هل يستوعب ويفهم “الأعدقاء” دروس التاريخ؟                                                                                      

رجائي فايد_

نحن ندرس التاريخ لا للتسلية، وتمضية الوقت في سهر الليالي الباردة، ولكن للاستفادة من تجارب الآخرين، الذين سبقونا لنتعظ، ولنبحث في أخطائهم، حتى لا نقع في مثلها، ونبني على إيجابياتهم. فنحن بشر، ولسنا كالسمك الذي بلا ذاكرة، فالسمكة ترى الأخريات تلتقط طعم الصياد، ولا تتعظ بل وتلتقط طعم الصياد من جديد!. وما أكثر حكايات التاريخ، التي لو استوعبناها، ونجونا من شبيهاتها الحالية ومن منزلقاتها، لكنا في أحسن حال من وضعنا البائس، حكايات التاريخ كثيرة، وأختار بعضها فيما يلي:

1-حصان طروادة: عجز الإغريق عن اقتحام طروادة، فقاموا بصنع حصان خشبي ضخم، ثم شحنوه بالمحاربين من الداخل، وتركوه أمام أبواب طروادة كهدية من الآلهة، وتظاهروا بالرحيل، فرح أهل طروادة برحيلهم، أما عن الحصان الخشبي، فانقسموا فيما بينهم لرأيين، فمنهم من قال نحرقه خارج أسوار المدينة، ومنهم من قال ندخله كغنيمة، وبعد جدل طويل أدخلوه إلى المدينة، ثم خلدوا إلى النوم، وعندها خرج المحاربون الإغريق من جوف الحصان، وانقضّوا على أهلها تقتيلاً (كان الخلاف في حكايتنا مجرد جدال ولم يتطور إلى اقتتال بين “الأعدقاء”).

2-احتلال بخارى: وهذه أيضا كان مجرد خلاف محتدم في الرأي، ولم يكن هناك قتال بين المتخالفين في الرأي، كما حدث ويحدث مع “الأعدقاء”.

حاصر جنكيزخان مدينة بخارى طويلاً ووعد بالأمان لمن يفتح له الأبواب، ويجنب المدينة شر القتال، واختلف أهل بخارى، فقسم منهم قالوا (نقاتل التتار، وندافع عن مدينتا فالتتار لا أمان ولا عهود لهم)، أما القسم الآخر، فقالوا (نأخذ بالأمان ونفتح الأبواب للتتار لتجنُّب القتل)، وهكذا انقسم أهل البلد إلى فريقين: فريقٌ من المجاهدين قرَّر القتال، وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة في المدينة، وانضمَّ إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها، وفريقٌ آخر من المستسلمين، وهو الفريق الأعظم والأكبر، وهؤلاء قرَّرُوا فتح أبواب المدينة، والاعتماد على أمان التتار، وبعد أن تم لجنكيزخان احتلال بخارى، قام بالإجهاز على الجميع.

3-سقوط الأندلس: في جو من العنف والمؤامرات والتطاحن بين (أعدقاء) الأندلس، والذي أدى إلى نهاية الأندلس، فآخر أمرائها (أبو عبد الله الصغير) شاهد وهو طفل في الخامسة من عمره مذبحة بني سِرّاج على يد والد (أبو عبد الله الصغير)، ففي مؤامرة نفذها أمر بقتلهم جميعاً داخل قاعة في قصر الحمراء، والتي تسمى الآن باسم هذه المذبحة، ولم يبقَ في الأندلس بعد هزيمة المسلمين في موقعة العقاب من المدن الإسلامية سوى ولايتي غرناطة وإشبيلية، وكان حاكم غرناطة قد عقد معاهدة مع ملك قشتالة (تحالف الحمل مع الذئب)، وكان من نصوص المعاهدة أن يحارب مع ملك قشتالة أيًّا كانت الدولة التي سيحاربها، ووصل الأمر إلى مساعدة ملك قشتالة في حصار إشبيلية، لتسقط هذه المدينة الإسلامية سنة 646هـ/ 1248 وبعد أن سقطت إشبيلية نقض الفرنجة الهدنة مع غرناطة، والتي كانت تعيش عزلة وحصاراً وتهديداً أمنياً كبيراً وانعداماً للاستقرار بسبب الصراع بين الأسر على كرسي الإمارة، في هذه الظروف، وفى ظل هذا الوضع كان لابد أن تسقط غرناطة، وبكى الأمير وهو يشهد سقوط غرناطة.

ترى هل فهم (الأعدقاء) دلالة تلك الحكايات، أم أخذوها للتسلية في ليل شتاء كردستان البارد؟!

(الأعدقاء دمج لكلمتين هما الأعداء والأصدقاء)