No Result
View All Result
المشاهدات 1
آراس بيراني_
تاريخ من المجابهة والصراع، رواية “حفيدة عشتار” نموذجا، الجزء الأخير.
ـ …روناك مراد سلطت الضوء على نمط تفكير القرويين، وأسلوب معيشتهم، وصراعهم مع الطبيعة من أجل الاستمرار في حياتهم القاسية، فأخذت صفحات روايتها مساحات كبيرة، وصفت بها طبيعة جبال كردستان وسهولها، وأنهارها، وطقسها الشتوي القاسي، حيث الثلج يشارك الرعاة حياتهم، وهم يخرجون بقطعانهم في ساعات الفجر، وينتشرون في جرود تلك الجبال الوعرة، ونجد القرويين وتدابيرهم، وارتيادهم أسواق المدن القريبة؛ لتأمين احتياجاتهم قبل أن يباغتهم الثلج، فيفصل بين القرى، والمدن القريبة، وتضيع المسالك، والطرق وتضاريسها، وطبيعة القرويين الكرد، واقتصادهم البسيط، الذي يعتمد على ما تدره مواشيهم ومزارعهم من خيرات، في ظل علاقات تقليدية تعاني الهشاشة، والطيبة، والشهامة، والكرم، والشك، والميل نحو العمالة أيضاً. تركيبة نفسية استطاعت روناك مراد الغوص في تفاصيلها، وتحليلها بلغة بسيطة، مفاصل الرواية، يسيطر عليها ثنائي الثلج والكريلا، التي تصطدم بسطوة الثلج، وظروف تخفيهم ومقاومتهم لحملات التمشيط، التي تقوم بها الجندرمة التركية المدعومة بطائرات، وعتاد بالاعتماد على عملاء محليين، وكلاب مدربة قادرة على اكتشاف مخابئ، وخنادق الرفاق، لكن رغم تلك القوة العسكرية المدعومة بالقروجيين، فإنهم يفوقون العدو قوة بسلاحهم الفردي، وبقوة الإرادة والصمود في ظروف طقس ثلجية باردة جداً، فتنشأ لديهم، وبحكم المعايشة للبيئة قدرة تنبؤ بأحوال الطقس، وسرعة الريح، واتجاهاتها، وسبل التلاؤم مع البيئة، ومدى استفادتهم من تضاريس الأرض في الاختفاء وتنفيذ الهجمات، فنتعرف على طرق معايشتهم للثلج، وطرقهم في مسح آثار خطواتهم عبر ربط أغصان من الشجر خلفهم، لتمسح أي أثر والتي سرعان ما تمحوها الريح، أو هطول ثلجي جديد.
البرد، والصقيع، والجوع، والقلق، والخوف، والترقب، والانتظار، والإرادة، مفردات تتكرر، ومعان تثبت معانيها في السرد، الذي يتقارب مع أسلوب كتابة اليوميات في فضاء أبيض من الثلج، الذي تتكشف أراضٍ وسهولاً من الجمال، بعد ذوبان الثلوج لتتجدد الحياة، ولتبدأ مرحلة ليست أسهل من رحلة الشتاء، فلكل فصل ظروفه الخاصة في المعارك.
كانت الرواية أكثر قربًا في واقعهم من الطبيعة، وأشد التصاقًا بها، فقد حكمت عليهم ظروف حياتهم، بالتنقل المستمر في أرجائها المطلقة، واتخاذها في ذاتها مسكنًا وملجأً لهم صيفًا وشتاء، ليلًا ونهارًا، وقد بدت صورة الطبيعة على الرغم من وحشتها، وصقيعها وافتقارها لمظاهر الحياة المستقرة، ذات امتيازات جمالية خاصة مكنت أهلها من التآلف معها، والتمازج الحيوي، الذي جعلها تنعكس في ملامحهم وطباعهم، ولغتهم التي اكتسبت خصوصية ملحوظة في معظم الألفاظ في آفاق السرد الروائي المتلاحقة، تستعيد صفحات الرواية من التاريخ السياسي، والاجتماعي، ومن التحولات الجذرية لفصائل من الثوار، التي تعمل بروح الجماعة كما توضح لنا المصائر الفردية بطريقة بارعة، ونتعرف خلال هذا المشهد على بطلة ثورية، وسط بيئة قاسية ونتعرف على ماضي الشخصية باستحضار الماضي بواسطة تقنية الفلاش باك؛ لتروي لنا سيرة حياتها في كنف عائلتها.
حفيدة عشتار هي ملحمة بطولية، ليس في صد العدوان، وإلحاق الهزائم العسكرية، أو السياسية بالعدو، وإنما هي ملحمة انبعاث لقدرة المرأة الكردية في مجابهة الفكر الذكوري، والرجعية الكردية، وقهر الطبيعة القاسية أيضاً، وأيضاً.
No Result
View All Result