No Result
View All Result
المشاهدات 0
دجوار أحمد آغا –
أصبح للإعلام بشكل عام والرقمي على وجه الخصوص، دوراً رئيسياً وبارزاً في تشكيل المعرفة والوعي لدى المواطنين وخاصةً في البلدان التي لم تستطع حتى الآن أن تحقق إدارتها الذاتية تكوين ثقافتها الخاصة بها وحمايتها والتي تزداد فيها نسبة الأمية وعدم الاهتمام بالقراءة، وبالتالي فإن دور الإعلام أضحى مفصلياً في تكوين العقل المجتمعي.
في الحقيقة إن الإعلام وعملية تشكيل الوعي المجتمعي من خلال وسائله ليس بريئاً فهو يسير وفق خطة مرسومة من جانب القوى السياسية والاقتصادية التي تتحكم به وله سياسة نشر معينة يتم اتباعها فهي تتم بشكلين:
ـ الأول: تكون فيه القوى التي تُدير الإعلام قوى ديمقراطية حرة تهدف إلى تشكيل وعي جماهيري حقيقي وموضوعي بقضايا ومشكلات المجتمع من خلال تصوير وإبراز الأحداث والأمور التي تجري مثلما هي على أرض الواقع بكل أبعادها دونما تهميش أو نقصان أي شيء منها مهما كان صغيراً وهذا الأمر صعب جداً في عالمنا المعاصر إن لم نقل نادر الوجود والحدوث.
ـ أما الشكل الثاني: يتمثل بتزييف الوقائع والحقائق بحيث يتم زيادة المشاكل والقضايا والأزمات الاجتماعية من أجل تمرير أجندات القوى المسيطرة والمتحكمة بوسائل الإعلام وفق مصالحها الشخصية، وغالباً ما تتم هذه العملية بسهولة كونها تدخل إلى جميع البيوت دونما استئذان ودون وجود عوائق تمنعها من ذلك. إن العلم الاجتماعي هو عبارة عن المشاركة الجماهيرية في قضايا النقد الاجتماعي والإسهام في إنضاج وعي الجماهير حيث لا تكتفي هنا وسائل الإعلام بدور تنويري فقط بل تتعداه إلى القيام بدور تحريضي وتهيئة الجماهير من أجل تشكيل وعيها ومعرفتها بطبيعة حقوقها ومدى الاستغلال الذي تتعرض له وكيفية مطالبتها بهذه الحقوق.

الإعلام المعاصر وبخاصةٍ مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءاً من كل بيت لا بل وصل الأمر بالبعض إلى اعتبار صفحاتها ومواقعها عبارة عن جزء من حياتها وشخصيتها لما لها من أهمية في التعريف بها والتعرف إليها، وهكذا نرى بأن (الفيسبوك، تويتر، انستغرام، واتس آب، تلغرام، تيك توك، يوتيوب)، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تتغلغل شيئاً فشيئاً في مجتمعاتنا وتصل إلى أعماقنا بكل سهولة، ومن خلال هذه الوسائل تسعى القوى المهيمنة والمسيطرة على الإعلام العالمي تعمل على تزييف وعي الجماهير وتسطيحه عبر عمليات تهميش وتفتيت وتجزئة وإشغالها بقصص بعيدة عن الواقع وجعلها تعيش في أوهام بعيداً عن دورها الرئيسي في التعرف على قضاياها المصيرية وكيفية مواجهتها ومعالجتها بل على العكس من ذلك تدفعها إلى الهروب من مشاكلها والعيش بعيداً عن الواقع في الخيال.
يمكننا مثلاً رؤية كيفية تشجيع هذه المواقع على مسألة الهجرة وترك الوطن بحيث يتم من خلالها تصوير البلدان الأوروبية وكأنها الجنة بذاتها مما يدفع بالشبان والشابات وحتى العوائل إلى خوض مغامرات التهريب والتي غالباً ما يتخللها حالات فقدان سواء غرقاً أم عصابات قطاع الطرق أم تجار الأعضاء البشرية وغيرها من الحوادث. كل ذلك في سبيل الوصول إلى أوروبا واعتبار أنها بداية حياة جديدة علماً أن الحياة في أوروبا تناسب من تأقلم معها ويتصرف وفق منطلق الليبرالية الفردية ولا يوجد هناك شيء اسمه مجتمع حي بل كل شيء هو للفرد ومتى ما لم يعد قادراً على العطاء؟، يتم وضعه في مأوى أو مصح للعجزة ليقضي بقية عمره كما أنه في المجتمع الأوروبي لا يوجد شيء اسمه أسرة أو روابط عائلية متينة، إنما كل شيء يسير وفق المصالح الفردية والحياة الشخصية.
لذلك نرى بأن الإعلام يتناول مثل هذه القضايا المصيرية بشكل يناسب القوى المتحكمة فيه بعيداً عن تشكيل وعي مجتمعي ملتزم بواقعه وأرضه ومستعد للدفاع عنها وبنائها والاهتمام بها. لا بد للإنسان من أن ينتبه لخطورة هذه الوسائل التي تعتبر سلاح ذو حدين ويمكنها أن تساهم في تدمير المجتمع إن لم ينتبه من يستخدمها إلى مدى خطورتها في نشر الأكاذيب وتلفيق التهم وتشويه الحقائق، كل ذلك من أجل خنق الوعي المجتمعي الحر في المهد أو خلقه بشكل مشوه وبعيداً عن حقيقته التي يجب أن تكون عبارة عن التعرف على مشاكله والتقرب إليها من منطلق الواقع المعاش والعمل على حلها بالسبل والوسائل الممكنة والمتوفرة.
No Result
View All Result