واشو كاني (تل الفخيرية) بعد سقوطها بيد الآشوريين

 رستم عبدو-

في أواخر الألف الثانية قبل الميلاد قدّمت قبائل بدوية آراميّة ساميّة من مناطق شبه الجزيرة العربية، واستوطنت في مناطق جبل بشري (البادية السورية)، ثم تحرّكت هذه القبائل مع بداية الألف الأول قبل الميلاد، وتوزّعت في عموم سوريا مشكِّلةً بذلك عدداً من المدن والممالك الآرامية الصغيرة.

كانت واشو كاني (الواقعة في سري كانيه) من نصيب إحدى تلك القبائل، حيث أطلق اسم سيكاني على المدينة خلال فترة حكمهم عليها.

عُثر على تمثالٍ من حجر البازلت بارتفاع 200 سم وعرض 45 سم للملك الآرامي “هدد يسعي بن شمشي نور” الذي حكم المدينة بنهاية القرن التاسع وبداية القرن الثامن قبل الميلاد. ووُجد على التمثال كتابة باللغة الآرامية (23 سطراً) وكذلك باللغة الآشورية (38 سطراً) توضِّح أنّ التّمثال مقدّم لإله الطقس أدد (تيشوب) وفيه يصف هدد يسعي نفسه بأنّه ملك غوزان وسيكاني وأزران، ويفهم من سياق النّص أنّ سيكاني كانت تابعة سياسياً واقتصادياً لـ غوزانا (تل حلف)، كما كان حكّامها يقومون بدفع الجزية للملك الآشوري أدد نيراري الثاني.

كما عُثر على قصرٍ من نمط بيت خيلاني مؤلّف من مدخل مفروش بالحجارة، وعدّة غرف تركّزت حول باحة رئيسية.

 للتوضيح فقط إن نمط “بيت خيلاني” هو مصطلح آشوري دال على نمط من المباني ويعرف في الآرامية بالبيت العالي، يتكون من قاعتين طويلتين متقاطعتين يتقدمها بهو محمل على أعمدة. كان يعتقد في البداية أن هذا النمط من العمارة مأخوذ من الأنماط الحثية لكن الباحثة كريستينا غافليكوفسكا تقول عنه إنه نمط خوري والدليل على ذلك ما جاء في كتاب “تل حلف والمنقب الأثري ماكس فون أوبنهايم” لـ ناديا خوليديس على وجود قصر عثر عليه في آلالاخ (تل العطشانة) مبني وفق هذا النمط ويعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وذلك عندما كانت آلالاخ خاضعة للدولة الخورية ـ الميتانية وأحد أهم مقاطعاتها.

خضعت المدينة خلال القرون (الثاني والثالث والرابع الميلادي) للاحتلال الروماني الذين اتخذوا منها حامية عسكرية رومانية منذ عصر الإمبراطور سبتيموس سيفيروس Septimius Severus (193 ـ 211 ب.م) بسبب وقوعها على خط التماس مع الدولة البارثية الساسانية، عرفت المستعمرة خلال هذه الفترة باسم رساعينا، شهدت المستعمرة ازدهاراً ملحوظاً حيث وصلت مساحتها إلى حدود 12 هكتاراً، زمن الإمبراطور ثيوديوسيوس حتى غدت على شكل مدينة وأطلق عليها لقب ثيوديوسيوبوليس.

بعد الرومان حُكمت المدينة من قبل البيزنطيين في حين أصبحت بعد عام 640م من ضمن مناطق الخلافة الإسلامية، حيث لعبت دوراً هاماً خلال العصر العباسي ومن بعدها الأيوبي، حتى تم تدميرها من قبل المغول في القرن الرابع عشر الميلادي لتستوطن بعد ذلك في عهد الدولة العثمانية.

أهم مكتشفات تلك المرحلة بقايا معمارية (أسوار وأبراج وأبنية) وقطع فخارية وأدوات حجرية ومصابيح فخّارية وعملات نقدية، وتمثال من حجر المرمر لإمبراطور روماني يُدعى تراجان أو سبتيموس سيفيروس، وهو بزيٍّ عسكريٍّ وبدون رأس وذراع، كما عُثر على جرّة من البرونز بداخلها قطعٌ نقدية ذهبية، بالإضافة إلى العثور على عملات نقدية أخرى تحمل اسم القيصر البيزنطي جوستينوس الثاني 565 م.