رجائي فايد
يشهد التاريخ، أن الشعب القبطي قد حافظ على الوطنية المصرية، منذ دخلت المسيحية إلى مصر، ويشهد التاريخ أيام الاحتلال الروماني، وما ترتب عليه، ما يُسمى بعصر الشهداء، حيث حاول الرومان تحويل مصر من المذهب الأرثوذكسي إلى المعتقد الروماني، ورفض المصريون ذلك، ما دعا البطرك بنيامين الهروب بعقيدته إلى الصحراء، ومن هنا بدأت الرهبنة المسيحية، التي تفخر مصر، بأنها كانت إضافة لها للمعتقد المسيحي، وفي ثورة 1919 حاول المستعمر البريطاني أن يفرق بين المصريين على أساس معتقده فرق تسد)، ولكن المصريين منعوه من ذلك، فخلال الثورة خطب القس جرجسيوس في الجامع الأزهر، وخطب الشيوخ في الكنائس، كما كان أحد الأقباط (ويصا واصف)رئيساً لمجلس النواب في عهد الملك فؤاد، وعندما أصدر الملك قراراً ملكياً بحل هذا المجلس، ذهب رئيس المجلس مع النواب، وحطم بنفسه سلاسل أبواب المجلس، واجتمع المجلس، رغم الأمر الملكي، لذلك يطلق على (واصف) لقب محطم السلاسل، وواقعة أخرى حيث تعرض رئيس الحكومة (مصطفي النحاس) إلى محاولة اغتيال، لكن المحاولة فشلت، لأن قبطي آخر(سنيوت حنا) تلقى الطعنة ليموت متأثراً بجراحه، ويفتدى زعيم الوفد ومصر (مصطفي النحاس)، لكن لا يعدم المستعمر أن يجد مصرياً متعاوناً معه ضد أبناء وطنه، وهذا ما سنعرضه الآن.
ولد يعقوب حنا عام 1745 م لأسرة قبطية متوسطة، عمل مساعداً لبعض أبناء طائفته العاملين بجباية الأموال والحسابات حتى تعلم حرفتهم، عمل بعد ذلك مع المماليك في جبايته للضرائب ومشاركاً في القتال معهم ،لكن بعد أن وصلت قوات العثمانيين لتثبيت الحكم العثماني في مصر انحاز إليها، وقاتل معهم ضد المماليك !!، لكل ذلك تكونت لدى يعقوب ثروة كبيرة من عمله في الجباية، وتبعيته لكل أجنبي يرى فيه مصلحته، في الوقت كانت الكنيسة غير راضية عنه لتصرفاته، التي كانت تخالف تعاليم الكنيسة، سواءً تصرفاته الشخصية، أو حتى مع إخوانه من أبناء ملته، عندما أتت الحملة الفرنسية إلى مصر، وجدها (يعقوب) الحصان الجديد ،الذى لابدّ أن يمتطيه ليستمر في تحقيق مصالحه، وكان الفرنسيون يريدون تثبيت حكمهم، وواجهوا صعاباً في ذلك، فاستعان نابليون ببعض الخونة، الذين كانوا مشهورين في ذلك الوقت كجباة للأموال والصيارفة، فعين نابليون المعلم (يعقوب) (خائناً تحت الطلب) ليكون مسؤولاً عن تنظيم الموارد المالية للحكومة، وتم تكليفه بجمع الضرائب من أهالي الصعيد، وكان يستخدم أبشع وأعنف الوسائل في الجباية، سواءً مع أهل الصعيد المسلمين، أو المسيحيين، بعد ذلك استعان الجنرال (ديسيه) المكلف بإخضاع الصعيد بالمعلم (يعقوب)، حيث قاد فصيلة من الجيش الفرنسي والمرتزقة ،واستطاع أن يحقق الانتصار ،ما دفع الجنرال (ديزيه) إلى أن يقدم له تذكاراً عبارة عن سيفٍ منقوش على مقبضه (معركة عين القوصية)، وفي داره بالقاهرة، التي تحولت إلى قلعة حربية تواجه ثورة القاهرة الأولى، ثم الثانية، وهنا تم منحه رتبة جنرال، ولأن الدنيا لا تدوم لأحد، فمع انتهاء الحملة الفرنسية وجد (يعقوب) نفسه مذموماّ من أهل مصر، ولا يمكن بقاؤه فيها ،إذ لا يمكن أن يقبلوا خائناً مثل (يعقوب) على أرض مصر، لذلك عزم على السفر إلى فرنسا، وركب السفينة ليخرج من القاهرة ملعوناً من المصريين كلهم، وعلى ظهر السفينة لحقته لعنات المصريين، فأصيب بالحمى، فمات.
وحفظوا جثته في برميل خمر، لحفظه حتى يدفن في فرنسا حسب وصيته، إلا أن نتانة جثته وبداية تحللها، أجبرهم على إلقاء جثته في البحر، وكان ذلك جزاءً وفاقاً لمن يخون وطنه.