سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

أردوغان… أصدقاء الأمس خصوم اليوم

 تقرير /رامان آزاد –

هل يتجه أردوغان إلى نهايته؟ هو سؤالٌ واقعيّ بات مطروحاً في تركيا، بعد الانتخابات البلديّة الأخيرة، التي أكّدت تراجعاً ملحوظاً في المزاج التركيّ العام، فيما ملفات الفساد الإداري والصدمات الاقتصاديّة والانشقاقات تشكّل روافع السقوط، لتكون مسألة وقت.
لا يُعوّل كثيراً في تركيا على سقوطِ حكومة بفعلِ عواملَ خارجيّة مباشرةٍ، فمعظم التحولات السياسيّة في تركيا استندت إلى عوامل الداخل بما فيها انقلابات العسكر، وقد تفهم أردوغان هذه الوصفة فلم يدخر وسيلة لضرب معارضيه، وصولاً إلى الانفراد بالحكم وحصر كلّ الصلاحيات بنفسه. ما حصل حتى اليوم هو أنّ أردوغان بدأ مرحلة الانكفاء فيما يتصل بمشروع التوسع الخارجيّ والتي بلغ الإنفاق فيها أرقاماً خياليّة، وسخر لأجلها كلّ مؤسسات القوة الناعمة التركيّة وفي مقدمها المؤسسات الدينيّة.
صندوق أسرار أردوغان
أصدقاء أردوغان القدامى الذين انقلب عليهم في سياق الانفراد بالسلطة يخرجون عن صمتهم، ليستعيدوا اعتبارهم الذي أهدره أردوغان، وفي إشارة واضحة لبداية النهاية علّق أحمد داود أوغلو على حذف صوره من مقاطع الفيديو الخاصة بذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية، قائلاً :”إذا بدأت أي حركة مسح تاريخها، فإنّ هذا يعني أنها تصفّي نفسها بنفسها”.
داوود هو كنز ثمين وخزان معلومات عدا عن كونه منظّر الحزب الأول الذي أطاح أردوغان بنظريته “صفر مشاكل” ليقلبها عكسيّاً وتكون “صفر توافق” ليستمدَّ بقاءه من الفوضى والتناقض ويوظفه في خانة حساباته الشخصيّة، وصولاً للاستثمار في الإرهابِ، ولا تغيب عن الذاكرة التفجيرات الإرهابيّة المروّعة في أنقرة 2015 عشية الانتخابات البرلمانيّة لدفع الشارع التركيّ للتصويت لصالحه تحت سطوة الخوف، فيما يهدد الناخبين بأنّ البديل هو الفوضى ليشير إلى حزب العمال الكردستانيّ وحركة الخدمة، وبنفس الأسلوب خاض أردوغان استفتاء تعديل الدستور وصادر كل الصلاحيات.
داوود أوغلو شاهدٌ حيٌّ على كلِّ سلوك أردوغان ومحاولته تسلق شجرة الربيع العربيّ ليكون زعيم الإخوان ويعلم حجم الدعم التركيّ للإرهاب بالمنطقة تمويلاً وتسليحاً وتدريباً والأمر لا يقتصر على سوريا وإن كانت الأقرب ونصيبها هو الأوفى، ولكنّ تدخلت في معظم الدول العربيّة، وبذلك فلدى الرجل الكثير ليقوله.
خصمٌ اقتصاديّ قوي
الرجل الثاني الذي لا يقل خطورة عن داوود أوغلو هو وزير الاقتصاد السابق علي باباجان. ففي أحدث تقرير لها قالت صحيفة العرب اللندنيّة أن وزير الاقتصاد والخارجيّة التركي السابق علي باباجان المستقيل مؤخراً من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أظهر الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان بمظهر الضعيف والعاجز عن فهمِ الملفات، وأن لا خيارَ أمامه للتغطيةِ على ذلك العجزِ سوى اللجوءُ إلى خطاب التخوين والتلويح بالعنف ضد الخصوم.
وقالتِ الصحيفة أن باباجان طرح عدداً من الأسئلة الاقتصاديّة الحرجة على أردوغان، لفت فيها إلى مكامن الفساد والخلل في الاقتصاد التركي الذي يئنّ تحت وطأة الضغوط منذ حوالي عامين، متسائلاً “خلال 17 سنة من حكم حزب العدالة: /2 تريليون/ دولار حصيلة الضرائب، 70 مليار دولار قيمة الخصخصة، 500 مليار دولار ديون. أين ذهبت هذه الأموال؟”.
حول الفسادِ العائليّ أشار باباجان إلى ملفِ الخصخصةِ الذي يُعدُّ بمثابةِ جريمةٍ منظمةٍ ارتكبتها عصبةٌ عائليّةٌ (أردوغان وابنه بلال وصهره بيرات البيرق)، بحقِّ مؤسساتِ الدولةِ، ومصانعِ وشركاتٌ مرتهنةٌ له ولمقربين منه ومتحالفين معه.
وتوقف وزير الاقتصاد السابق على معدّلات البطالة المرتفعة، وضرورة التخطيط لإطلاق خطّة إنقاذ اقتصاديّة لإنقاذ الاقتصاد التركي من المستوى المتدنّي الذي أوصله أردوغان إليه بنظرياته الاقتصاديّة غير المنطقيّة وغير الموضوعية.
باباجان أشار إلى انهيار النظام التعليمي، والفشل في التركيز على مواد أساسيّة، والاهتمام على مواد ثانوية. وذكر أمثلة مدعمة بالأرقام ففي اختبار مادة الرياضيات، نال أكثر من 300 ألف طالب درجة الصفر، وفي اختبار العلوم لم يتمكن مئات الآلاف من الطلاب من الإجابة على أيّ سؤال بشكلٍ صحيحٍ.
لم يكن باباجان في جلسةٍ برلمانيّة أردوغان، بل هو يحشد الرأي العام ضد أردوغان ليظهرَ فشله الذريعَ في مجملِ القضايا فالرجل يريد الدفع بالقاعدتين الشعبيّة والحزبيّة للانفضاض عنه، أي أنّه يقود علانيّة معركةً مفتوحةً قد لا يجدي معها نفعاً خطاب أردوغان الشعبويّ واتهامه لخصومه بالخيانة كما هي العادة.
من المهم الانتباه إلى أنّ حديثَ باباجان عن هموم المواطن وقضايا الفساد في هذا التوقيت كان أقرب للترويج لتأسيس حزبٍ سياسيّ، ومن المتوقع أنّ الحزبَ سيضمُّ الرئيس السابق عبد الله غول، ووزير الداخلية الأسبق بشير أتالاي، ووزير المالية نائب رئيس الوزراء الأسبق محمد شيمشك، ورئيس المحكمة الدستوريّة السابق هاشم كليتش.
وأشار باباجان بوضوح إلى إمكانيته لاجتراح الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصاديّة ومنح الناس فسحة أملِ من خلال الحديث عن تحسين الوضع المعيشيّ، ويستند إلى تجربة ناجحة يقرّ بها المجتمع التركيّ خلال توليه لحقيبة الاقتصاد 2002-2007 وأنقذ البلاد من الأزمة الماليّة. ويذكر أنّه كان معارضاً لتعيين صهر أردوغان بيرات البيرق وزيراً للمالية.
قضايا للمشاغلة وحلم مع وقف التنفيذ
مؤكد أنّ حاكم القصر الأبيض يعاني من جملة تعقيدات، قد تفضي بمغادرته القصر، مع انزلاق الملف الاقتصاديّ إلى الهاوية، ولعلّ النشاط العسكريّ وصفقات الصواريخ الروسيّة إس-400 ونيته في عقد المزيد منها، والتي ستحمّل الاقتصاد التركيّ أعباءً إضافيّة وتتسبب في عقوبات أمريكيّة جددي، وقد سبق للرئيس الأمريكيّ أن هدد بتدمير الاقتصاد التركيّ في مواجهة عربدة أردوغان السياسيّة.
أردوغان أو الرئيس المأزوم اعتلى منصة الخطاب في المنظمة الأمميّة حاملاً معه عدد من الخرائط، وليطرحَ المواضيع بالجملة ويحشرَ نفسه في كلّ قضايا العالم فمن قضية وفاة الرئيس المصريّ محمد مرسي إلى اغتيال الصحفيّ جمال الخاشقجيّ ولينتقلَ إلى إدانةِ إسرائيل وعدم تطبيقها للقرارات الدوليّة رغم علاقاته الوطيدة معها، وتوقف عند الملفِ السوريّ متحدثاً عن إدلبَ وعن “المنطقة الآمنة” شمال سوريا وإمكانيّة تمديدها إلى خط الرقة – دير الزور لاستيعاب اللاجئين السوريين، وتلك هي عادته في لفت الاهتمام إلى مسائل خارجيّة، وإيهام المواطنين الأتراك بأنّه يقود البلاد باتجاه التحوّل إلى دولة عظمى، ثم إنّه جدّدَ الحديث عن حقِّ تركيا بالحصول على السلاح النوويّ، وذلك خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال انطلاق أعمال الدورة الـ 74 في 24/9/2019 وقال: “عدم المساواة بين الدول التي تمتلك الأسلحة النوويّة والتي لا تتمتع بها يقوّض التوازن العالميّ”. كما جدد الدعوة إلى “إجراء تعديلات في نظام عمل مجلس الأمن الدوليّ”، مشيراً إلى أنَّ “العالمَ أكبر من الخمس”، في إشارة إلى الدولِ دائمة العضويّة المتمتعة بحقّ النقض. ويأتي ذلك في سياق محاولاتِ تركيا الحصولَ على مقعدٍ دائمٍ في مجلس الأمنِ الدوليّ عن المجموعة الإسلاميّة.
لا ينفصل طرحُ أردوغان لبناء مستوطناتٍ شمال سوريا عن سياقِ أزمته الاقتصاديّة ويطالبُ أوروبا بدفع الأموال لأجلها، لتتبنى إدارة التنمية العمرانيّة التركيّة (TOKI) المعروفة بالتعهدات الضخمة مهمة البناء.
ما يتحدث به أردوغان هو مجردُ طموحاتٍ للمشاغلة لن تجديَ نفعاً في إخراجِه من ورطته التي تتأزم بمرورِ الوقتِ، فالخصومُ يكونون أشدَّ ضراوةً عندما يكونون من الأصدقاءِ وحافظي الأسرارِ، وهم أنفسهم الذين لم يحفظ لهم أردوغان المودة وانقلب عليهم، فيما المؤسسة العسكريّة التي قلّم أردوغان أظافرها وطوّعها لمشيئته تنتظر فرصة العودة وإعادة الاعتبار.