عميقة؟
منذ أن رسمت معاهدة سايكس ـ بيكو حدود الشرق الأوسط الحديث، وسوريا لم تعرف يومًا استقرارًا حقيقيًا في هويتها الوطنية، فقد نشأت سوريا الحديثة من رحم تقاسم النفوذ بين الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، على أنقاض السلطنة العثمانية، وتَشكّلت في ظلّ تجاهل متعمّد للتنوع العرقي والديني والثقافي الذي يميّز المنطقة.
إرث الاستعمار.. حدود بلا هوية
فرض الانتداب الفرنسي شكلاً للدولة السوريّة عام 1920، استند إلى سلطة مركزيّة تديرها نخب معيّنة، دون مراعاة الواقع الديمغرافي المعقّد. فالكردي، السرياني، الدرزي، العربي، والآشوري جُمِعوا تحت اسم “السوري” دون تعريف واضح، ومع تغييب للخصوصيات الدينية واللغوية.
هذا الغموض لم يُحل بعد الاستقلال عام 1946، بل ازداد تعقيدًا مع الانقلابات العسكرية وصعود حزب البعث عام 1963، الذي اختزل الهوية السوريّة في القومية العربية، ثم في حكم آل الأسد وطائفته عام 1970.
الثورة… والانكشاف الكبير
عام 2011، لم تكن الثورة السوريّة مجرد انتفاضة ضد نظام سلطوي، بل لحظة انكشاف عميق لطبيعة الدولة وهشاشتها البنيوية. سرعان ما تحوّل الحراك إلى صراع مسلّح، ثم إلى ساحة نفوذ تتنازعها قوى دولية وإقليمية: تركيا، إيران، روسيا، الولايات المتحدة، وفرنسا.
المجموعات المرتزقة: حرب الكل ضد الكل
أصبح الشمال السوري نموذجًا للفوضى. مجموعات مدعومة من تركيا، مثل “الحمزات” و”العمشات”، تُتهم بارتكاب انتهاكات بحق السكان، خصوصًا الكرد، أما “هيئة تحرير الشام” فتسعى للظهور كسلطةٍ معتدلة في إدلب، رغم علاقاتها السابقة بمجموعات ما تسمى بـ”جهادية”، وسط وجود مرتزقة أجانب يهيمنون على مفاصل أمنية.
الإدارة الذاتية.. التجربة الأمثل
وسط الانهيار العام، شكلت شعوب شمال وشرق سوريا حالة فريدة في المنطقة، فقد أسسوا مشروع “الإدارة الذاتية”، على أسس تعددية ولغوية، ونجحوا في دحر داعش عسكريًا عبر “قسد”. لكن؛ التجربة تواجه تحديات خطيرة: منهما هجمات تركيا عليها خوفاً من نقل التجربة الديمقراطية إلى باكور كردستان وتركيا، إلى جانب ممارسة الحرب الخاصة عليها. فالإدارة الذاتية تسعى إلى وحدة الأراضي السورية.
إلى أين المصير؟
عانت سوريا من التدخلات الخارجية من خلال هجمات المحتل التركي على شمال وشرق سوريا واحتلالها مناطق سورية عدة منها مرتزقتها منها عفرين، سري كانيه، كري سبي، الباب، جرابلس وإعزاز، إلى جانب صراع الأنظمة الاستبدادية عليها منها روسيا، وأمريكا.
وكما حذّر المفكر الراحل صادق جلال العظم: “ربما لا ننجو كسوريين إلا إذا قبلنا أن لا أحد يملك سوريا وحده”.
إن مفتاح الحل لا يكمن في فرض سلطة جديدة بالقوة، بل في إعادة تعريف “السوري” على أساس الاعتراف بالتعدد، والانتقال من منطق الهيمنة إلى منطق الشراكة، والاعتماد على اللامركزية في الإدارة، فهل يملك السوريون، وإقليمهم، والعالم، الشجاعة الكافية لفعل ذلك… قبل فوات الأوان؟