No Result
View All Result
المشاهدات 0
صلاح الدين مسلم_
إنّ أنظمة السلطة وأنظمة توزيع الثروة قد اتخذت اليوم طابعاً عالميّاً، وصار مركز النظام المهيمن؛ أميركا، ومركز التجارة العالميّ؛ نيويورك، ومركز المدينة؛ ول ستريت، مقرَّ الرأسمال العالميّ، وكلّ ملفّات الاحتكار العالميّ تُدار من هناك، كما كانت لندن سابقاً وستوكهولم والبندقية وباريس… إنّها المركزيّة التي تقلّد مركزيّة أوروك، أور، بابل، بغداد، دمشق.
هناك صراع بين التنوير وبين العلم، وهناك صراع بين الإدراك والتعليم وبين العلم الذي يريد أن يقولب كلّ شيء في طيّاته، فالتنوير يتعقّب المخفيّ وكلّ شيء مخفيّ هو مهمّة التنوير في كشف النقاب عنه، بينما يتعقّب العلم المجهول ويريد أن يقولب المجهول في عمليّة علميّة قياسيّة حتميّة قولبيّة بحتة، فالمخفي هو ما كان مجهولاً وجرى العلم به، ثمّ لأمر ما جرى إخفاؤه، والتنوير إن لم يكشف المخفيّ تعذّر على العلم البحث عن المجهول، إذاً فالعلم هو نتاج التنوير وليس العكس، والتعليم طريق التنوير، والعلم بالعلم الذي يراد تعليمه هو مهمّة تنويريّة، فالمخفي الذي خفي لأمر سياسيّ ما أو لأمر استراتيجيّ ما بات العائق أمام النهضة التنويريّة بحدِّ ذاته، وأمام العلم الذي بات منقوصاً بحدّ ذاته، فالمخفي موجود لا محالة حتّى وإن أُسدِل الستار عنه، لذلك أضحى العلم سيّداً على التنوير، فالحداثة الرأسماليّة تخفي ما ليس لصالحها، وتأمر العلم والعلماء في البحث عن هذا المجهول الذي جعلته الحداثة الرأسماليّة مجهولاً، وهو ليس مجهولاً بل هو مخفيّ، وبالتالي قُمع التنوير وزيُّف، وبالتالي كان زيف الحقيقة، فالمجهول ليس مجهولاً إنّما هو مخفيّ، فعلى سبيل المثال يعرض الإعلام الغربيّ مأساة بسيطة ليشغل العالم بالمأساة الحقيقيّة، فمسألة تضخيم مشهد الطفل آلان الذي غرق في البحر قد جرى تضخيم هذا الحدث، بينما غيّب تصوير المأساة التي يعانيها الأطفال في سوريا برمّتها من أطفال الشيخ المقصود وصولاً إلى أطفال مضايا، وهذا مثال بسيط عن زيف الحقيقة في الحداثة الرأسماليّة في ترسانتها الإعلاميّة الضخمة التي تُصرف عليها مليارات الدولارات في سبيل تزوير الحقيقة وإخفائها وتصويرها مجهولاً، فكيف سيظهر التنوير أي إنارة المجهول الذي هو مخفيّ وليس مجهولاً؟
لقد ظلّ التنوير يوتوبياً لأنّه لم يحمل في طيّاته قوّة تغيير مادّيّة، فقد اعتبر ديكارت أنّ المعرفة التي لا تمتلك خاصيتها المعرفيّة في ذاتها إنّما تحتاج إلى قوّة أخرى، غير قوّة وضوحها وتميّزها، وبالتالي صارت هذه المعرفة سلطة، والمعارف السلطويّة هي سلطات وليست معارف، فالمعرفة السلطويّة أو السلطة المعرفيّة هما التناقض بعينه، كأن تقول الماء الناريّة أو النار المائيّة، من هنا انتعشت الرأسماليّة التي تعتمد على القوّة في إحياء منظومتها، فالدولة القوميّة قوّة، والصناعويّة قوّة، والمال قوّة، فسرّبت القوّة إلى المؤسّسات كافّة، وسرّبت الديمقراطيّة المزيفة لإلهاء الشعوب، ومارست حربها الخاصة عبر الجنس والرياضة والفن الهابط وسرّبت العبثيّة الفكريّة إلى أدقّ تفاصيل الحياة، وأنتجت مجتمعاً مستهلكاً لا يدرك الزمان والمكان، يرى العالم عبر منظار العلم المرسوم له.
No Result
View All Result