No Result
View All Result
المشاهدات 12
رجائي فايد_
كلنا قرأنا ما جاء في القرآن الكريم عن نبي الله يوسف، عندما احتار حاكم مصرفي تفسير رؤياه، إلى أن جاء له يوسف، ففسر له رؤيته، التي فسرها له بأن سبع سنوات من الخير، تأتي على مصر، تعقبها سبع سنوات عجاف، وكي ينقذ مصر، والعالم من ذلك، فقد طلب يوسف من الملك، كي ينظم الزرع والتخزين (اجعلني على خزائن الأرض، فأنا أستطيع تخزينها وعليم بكيفية تدبيرها) فأصدر الملك قراراّ بتعيين يوسف عزيزاً لمصر (رئيس وزراء)، وبحكمة يوسف، وبتدبيره تمكن في سنوات القحط من أن ينقذ العالم من الجوع.
كانت مصر حينئذٍ سلة غذاء العالم، يأتي إليها الناس من كل مكان، ليحصلوا على طعامهم في ظل الآية القرآنية (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، كانت تلك أيام خلت، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه، حيث نستورد معظم قمحنا من العالم، وبالذات روسيا، وأوكرانيا (حيث قمحهما هو الأرخص)، حيث تدور حالياً فيما بينهما حرب طاحنة، تجعل استيراد احتياجاتنا من القمح محل تساؤل.
أذكر حتى قبيل سبعينات القرن الماضي، كان لموسم حصاد القمح في مصر بهجة، ويقام له احتفالات (عيد الحصاد) وتُدبك له أغانٍ احتفالية، فأنشد محمد عبد الوهاب (القمح الليلة.. الليلة.. يا رب تبارك وتعيده وتزيده)، وكنت أذكر عملية درس عيدان القمح الذهبية بالأدوات البدائية، التي بقيت معنا من عهد الفراعنة، وعصر يوسف الصديق، كنت أجلس على (النورج) الذى تجره بقرتان، ويتحرك على أسطوانات حديدية مدببة، تفرم عيدان القمح، وتفصله عن حبوبه، ثم تأتي عملية التذرية لفصل الحبوب، وأذكر أن أبى رحمه الله كان يحسب المحصول بدقة، ويحسب المستحق عنه بزكاة الزرع (وأعطوا حقه يوم حصاده)، وأذكر أنني كنت أسعد بالوقوف خلف باب دارنا لتوزيع المستحق من زكاة القمح على المحتاجين، وكان الخبز الذى ينتج عن القمح يمر بعمليات ضرورية، تبدأ بغسيل القمح بالماء، ثم تجفيفه وتنقيته من الشوائب ثم طحنه، الآن يأتون بالسفن من روسيا وأوكرانيا، وينقلونها مباشرة إلى الطاحونة بكل ما بالقمح من شوائب، وليت ذلك الحال يدوم في ظل ما نراه من أحداث!
في سبعينات القرن الماضي عندما بدأت بوادر الانفتاح على الغرب الاستهلاكي، أطلق الرئيس الراحل السادات مقولة “إن مصر تقع تحت حزام القمح العالمي”، وبالتالي لا يجب أن ننفق وقتنا في زراعة القمح، لأن مصر قدرها هكذا! وعلينا الاعتماد على استيراد القمح، وعلى رأى المثل الشعبي (شراء العبد أفضل من تربيته)، لكن لم يدر في خلد السادات، أن القمح من الممكن أن يكون وسيلة ضغط تؤثر في القرار الوطني، وفي ظل هوجة وبهجة الاحتفالات بالتحول إلى المعسكر الأمريكي، والتغني بالخير العميم الذي سيأتينا من (ماما أمريكا)! بدأت التحولات الاجتماعية في مصر (كنتاكي وويمبي والوجبات السريعة ..الخ)، وبعد أن كانت القرى تأكل الخبز من زرعها، أصبحت تأكل الخبز من المدينة، ولم يقل لهم الآباء، والأجداد هذا الخبز بشوائبه لم يكن أبدا خبزنا، كان خبزنا نقيا طاهراّ، أما الآن فلا أحد يعلم ماذا جرى له، وهل ذكر أحد السادات، ماذا حدث لمصر، حتى تنتقل من فوق حزام القمح إلى تحته !؟
الحرب الروسية الأوكرانية من الواضح أنها ستستمر، وبالتالي فإن وارداتنا من هذا القمح الرخيص موضع شك، ويجب البحث عن بدائل لوارداتنا من القمح مهما كان الثمن، وعلى رأى المثل الشعبي (المشرحة مش ناقصة قتلى).
No Result
View All Result