هل هي من رابع المستحيلات؟!

رجائي فايد_

قرأنا كثيراً بأن المستحيلات، هي ثلاث: (العنقاء “طائر فينيقي”، والغول، والخِلُّ الوفي)، وهي بالطبع مستحيلات، فالعنقاء أو الطائر الفينيقي الذي يعيش محترقاً في منبت الشمس، ومن رماد احتراقه تنبت أفراخه من جديد، وأما الغول: فهو حيوان وحشي ليس له وجود، وكنا نخيف به الأطفال، لكن مسألة الخل الوفي والذي هو جزء من القول المأثور، فإنه بحاجة إلى مراجعة فرغم توحش زماننا لن نعدم وجود ذلك الخلُّ الوفي، وواقع المعاش حالياً يثبت ذلك.

لقد وردت في زاويتنا السابقة هذه الجملة، التي تؤكد بالرغم من توحش زماننا، وبالتأكيد على وجود مثل هذا الخل الوفي (الوفاء الذي أعرفه عن الإنسان الكردي)، وتأكدتْ لي تلك الصفات، والتي يتسم بها عموم الكرد مهما كان بينهم من تباينات، وهنا أصل إلى ما أبتغيه بتلك الكلمات، وبالذات هذه الجملة، “رغم ما بينهم من تباينات”، و(أرجو أن تسمح لي الأيام الباقية في عمري أن تزول)، وهل في الإمكان خلال الأيام الباقية من عمري أن تزول؟!.

دائماً تتحدثون في أديباتكم عن عدد الكرد ونسبتهم إلى دول المنطقة، وكيف لا يكون للكرد دولة ضمن هذه الدول؟، فأعداد مواطنيكم تفوق أعداد دولة كفرنسا التي هي عضو دائم في مجلس الأمن، وصوتها مؤثر دولياً، إذ تستطيع بحق الفيتو أن تجهض قراراً للمجلس. تتحدثون عن الخيرات الاقتصادية التي -حباها الله- لكافة المناطق من زراعة ومعادن ونفط وغاز ومقومات سياحية، أما عن المقاتل الكردي، فحدّثْ ولا حرج، وبالرغم من كل ذلك، فلم تتمكنوا من قيام بتلك الدولة الكردية، ودائماً تُرجِعون السبب إلى المؤامرات الدولية، ووفق رؤيتي المتواضعة (وربما أكون على خطأ)، أن العالم جميعه يتآمر على بعضه، لكن لكل تآمر لابد أن تكون له حاضنة داخلية، حتى ينجح في تآمره، فما أسهل التآمر على الكرد، لأن من السهولة بمكان أن تجد كردياً يسعده أن يكون حاضنة داخلية للتآمر على بني جلدته (واعذروني لصراحتي، فصديقك من صدْقك “بسكون الدال” لا من صدقّك “بتشديد الدال”.

كلنا تعلمنا من سلفنا بأن: (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)، لكن انقلبت هذه الحكمة لتصبح: (أنا والغريب على ابن عمي، وأنا وابن عمي على أخي)، ولأني أتحدث حالياً عن وضع الكرد وليس عن غيرهم، لأننا لو نظرنا حولنا، لوجدنا تلك الحالة تكاد تنطبق على الجميع. فإنني أتمنى على الإخوة الكرد الذين يأملون في شكل كيان يتفقون عليه، أيّاً كان الشكل القانوني لهذا الكيان، أن يكون الإقلاع عن الشتائم والاتهامات بالعمالة لأطراف أجنبية، والمثل المصري يقول: (لا تعايرني ولا أعيرك، فالهم طايلني وطايلك)، وأتمنى أيضاً الإقلاع عن البكائيات، لأن العالم لا يعترف إلا بالقوى التي تؤثر في الأحداث، ووظفوا طاقتكم في البحث عن طريقة للمّ الشمل فيما بينكم، بدلاً من البكائيات التي لا طائل من ورائها، وربما يكون الطائل هو إلقاء اللائمة على الغير بمؤامراته، ليصبح الكرد حينئذ ضحايا قوة لا غالب لها، ومن الأفضل التحالف معها، (وكيف لضعيف أن يتصوّر أن العلاقة مع الأقوى لن تكون سوى علاقة تابع بمتبوع).

أتمنى أن أجد مجموعة كردية لا تتبع لأي جهة، وتكون تبعيتها للحلم الكردي، وتبدأ خطوات لجمع الشمل، ولو وجدت هذه المجموعة، فأنا أتشرف بالانتماء إليها (من الخارج)، وبالمشورة فقط، وحسب ما تسمح به صحتي، ومن أهم شروط الانتماء إلى تلك المجموعة، أن يكون عملها طوعياً، وبلا أي تمويل من أي جهة حتى لا تُحسب عليها.

لكن لو سار كل كردي في طريقه بعيداً عن إخوته، فإنني أعتقد أنه سيأتي زمان، يتحوّل فيه المثل من رابع المستحيلات إلى خامسها، على أساس أن المستحيلات الثلاث حينئذ قد صارت أربعة، وهي: (العنقاء، والغول، والخلُّ الوفي، وتوافق الكرد).