تعدد الزوجات ضد حرية المرأة حسب النص القرآني

د. علي أبو الخير_

حرية المرأة في الإسلام موجودة ولكن الفقهاء عبر القرون ظلموا المرأة وظلموا المجتمعات الإسلامية، ومن ضمن هذا الظلم هو تعدد الزوجات، حيث دوّنوها في الكتب وخطبوا بها من فوق المنابر، حتى صارت من المعلوم من الدين بالضرورة وبحكم دين الشيوخ والفقهاء، وهو ما نكتب عنه.

لقد أباح الشيوخ والفقهاء والمفسرون تعدد الزوجات، وجعلوا على استحياء ضرورة العدل بين الزوجات، وهو عدل لم يحدث والأغلب أنه لن يحدث، وأباح الشيوخ السلفيون تعدد الزوجات حتى الوصول لـ “تسع زوجات” في تفسير كيفي مغالط للحقيقة، وهو حاصل جمع 2 + 3 + 4 = 9، وهو اجتهاد شهواني لا نعرف له نظير، ولو عدنا للقرآن الكريم، وبتأمل قليل نجد أن المسلمين، ظلموا الإنسانية عندما أطلقوا فتاوى الشبق والشهوة، ولو عدنا للقرآن العظيم لوجدنا عكس ما يفتون..

نظرة إلى التعدد وحقيقة المراد

إن القارئ المتدبّر للآية الكريمة المتعلقة بتعدد الزوجات يدرك أن الآية لا تجعل التعدد أصلاً للحياة الزوجية، فالآية الكريمة تحرص على جعل العدل أحد الشروط الضرورية لهذا التعدد، بحيث يكون الأصل في الزواج زوجة واحدة. نقرأ الآيتين الكريمتين” 2 و 3 ” من سورة النساء وهي الوحيدة التي ذكر فيها التعدد، وتأتي تلك الآية بعد أن ذكر الله خلق البشر من نفس واحدة لتسود المودة والرحمة، ثم جاءت آية التعدد ونصها “وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”.

الآية تتحدث عن اليتامى وجاء التعدد لخدمة اليتامى، وتشير إلى أن الزواج الثاني يكاد يكون قاصراً على الأرامل، والله جل شأنه وضع التعدد بين خوفين، الخوف الأول يتعلق بالخشية من عدم القسط في اليتامى، والخوف الثاني هو عدم تحقيق العدل.

والأمر الواضح من الآية أنه في بعض الأحيان يموت رجل؛ ويتولى أحد أقربائه مسؤولية رعاية أسرته، وهنا تكمن مشكلة دخوله وخروجه من المنزل الذي قد يكون منزل أخيه أو ابن عمه وقد توجد امرأة شابة فيتحرج من الدخول فيزداد الأمر صعوبة في رعايته لتلك الأسرة، ومن ثم شرّع الله التعدد في مثل هذه الحالة ليكون دخول الولي وخروجه مشروعاً، فيمكنه الزواج منها، فإذا كان هذه الرجل وليّاً على عدة أسر مات فيها الزوج فيمكن أن يعدد الزواج مثنى وثلاث ورباع، ثم وضع الله شرطاً عسيراً “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”.

العدل الذكوري

هذا العدل لا يستجيب له إلا القلائل من الرجال، بحيث يمكن القول بأن معظم الزواج الثاني لا ينطبق عليه الخوفان، ولم يقم الزوج بالزواج من أخرى لأنه حريص على شرع الله ولكن نكاية في زوجته، أو لأسباب أخرى، دون أي رعاية لمشاعر زوجته.

وفي كل الحالات لم نجد حالة فيها العدل الذي تطلبته الآية القرآنية، اللهم إلا إذا كان الزوج هو النبي أو صحابته المقربون، خاصةً وأن هناك آية أخرى تتعلق بنفس الموضوع “ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”، فالله بهذه الآية جعل من التعدد في حالات الضرورة فقط، ليس من بينها أبداً إشباع رغبة الرجل، وحالات الضرورة هي الحروب التي يموت فيها الرجال، أو مرض الزوجة مرضاً لا يُرجى منه الشفاء أو حالات العنوسة الظاهرة، وكله حسب المصلحة، وهذا يعني أن الشارع يعطي الحاكم السلطة في إطلاق أو تقييد الزوجات حسب المصلحة.

آراء مُستنيرة

قال الإمام المجدد محمد عبده: “يلاحظ أن الأبناء غير الأشقاء يسود بينهم العداء المترتب من عداء الزوجات بعضهن لبعض، ويكفي أن اسم الزوجة الأولى أو الثانية “ضرّة” أي من الضرر الذي يلحق بالزوجة؛ وترك الأمر في يد الزوج وإرادته المنفردة يُفاقم الضرر لأن الرجل يميل إلى الزوجة الجديدة، وربما يكون الرجل أحمقاً أو متسلطاً وهي صفات ممقوتة ولا يرجى منها العدل بين زوجاته وأبنائه.

إن آية التعدد جاءت بصورة فيها قدر كبير من المرونة لتعطي آفاقاً للاجتهاد حسب الزمان والمكان، فجعلت التعدد بين خوفين، فإذا احتاج المجتمع التعدد أباحه، وإذا احتاج للتقييد قيّده، للأسباب التي يراها الشارع ضرورة له.

ومن ثم جعلت التعدد بهذه الشروط عسيرة إن لم تكن معجّزة، فكيف يتفق ذلك مع القائلين بأن الأصل التعدد ومن أين جاء هذا الفهم الغير دقيق لآيات القرآن الكريم، وقد يتساءل البعض: ألم يتزوج الرسول والصحابة عدة زوجات، نقول له نعم، ولكن ذلك كان لظروف خاصة محكومة بالعدل الذي كان يقيمه الرسول بين زوجاته وأصحابه والناس جميعاً.

ويظل المفهوم القرآني والمصلحة العامة هي وحدها التي تقرر تعدد الزوجات وليس رغبات الرجال السائدة غالباً.