الثّلجُ في الروايةِ الكرديّةِ ـ1ـ

آراس بيراني_

تاريخ من المجابهة والصراع، رواية “حفيدة عشتار” للكاتبة روناك مراد نموذجاً.

 الطبيعة تتجلى بوضوح وشفافية في اي رواية، ومهما تباعدت، أو تقاربت مواضيعها، فالمكان والزمن يحددان طبيعة الرواية، ونواحي السرد، وتشكيل شخصياتها.

وفي الرواية الكردية تكاد تكون الطبيعة، والكاتب توأمين، انبثقا من رحم جبالها، وقراها، وسهولها، فقد منحت الرواية الطبيعة أبعاداً امتلكت تفاصيلها الدقيقة، فالرواية الكردية، كانت على التصاق تام مع الطبيعة.

فمن رواية “الراعي الكردي” للروائي عرب شمو نجد الجبال، والسهول، والمراعي، وطبيعة الرعي في الشتاء القارص أثناء الهطولات الثلجية، التي تستمر أياماً، بل أسابيع متواصلة إلى رواية “جبل آكري” للروائي يشار كمال كأيقونة روائية للطبيعة، فيمنحها لغة باذخة مرتبطة بتفاصيل حياة صعبة، خطيرة، كما فعلها أورهان باموق، الذي اقترب بدوره من البيئة الكردية عبر روايته “الثلج” منطلقاً من عتبة العنوان، إلى متن النص، والمحتوى السردي، ولا ننسى هنا روايات يلماز غوني من “صالبا” الى “الطريق” مروراً برواياته عن المهربين، عبر حدود تتقاسمها حكومات، لا تقيم وزناً لبشر، رماهم التاريخ في جغرافية وعرة، وعبر دروب وعرة، وظروف طقس ثلجية صعبة، تحت ظل تهديد حري الحدود، ومكائنهم تفرض إيقاعها القاسي، على مصائر شخصياتها، التي ولدت من رحم طبيعة قاسية لا ترحم، والتي لا مكان للضعفاء فيها..

الطبيعة صراع حياة، وعواصفها قد نقشت وشمها على جلود أبناءها، الذين عاشوا الموت مراراً في صراعهم في سبيل الكرامة العالية، والحرية كطريق إلى الخلاص، ليس عبر مقاومة قوانين الظلم، والاضطهاد، وإنما مقاومة قوانين الطبيعة ايضاً.

ولم يغب الثلج عن الملاحم والأساطير الكردية، وفي الحكايات التراثية، وتبقي مفردة اثيرة في الغناء، ومترعة بتاريخ من الثلج، وتكتسي ظروفها وسردياتها بالبياض بين يوميات المقاومين، والجنرال الأبيض وديكتاتورية البياض، الطبيعة القاسية، وهيمنة الثلج على مفردات الحياة، في ظل انعدام ما يمكن الإعاشة به، فلا زرع أو ضرع.

تأتي رواية “حفيدة عشتار” للروائية روناك مراد، كأهم رواية توثق حالتي الصراع ضد عدو، يستهدف الوجود الكردي، وديكتاتور يتسم بالبياض، وسُردت بدقة حالات الهطول الثلجي، وانهياراته، وطرق الإخفاء والتمويه للاستمرار بالحياة، نعيش مع شخصياتها لحظات من القلق والخوف، ونقدر عالياً أهمية الحرية، وأهمية جرعة هواء ولحظات متقطعة تتشابه مع حالة اللهاث.

روناك مراد لم تنسَ القرويين ومواشيهم، وأسلوب معيشتهم، واعتمادهم على ما تدره مواشيهم وكرومهم من غلال، وحياتهم ليست أفضل من حياة الثوار، الذين يكافحون في ظل ظروف قاسية، وتبقى الروح الرفاقية وحدها من تمنح الدفء لمفاصل الحياة الصعبة، في صراع بطلاتها ضد الصقيع، والبرد، والجوع، والانكشاف أمام عدو لا يوفر جهداً في سبيل قمع أنفاس التحرر في ظروف من القلق، والجوع، والخوف من الجندرمة، ومن عمالة بعض ممن ربط مصالحه مع العدو من القرويين، أو الموت برداً تحت انهيارات كتل الثلج، التي تتحول الى كابوس لا فكاك منه في ظل الملاحقات والتمشيطات، والحملات العسكرية، التي تكتسح مناطق العمليات عبر جنود ومروحيات، وقروجيين ترافقهم كلابهم أيضاً..

للأنفاق والتحصينات الفردية دورها في المقاومة، ورعب الانهيارات، أو الموت جوعاً يهددهم في كل لحظة…

يتبع…