الإبادة الممنهجة أكبر مجازر العصر

محمود العطية/ سياسي_

 شعب يُباد بمكوناته كلها، وبلد أصبح ساحة للصراعات الدولية ولتجربة الأسلحة المحرمة وغير المحرمة، وأنواع الحروب المباشرة وغير المباشرة، ففي هذا العصر إن سمعت أو شاهدت إجراماً، فاق السادية فاعلم أنها في سوريا.

ازدواجية المعايير الغربية أثارت التساؤلات عما إذا كان العالم بحاجة لمشاهدة رعب جديد من مسلسل قتل الشعب السوري؟ لكي يعاقب النظام وداعميه، حيث سلط احتدام الحرب في أوكرانيا الضوء على هذه الازدواجية، فنشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً مصوراً يظهر فيه الضابط أمجد يوسف، أحد ضباط الفرع 227 من المخابرات العسكرية السورية، التابعة لنظام الأسد. يشير التقرير إلى أن مجزرة وقعت بحي التضامن بالعاصمة السورية دمشق، في أبريل نيسان 2013 على بعد عدة أميال من مقر بشار الأسد، ولقى 41 رجلاً على الأقل مصرعهم في تلك المقبرة الجماعية، ثم سكب الضباط الوقود على رفاتهم، وأشعلوا النيران وهم يتضاحكون، اختتم تقرير الصحيفة بالإشارة بتصريحات رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، باولو بينيرو: “إن أكثر من 100ألف شخص لا يزالون في عداد المفقودين أو المختفين قسراً”.

كذلك أوضح تقرير المجلس السوري البريطاني بمناسبة الذكرى العاشرة لمجزرة داريا، التي أقدمت فيها قوات حكومة دمشق وحلفاؤها على قتل أكثر من 700 مدني في داريا عمداً، قضى معظمهم جراء تنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحقهم، كما وجدت العشرات من مقاطع الفيديو المسربة من تصوير مرتكبي الجرائم من عناصر قوات النظام السوري، طريقها للرأي العام في مراحل مختلفة خلال النزاع، وبدا الأمر في بعض الأحيان، وكأن تصوير مقاطع التعذيب أو الإعدامات الميدانية ممارسات مرتجلة قد تندرج تحت بند (تباهي الجناة) بما اقترفته أيديهم، وتبجحهم بشأنها بين رفاقهم من الجنود والضباط، أو أنها تأتي في سياق إثبات الولاء للنظام؛ لأن مقاطع الفيديو في هذه الحالة تخالف ذلك التوجه ويظهر أن التصوير كأنه في هذه المرة تحديداً ضمن عملية ممنهجة لتصوير الواقعة بشكل مقصود، وبأوامر صادرة عن فرع المخابرات العسكرية، وكشف المركز السوري للعدالة والمساءلة عن مجزرة جديدة ارتكبها عناصر من الفرقة التاسعة بممارستهم للتعذيب والإعدام الميداني بحق المدنيين 2012 وذلك في مكان يقع بين قرية القنية، ومدينة الصنمين في محافظه درعا.

منذ اندلاع الثورة 2011 لم تتوقف حكومة دمشق عن قصف المدن والقرى بالصواريخ والمدفعية الثقيلة، مخلفاً مئات آلاف الضحايا والقتلى والجرحى، وأُجبِر الملايين على النزوح واللجوء، وإذا كان القصف بالصواريخ والمدفعية والغازات الكيميائية والبراميل المتفجرة وغيرها وسائل قتل معروفة لدى السوريين، فإن السجون الممتلئة بالمواطنين كانت بعيدة عن الأعين، لكن كان لقيصر كلمة أخرى إذا عمل على تسريب عشرات آلاف من صور القتلى من ضحايا التعذيب، الذي تقوم به الأفرع الأمنية للنظام السوري، والذي تفضح ما يجري داخل السجون وتسلط الضوء على ما وصفت بأنها أكبر الفظاعات التي شهدتها البشرية في تاريخها.

البداية كانت بعيد اندلاع الثورة السورية، وخروج الشعب هاتفاً بإسقاط النظام ومعاقبة المجرمين بقتل الأطفال حيث يقول قيصر: “إن عمليات القتل دُشنت خلال مظاهرات درعا السلمية إذ نقلت إليهم الأجهزة الأمنية نحو 45 جثة من جثث المتظاهرين السلميين لداخل المستشفى العسكري المعروف باسم 601، وقيل: إنها جثث المندسين من درعا؛ ليزداد بعدها عدد الجثث للمدنيين السلميين في وقت قياسي الأمر الذي دفع المسؤولين لإلقاء الجثث في أماكن مختلفة، بينها مواقف السيارات، وبعدها بثلاثة أو أربعة أيام، يأتي الطبيب الشرعي لمعاينة الجثث التي تركت في العراء عرضة للقوارض والحشرات، وبعد أن يتجاوز العدد 200 – 300 جثة يتم جمعها وأخذها لأماكن مجهولة”، ويضيف: “لا تجمع سوى الجثث، التي يأمر الطبيب الشرعي بجمعها بعد مراجعة بياناتها، ويكثر أن يكون بين القتلى أطفال تتراوح أعمارهم بين 12-14 عاماً وشيوخ قد تتجاوز أعمارهم 70 عاماً، وبعض هذه الجثث تُدفن في مقابر جماعية.

لم تكن هذه البداية أو النهاية لسلسلة إجرام حكومة دمشق فمنذ توليها الحكم، وهي تمارس هوايتها في القتل والإجرام ضد مكونات الشعب السوري، وإثنياته، ففي حماة 1982 أطبقت القوات البرية وسرايا الدفاع حصاراً على مدينة حماة بناء على أوامر من حافظ الأسد لمده 27 يوماً لتنفيذ مذبحة بقيادة اللواء رفعت الأسد، وحسب تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان: “إن حصيلة الضحايا قد تجاوزت 40 ألف، كما دمرت أجزاء كبيرة من المدينة”، أما في 2004 حيث سارعت الحكومة لاستخدام الرصاص الحي ليعيد إحياء مجزرة حماه 1982 لتلقين كرد سوريا وليس منطقة الجزيرة وحدها درساً في الفاشية، يمارسه الوريث من باب استئناف تراث أبيه في القامشلي، والحسكة، وعامودا، وديرك، والدرباسية، وكوباني، وعفرين.

كان الأسد الأب نفسه يبغض المحافظات الشرقية، ويعدّها معادية للنظام وله شخصياً وكان الدليل الأوضح على مشاعره هذه، أنه بعد أسابيع أعقبت انقلابه عام 1970 قام بسلسلة جولات استعراضية شملت جميع المحافظات السورية، ماعدا دير الزور، والحسكة، والرقة، وفي المقابل قامت حكومة دمشق بتجريد نحو 200,000 مواطن كردي من الجنسية، وتسجيلهم في القيود بصفة أجنبي، كما جرد 80,000 آخرين، ولكن من دون تسجيلهم بالقيود هذه المرة، فجرائم النظام تدل أن المستهدف هو الشعب السوري بمكوناته كلها، وتظاهرات الشعب السوري 2011 لم تكن إلا استمراراً لانتفاضة 2004 لكن تركيا والنظام عملا على إدخال عملائهما لصفوف المتظاهرين محاولين خلط الأوراق حيث أفرجت حكومة دمشق عن الجهاديين الإسلاميين من سجن صيدنايا، وأدخلت تركيا المتطرفين من كل دول العالم، ثم وقع الشعب السوري المسالم ضحية لروسيا وإيران وكل ميليشياتهما، وميلشيات النظام مهما كثرت مسمياتها، حيث ارتكبوا مع النظام السوري المجازر الكثيرة منها مجزرة جديدة الفضل، ومجزرة الكيميائي في غوطة دمشق، ومجزرة علي الوحش والحولة بحمص، والمقابر في دير الزور، وغيرها في أنحاء سوريا كلها، وتتكشف الحقيقة يوماً بعد يوم.

 لا مبالغة في القول: بإن الغالبية العظمى من السوريين كانوا قد حسموا أمرهم بشأن مصير الأسد عندما قرروا الثورة عليه، وعلى الذهنية، التي يفكر فيها، هذا النظام في مارس/ آذار 2011 فقد شرعيته المصطنعة مع مقتل أول طفل، وكل ما جرى ويجري بعد ذلك التاريخ حتى اليوم هو صراع على النفوذ والمصالح بين القوى الإقليمية والدولية من خلال الأسد، وليس عليه هذه عن الشرعية، أم عن مصير الأسد ونظامه، ربط المبعوث الأمريكي السابق الى سوريا جويل رايبورن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد بالتطورات في أوكرانيا، والمنتصر النهائي فيها قائلاً: “إن مصير بشار الأسد سيتحدد في خيرسون، وشبه جزيرة القرم إذا خسر بوتين حربه في أوكرانيا فسيخسر بشار الأسد في نهاية المطاف حربه في سورية. وأضاف: “إذا سقط بوتين في السلطة في موسكو فسوف يسقط الأسد في السلطة في دمشق”. واليوم نشهد انسحاب وهزيمة القوات الروسية من خيرسون، أما إيران وميلشياتها في لبنان والعراق فإيران الآن تشهد اضطرابات داخلية ستنزف طاقاتها وتجعلها منغلقة حفاظاً على نفسها، والمؤشرات الحالية تشير إلى قرب انهيار إيران أما روسيا تخسر يوماً بعد يوم في أوكرانيا، أنها مسألة وقت ليس إلا.