مشهدُ الرئيس التركيّ يرفع خريطة للشمال السوريّ على منصة الأمم المتحدة في 24/9/2019، وحديثه عن المنطقة الآمنة وإعادة نحو مليوني لاجئ سوريّ، كان محاولة استدراج تمويلٍ للمشروع عبر الابتزاز والتهديد المبطن، كما كان مقدمةَ العدوان على شمال سوريا وتهجير الأهالي، ما يعني بالمطلقِ أنّ العدوانَ والاحتلالَ والتغييرَ الديمغرافيّ مضمونُ خطةٍ واحدةٍ، عنوانها المنطقة الآمنة، وإذ فشلتِ الخطةِ، كان الفصلُ المكملُ بعنوانِ “العودةِ الطوعيّة لمليون لاجئ سوريّ”.
خطة إعادة السوريين
أعلن أردوغان عن مشروع يهدفُ إلى تشجيع عودة اللاجئين السوريين التي تحولت إلى قضية ساخنة وأضحت مادة دسمة قبل إجراء الانتخابات العام المقبل، غير أنَّ مصيرَ هذا المشروع هو الفشل حتماً.
قبل نحو ثلاث سنوات عرض أردوغان على الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة لنقلِ ٢ مليون لاجئ سوري إلى مستوطناتٍ جديدةٍ في الشمال السوريّ، إلا أنّه فشل في حشدِ الدعمِ الدوليّ لأنَّ خطته تتطلبُ إقامةَ منطقةٍ آمنةٍ وتحتاجُ لتمويلٍ بملياراتِ الدولاراتِ.
في الثالث من أيار الجاري، تحدث أردوغان عبر تقنية الفيديو عن افتتاح مستوطناتٍ في الشمال السوريّ مخصصة للاجئين الموجودين في تركيا، مشيراً إلى أنّ نحو ٥٠٠ ألف سوريّ قد عادوا بالفعل إلى المناطق الآمنة التي تخضع لسيطرة تركيا قائلاً: «إنّنا اليوم نقومُ بمشروعٍ من شأنه أن يشجّعَ العودةَ الطوعيّة لمليون لاجئ سوريّ، وسيتم تنفيذه بالتعاون مع المجالس المحليّة ــ الموالية للمعارضة ــ في 13 منطقة بحيث لا يقتصر على منطقةٍ بحدّ ذاتها. سيلبّي المشروعُ جميعَ احتياجات الحياة اليوميّة من المسكن والمدارس والمستشفيات، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتيّة الاقتصاديّة للوصول إلى الاكتفاء الذاتيّ والتي تتضمن كلّاً من الزراعة والصناعة، لقد تمَّ تشييد أكثر من ٥٧ ألف منزلاً من أصل ٧٧ ألف، مخطط أن تبنى ضمن هذا المشروع حيث استقرت فيها نحو ٥٠ ألف أسرة وتسعى أنقرة لزيادة هذا الرقم إلى ١٠٠ ألف منزل”.
سِجال سياسيّ حول اللاجئين
وفي تصريح له في شهر آذار أعرب أردوغان أنَّ حكومته لن تعيدَ اللاجئين، منطلقاً من مفهوم إسلاميّ لا يميز بين الأعراق ويأتي ذلك بعد تقديم المعارضة ضمانات بدفع اللاجئين للعودة إلى سوريا والتي زادت حدّتها مع اقترابِ موعدِ الانتخاباتِ وتصاعدِ الاحتقانِ الشعبيّ نتيجة للمشاكلِ الاقتصاديّةِ المتفاقمة.
وفي سياق متصل، تعهد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليشدار أوغلو بأنّه بمجرد توليه السلطة سيغيّر سياسة أنقرة تجاه سوريا بشكلٍ جذريّ، وسيسعى للتوصل إلى اتفاقٍ مع دمشق لعودة جميع السوريين في غضون عامين. كما وعدت حليفته زعيمة حزب الخير ميرال أكشينار بالعملِ على عودة المياه إلى مجاريها مع دمشق وإعادة اللاجئين. علاوةً على ذلك، شدّد كلٌّ من حزبي الديمقراطيّة والتقدم والسعادة على ضرورة التركيز على صنع السلام في سوريا حتى يتمكن اللاجئون من العودة، أما حزب النصر فقد جعل قضية اللاجئين برنامجه الانتخابيّ الوحيد، حيث شارك زعيمه إعلاناً يصوّر حافلة مكتوبٌ بجانبها الدول التي سيتم ترحيل لاجئيها، وذلك في حال فوزه بانتخاباتِ عام 2023.
مضمون خطة أردوغان
ووفقاً لمصادر إعلامية موالية للحكومةِ فإنَّ خطة أردوغان تتكون من ثمانية بنودٍ، وهي على الشكلِ الآتي:
– ستبدأ إعادةُ اللاجئين من المناطقِ ذاتِ الكثافةِ السكانيّة المرتفعة مثل إسطنبول وأنقرة وقونية وأضنة وغازي عينتاب.
– ستكونُ وجهةُ اللاجئين نحو المناطق الآمنة وستساعد المجالس المحلية في ١٣ منطقة مثل إعزاز وجرابلس والباب وكري سبي (تل أبيض) وسري كانيه في تنفيذ هذه الخطة.
– سيتم تشييد مزيد من المستوطنات في عدة مناطق بدعم من الجمعيات الخيرية بالتنسيق مع وكالة إدارة الطوارئ في تركيا.
– إقامة مدن صناعيّة وتجاريّة صغيرة بإمكانها توفير فرص العمل.
– تعزيز البنية التحتيّة خاصة المدارس والمستشفيات والمساجد.
– تنظيم دورات وورش عمل مهنيّة.
– التركيز على الأنشطة التأهيليّة والتعليميّة.
– سيكون تمويل هذه الخطة من المنظمات المحليّة والدوليّة.
ووفقاً لرئيس لجنة الهجرة بالبرلمان أتاي أوسلو فقد بدأت أنقرة بسياسة “تخفيف” أعداد اللاجئين والتي بموجبها لا يتم قبول المزيد من السوريين في 16 من أصل 81 ولاية تركية، بالإضافة إلى 800 حي في 52 ولاية أخرى، ويتم ترحيل اللاجئين المخالفين حيث قال: «إننا اليوم نحشدُ الدعم والتمويل الدوليّ من أجل عودة اللاجئين الطوعيّة. حالياً يتم العمل على تشييد مجمعات سكنيّة جديدة، وفي حال الانتهاء منها سيتم إعادة اللاجئين السوريين، وإذا رفضوا العودة فإنّهم سيفقدون حقَّ اللجوءِ المؤقّت». حتى منتصف نيسان الماضي، رحّلت تركيا أكثر من 19 ألف سوريّ لأسباب تتعلق بالقانون والنظام منذ عام 2016.
في عام 2019، طرح أردوغان مشروعاً لإقامة عشر بلدات و140 قرية على طول الشريط الحدودي مع سوريا شرق نهر الفرات يمتد إلى عمق 32 كيلومترًا (ما يعادل 20 ميلاً)، وذلك بغية إعادة توطين مليون لاجئ. في المرحلة الثانية، سيتم إعادة توطين مليون لاجئ كدفعة أخرى في المنطقة الممتدة من جنوبي الطريق السريع M-4 إلى دير الزور، والهدفُ من هذا المشروع هو توسيع السيطرة العسكريّة التركيّة على طول الحدود في محاولةٍ لتخفيف عبء اللاجئين عن كاهلها، والأهم من ذلك هو تغيير ديمغرافية المنطقة خاصةً في المناطق ذات الغالبية الكرديّة.
الإدارة الذاتيّة هي المستهدفة
أدركت أنقرة أنَّ المقاربة الواقعيّة لقضية اللاجئين تتطلبُ إنهاء سياسات المواجهة وصنع السلام مع دمشق. وعلى الرغم من ذلك لم تفضِ الاتصالات بين الطرفين لأيّةِ نتائج ملموسة واقتصرت على لقاءات خجولة بين مخابرات البلدين. تسعى أنقرة لإقامة علاقة جديدة مع النظام السوريّ وذلك بغية وأد الإدارة الذاتيّة الكردية في الشمال، في المقابل يطالب النظام بضرورةِ انسحاب تركيا من الأراضي السوريّة وإنهاء دعمها للمعارضة. وصفوة القولِ إنَّ أردوغان غير مستعدٍ لتغييرِ سياسته بشكلٍ جذريّ كما أنَّ النظام السوريّ لن يُقدم على أمر من شأنه دعم حظوظ أردوغان سياسيّاً قبل موعد الانتخابات.
وفقاً لاستطلاع أُجري برعاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سيرفضُ كثير من اللاجئين السوريين العودة حتى وإن هُيأت ظروف العيش الكريم لهم، فقد ارتفع معدلُ السوريين الذين يقولون إنهم لا يخططون للعودة إلى 77.8٪ في عام 2020 من 16.7٪ في عام 2017.
على ما يبدو أنّ خطةَ أردوغان غير مثاليةٍ في الوقتِ الراهنِ، خاصةً أنّ الجهودَ المبذولة لم تحققِ النتائجَ المرجوةَ منها وسط استمرارِ الصراعِ السوريّ، ولم يتضح بعد مستقبلُ المناطق التي تقع تحت سيطرة تركيا أو تلك التي تقع تحت سيطرة الجماعاتِ الإرهابيّة في إدلب، ووفقاً لأرقام وزارة الداخليّة التركيّة فقد عاد 492983 سوريّاً إلى ديارهم بدءاً من الرابع من نيسان، ورغم ذلك قد لا يكون هذا الرقم دقيقاً لأنّ هناك من يقول إنّ العدد أقل من نصف مليون لاجئ.