No Result
View All Result
المشاهدات 5
آراس بيراني_
الشاعرة السوريّة المغتربة “مـاري الـظـواهـرة” في كتابها الشعريّ “شـيءٌ مـنّي” الصادر حديثاً عن دار الأيقونة للطباعة والترجمة والنشر، كأول عمل مطبوع لها، رغم ممارستها الكتابة، وفي أكثر من حقل أدبي كالشعر والقصة والمقال الأدبي، منذ زمن ليس بالقريب، بالإضافة لممارستها الفن التشكيلي فهي مولعة برسم الطبيعة بحساسية وحميمية، لذلك تقارب موضوعاتها الشعرية بالرسم، فتمارس الرسم بالكلمات، وتكتب الشعر بالألوان عبر لوحات مترعة باللون والضوء.
كتاباتها تمتلك لغة عالية، دافئة، تكتب مشاعرها وأشياءها، إذ تعبّر بلغة نقيّة شفّافة، تمتلك تيه السراب في أفقِ ظهيرةِ، تفترش الأمكنة الموغلة في ذاكرتها، ترتمي بغنجٍ في ظلالٍ مترعة بالحبّ، تقدّس الطبيعة، ترسمها بالكلمات قصائد لجغرافيّة تمتدّ من بلدها سورية إلى ملبورن، مسكونة بتفاصيل صغيرة، تركب الشعر بذات المنهجيّة في ركوبها للرسم، حيث عناصر الطبيعة، بشجيراتها، ونباتاتها، وعصافيرها، وأزقّة المدينة بكلّ تلك الحميميّة، هكذا تعلن حالتها الشعريّة فتقود أعيننا نحو بريق نجمة ذات خريف، وتبعث دفء الحياة في أمسية باردة، وفي جهة أخرى توقد حطب الحنين بشغف، فتتنفّس مجدّداً في رئة الشعر عبر كيميائيّة تفاعليّة لها، رائحة النارنج، والياسمين الغافي على كتف جدار عتيق، تحمل حقائبها كمسافرة في التيه، وحبرها يمارس أدواراً سريّة للحبّ ، فيتحوّل إلى خط دم يطوق خريطة وطن أرهقته سنوات الحرب.
“شيء مني” مجموعة رسائل أو نصوص تحمل عشقها لبلدها، ولأسرتها ولذكريات تحملها كـتميمة معلقة بعنقها، فلا تستطيع منها فكاكاً، يسكنها إحساس دافق وبإخلاص، تنشد أماكن، وأحداث وشخصيات تركت، وحفرت في وجدانها حفراً عميقة، فتعبر عن كل ذلك بحميمية ،نكاد نلمس معها حجارة بيتها، ونخطو معها في دروب قريتها، ومن بيروت إلى الشام، ونشعر بعمق شوقها وصدق حنينها وأوجاع غربتها، وتكتب لنا من ملبورن أستراليا كلمات مضمخة بعطر الزيزفون، وأريج الياسمين، مترعة بالألم والفقد والوجع، تضخ مشاعرها عبر القصيدة ترسم رؤيتها للحياة، وتمنحنا تجربتها عبر حكم ورؤى من خبرة حياتية وتجارب عاشتها منذ طفولة، طغت في أكثر من قصيدة الى تلك المرأة الناضجة التي تروي سيرة ذاتية أرادت لنا أن نعرف” أشياء منها.
الكاتبة ماري الظواهرة اعتمدت لغة النثر وسيلة وأداة لإيصال مشاعرها، ومكنوناتها إلى القارئ وإلى المتلقي، فهي تمتلك لغة نقية بسيطة قريبة للغة اليومية، تعترف لنا بقلقها ومخاوفها وتبوح بمشاعرها برقة وهدوء، وتشكل الطبيعة والمكان والعائلة والوطن خطوطاً عريضة وواضحة في مسيرتها الفنية اذ تشكل أقانيم متعددة ضمن أقنوم واحد هو الوفاء لعشق مكان عاشت في مفرداته، وأكلت من حنطته واستظلت بظلال كرومه، وأشجاره وتعلمت الحرف واللون في كنفه.
“شيءٌ مني” رسالة وفاء وسيرة لتجربة حياة اختصرتها الشاعرة والفنانة التشكيلية ماري الظواهرة في نصوص أنيقة ضمتها بين دفتي كتاب حملت لنا منه أشياء حميمية، وحقيقية عبر إبداع أعتمد التوازن بين المعنى الذي تذهب في اتجاهه والمبنى الأدبي الذي ارادته بنياناً لشكل نصوصها البهية.
ختاماً: تقول ماري الظواهرة في استهلال كتابها الشعري: “الحياة بديمومتها، واستمرارها تضعنا كثيراً إزاء مآزق كثيرة نجتازها، أو تقوم بجرفنا كفيضان عظيم ولكنها الحياة، ونحن أبناء هذي الحياة، نزهر رياحين وزنابق ننثر العطر في جنبات الأرض المترامية وفي فضائها الرحب، بين مد بحر الحياة وجزرها نمارس شغبنا، فنرسم ونغني ونكتب..”.
No Result
View All Result