قامشلو/ ملاك علي – أُقيم مؤخراً في مدينة قامشلو مهرجان القصة القصيرة في حديقة القراءة، وسط حضور ثقافي وأدبي لافت للكتّاب والمثقفين والفنانين، وينظم هذا المهرجان اتحاد الكتّاب الكرد في سوريا سنوياً، واختير له هذا العام شعار “روج آفا أرض قصص المقاومة” وقد شكّلت مشاركة المرأة في هذا المهرجان نقطة مضيئة ومميزة، حيث لم تكن المرأة مجرد متفرجة أو ضيفة شرف، بل كانت حاضرة بقوة كاتبة، وناقدة، ومُنظّمة.
وشهد المهرجان هذا العام، الذي أقيم بتاريخ ما بين 13 و17 حزيران الجاري، مشاركة سبع نساء من أصل عشرين مشاركاً، وهن: “لجين إبراهيم، وميديا بركات، ونسرين عمر، وشيرين الحسن، وروجين موسى، وفاطمة أحمد، ولميس محمد”، فقدّمن نصوصاً تنوّعت بين الواقعي والرمزي، وغلب عليها الطابع الإنساني والاجتماعي، عالجت القصص قضايا تمسّ المرأة والهوية والانتماء، وسلطت الضوء على التحديات اليومية التي تواجهها النساء في المجتمع، وكانت قصصهنّ شاهدة على عمق التجربة الأنثوية في بيئة معقدة ثقافياً وسياسياً.
لم تقتصر مشاركة المرأة على السرد فقط، بل كان لها حضور واضح في جلسات الحوار والنقاش، فقد شاركت كاتبات وناقدات في تقييم القصص ومناقشة الأبعاد الفنية واللغوية للنصوص، ما أضفى على المهرجان طابعاً غنياً بالتعدد والتنوع في الرؤية.
جاءت بعض القصص على لسان نساء تحدّين القيود المفروضة عليهن، سواء في المجتمع أو في البنية الثقافية التقليدية. وقد استخدمن القصة مساحة للتعبير عن الرفض والمقاومة، وتقديم رؤى بديلة لعالم أكثر عدلاً وإنصافاً.
تضمن برنامج المهرجان، الذي استمر خمسة أيام، قراءات مباشرة لقصص قصيرة كتبها القاصون حيث كانت قراءة القصة من كتابها فقط، وفي اليوم الخامس والأخير، تم تكريم الفائزين الثلاثة الذين تختارهم لجنة متخصصة، وتُمنح الجوائز على النحو التالي، الجائزة الأولى300 دولار أمريكي، والجائزة الثانية 200 دولار أمريكي، فيما منح 100 دولار أمريكي للفائز الثالث والتي هي ميديا بركات بالإضافة إلى دروع وشهادات تذكارية وتقديرية لمشاركة القاصين في المهرجان.
قصة توثق التهجير وتحمل رسالة الأدب النسوي
وفي هذا الصدد، أوضحت الكاتبة “ميديا بركات”، إحدى المشاركات، عن مشاركتها التي تعد المشاركة الثالثة لها: ” تُعد مشاركتي في مهرجان القصة
القصيرة الذي ينظمه اتحاد الكتّاب الكرد في سوريا، هي الثالثة على التوالي، وقد كانت تجربة غنية ومميزة في كل عام، كما أنني في العام الماضي، نلتُ المرتبة الأولى عن قصتي التي حملت عنوان Roja Yekşemê، وهو ما شكّل حافزاً كبيراً للاستمرار في الكتابة والمشاركة”.
وترى ميديا، إن المهرجان فرصة ثمينة لفتح أبواب الاستماع إلى تجارب الآخرين وكتاباتهم التي تنبض بالألم والواقع، خاصة في ظل السنوات القاسية التي مرت بها مناطقهم خلال الثورة، مشيرة إلى أنّه في كل قصة، يعبّر الكاتب عن مشهد من معاناته أو من واقعٍ عاشه أو رآه بعينيه، وهو ما يضفي على النصوص صدقاً وتأثيراً بالغين.
تنوه ميديا إلى أنّه على الرغم أن عدد المشاركين هذا العام كان أقل مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن المهرجان حافظ على قيمته من حيث التنوع والعمق الأدبي: “ما لفتني بشكل خاص هو الحضور القوي والمميز للنساء، ليس فقط من خلال المشاركة، بل أيضاً من خلال حصولهن على جوائز في الدورات الماضية؛ ما يدل على أن أصوات النساء في مجال الأدب قوية وفاعلة، وقادرة على التعبير والتأثير”، وتضيف: “إن ما أعطى طابعاً غنياً ومتنوعاً مشاركة مختلف الفئات العمرية من الشباب إلى كبار السن”.
وعن قصتها تقول ميديا: “أما عنوان قصتي هذا العام، فقد كان Balgî، وتناولت القصة موضوع التهجير القسري الثاني الذي تعرّض له شعب عفرين، القصة تُروى من خلال عيون امرأة تُجبر على ترك ذكرياتها خلفها، لكنها تحاول أن تتشبث بعائلتها وهي تسير في طريق مجهول، في مشهد مؤلم ومؤثر، تلمح الفتاة طفلة صغيرة تحمل كيساً أبيض ووسادة، فتنهال الأسئلة في ذهنها: لماذا وسادة؟ هل تعود لأخٍ شهيد؟ وتستمر في مراقبتها حتى تفقد أثرها، لكن تبقى الوسادة ملقاة على الأرض، شاهداً على المأساة”.
القصة مستمدة من تجربة حقيقية عاشتها ميديا شخصياً أثناء نزوحهم الثاني، لذا فإنها تحمل في طياتها الكثير من الألم والصدق، وتعبّر عن جرح لا يزال مفتوحاً.
وتختم الكاتبة ميديا بركات حديثها: “أؤمن أن مثل هذه الفعاليات تساهم في حفظ ذاكرتنا الجمعية، وتمنحنا مساحة للتعبير عن الألم والحنين، وعن الحلم أيضاً، وأتمنى أن تستمر هذه المبادرات الثقافية، لأنها تشكل جسراً بين الكاتب والناس، وتحمل في طياتها رسالة مقاومة وتوثيق”.
أثبت مهرجان القصة القصيرة بحديقة القراءة في مدينة قامشلو، أن المرأة ليست فقط جزءاً من المشهد الثقافي، بل هي عنصر أساسي في تشكيله وتطويره، وقد شكّلت مشاركتها دافعاً قوياً للاستمرار في دعم الأدب ا
