نوروز والمرأة ورسائل التحدي لأعداء الإنسانية

هيفيدار خالد_

نوروز عام 2024 كان نوروزاً مميّزاً، هذه العبارة رددها الكثيرون ممن شاركوا في الاحتفالات والذين تابعوها على شاشات التلفزة، نعم الكل شارك في نوروز وتفاعل مع هذا العيد الوطني الكردي الربيعي، إلا أن مشاركة المرأة هذه المرة، كانت مميّزة ومهيبة أكثر، وسط حضور متألق فاق التوقعات، محاطاً بألوان زاهية من كل الجهات.

نعم زيَّنت المرأة ساحات نوروز هذا العام، بدءاً من منطقة الشهباء حيث يقطن مهجرو مدينة عفرين المحتلة، إلى مدينة حلب السورية، ومنبج، مروراً بعروسة الفرات الرقة، ثم مدينة الخابور الحسكة، فمدينة قامشلو مهد انطلاق انتفاضة الكرد ضد سياسات البعث، ومن هناك إلى ربوع مدينة ديرك متعددة المكونات والثقافات، بمساهمات نسائية بارزة وقيّمة وفريدة، عززت دورها في هذه الاحتفالات الحاشدة والمهيبة، الباعثة على الأمل والتفاؤل بغدٍ أجمل، بعد مشاركتها وقيادتها لفعاليات هذا اليوم العظيم، وحملها هذه المهمة المقدسة على عاتقها.

الأزياء الكردية الشعبية النسائية الملونة طغت على جميع ساحات الاحتفال بعيد نوروز، ولكل لون منها قصة معبّرة تحكي الكثير والكثير، وكل زي يحمل معه رسالة خاصة للناظرين، لكنها واضحة وصريحة للمتربصين بنضال المرأة، ومن هنا يستمد هذا الزي رونقه واختلافه المثير للإعجاب والدهشة في مشهد يخلب العقول، والخطابات والشعارات التي صدحت بها حناجر النساء، والرقصات الفلكلورية وعروض الدبكات الشعبية التي أدينها على مسارح الاحتفالات، وجّهت رسالة مدوية كالصاعقة لمعاديي المرأة ونضالاتها؛ لأنها كانت تطالب بحريتها من خلال المطالبة بحرية القائد عبد الله أوجلان وحل القضية الكردية. الشعار الذي نادى به شعب المنطقة في نوروز هذا العام.

النساء في شمال وشرق سوريا زيَّنَّ الساحات لتزدان بذلك الطبيعة من حولهن، الفرق النسائية التي شاركت في الاحتفالات أضفت رونقاً وألقاً جميلاً على نوروز. ووجهت ضربة قاضية لسياسات نظام الحداثة الرأسمالية ونتاجاتها البائسة والتي تحاول تجريد الشعوب من كل مقوماتها الثقافية والاجتماعية وقطع أنفاسها نهائياً، فالجميع قالوا بصوت واحد نحن هنا بثقافتنا وعراقة تاريخنا وفنّنا وأصالتنا الحضارية.

كل شيء كان جميلاً في نوروز، اتشحت الطبيعة بحلتها الزاهية وازدانت بألوانها المتناسقة، لترسم لوحة فسيفسائية مميزة تضم كافة الأطياف، الناظر إليها يجدها تقول حتى الطبيعة تكتمل جمالها بجمال المرأة، لينبعث عندها الصوت الهادر بالأغاني والأناشيد في هذا اليوم التاريخي، الذي رُفِعَت فيه أعلام ولافتات ورموز تمثّل مكونات شمال وشرق سوريا جميعها تحت مظلة واحدة.

نعم الأغاني، والقصائد الشعرية، والصيحات، والرقصات الشعبية والفلكلورية والهتافات التي زادت أجواء العروض الاحتفالية حماسة، والحشود النسائية الغفيرة التي أطلت في ساحات نوروز، بعثت في النفوس العزيمة والقوة والإصرار على النضال ومواجهة كافة تحديات ومشقات الحياة. الكل كان يرقص ويغني بفاعلية لا مثيل لها. حتى المُشاهد لتلك اللوحة المشرقة قد التمس كمية الدفء الذي بعثه نوروز في النفوس، لا سيما المرأة الكردية.

في كوباني زيّنت النساء تلة مشته نور بزغاريدهن وأهازيجهن، أما في ديرك فقد نظمت أمهات طاعنات في السن حلقات الدبكة الباعثة للبهجة والسرور في قلوب الشبيبة، وفي قامشلو والحسكة اتحدت أرواح النساء من كل الشعوب معاً مرة أخرى بروح نوروز وشعلته المتقدة، لكن في حلب والشهباء كانت شارة النصر لا تفارقهن، متعهدات بأن تكون استراتيجيتهن في المراحل القادمة الانتقام من الأعداء.

أما النساء في الرقة ومنبج والطبقة، فقد ألهبن حماسة الجماهير الغفيرة هذا العام بشعارات النضال بعزيمتهن وقوة إرادتهن لمواجهة الإرهاب الذي دمّر حياتهن، والمعاهدة على النضال من أجل سوريا حرة تعددية لا مركزية، خالية من العنصرية والذهنية البعثية والداعشية. مؤكدات على النضال المتواصل من أجل ألا تنطفئ شعلة نوروز أبداً. وما حلقات الدبكة التي زيّنت الساحات في تلك المدن، إلا تعبير واضح عن قوة وإيمان المرأة بالنضال من أجل الحرية في مثل هذا اليوم.

التكاتف النسوي المهيب وتصدّرهن الصفوف الأمامية في احتفالات نوروز، إنما هو رسالة قوية للأعداء بأنهن صامدات في وجه سياسات الإبادة الثقافية التي يريدون فرضها عليهن، ويحاولون من خلالها النيل من الإنجازات والمكتسبات التي تحققت في هذه البقعة الجغرافية العريقة. نعم المرأة كانت في مقدمة الاحتفالات؛ لأنها الأكثر عطشاً للحرية… حيث تصدح بأعلى صوت وتقول: هنا شمال وشرق سوريا هنا التضحيات هنا النضال، وإننا لباقون على العهد حتى تشرق شمس الحرية وتنير درب شعبنا الأبي