مخالفات البناء في كري سبي.. بين الأسباب والحلول

انتشرت ظاهرة مخالفات البناء والسكن العشوائي ضمن أحياء في مدينة كري سبي(تل أبيض) منذ أن وضع مخطط تنظيمي للمدينة قبل 70 عاماً, لعدم توفر الكوادر الفنية آنذاك وعدم معرفة المواطن بالمخطط.

منذ خمسينات القرن الماضي أي قبل 70 عاماَ وضعت البلدية آنذاك مخططاً تنظيمياً لبناء مدينة كري سبي على أساسه, ولكن عدم دراية المواطن بالمصلحة العامة وعدم توعيته من قبل البلدية بسبب غض النظر من قبلهم, ساهم بتشييد أبنية مخالفة للمخطط التنظيمي دون الرجوع للمخطط وترخيص الأبنية وفقه.

وتعرف مدينة كري سبي بأحيائها الأساسية الأربعة “حي الشهيد صادق المعروف بحارة الليل, وحي عين العروس, وحي تل أبيض الشرقي, وحي تل أكجل أو أبو كريا، كان يسكن غالبيتها الأرمن والمسيحيون ثم باعوا ممتلكاتهم وأراضيهم للعرب والكرد.

ولانتشار ظاهرة مخالفة المخطط التنظيمي، سنتحدث في ملفنا هذا عن مدينة كري سبي منذ بداية تأسيسها أي منذ قبل 70 عاماً والتعريف بأحيائها وأهميتها, وأسباب انتشار المخالفات العشوائية في السكن.

أسباب انتشار ظاهرة السكن العشوائي

تعود أسباب انتشار ظاهرة البناء العشوائي لعدم معرفة الأهالي بأضرار تلك الظاهرة، حيث تؤدي إلى الفوضى واللجوء إلى البناء وتنفيذ المشاريع دون دراسة إنشائية أو معمارية أو ظاهرة البناء بما يعرف بـ ’’الطب‘‘ أي دون تشييد أعمدة. واستغل بعض من أصحاب العقارات ذات المساحة الواسعة والملحوظة بلوكات سكنية أو حدائق أو شوارع أو مراكز إدارية وخدمية وإشغالها بالكامل دون مراعاة وضع العقار بالنسبة للمخطط التنظيمي. وانتشار ظاهرة الخوف تجاه البلدية من عملية الهدم أو أن ذلك الموقع لا ينطبق مع المخطط التنظيمي وبذلك يقلل من سعر العقار.

كيف باع الأرمن والمسيح عقاراتهم؟

معظم العقارات الموجودة في المنطقة تعود ملكيتها للمكون الأرمني والمسيحيين الذين هاجروا إلى الخارج  وباعوا عقاراتهم بموجب عقود بيع وشراء غير نظامية أي بما يعرف بعقود برانية وهي غير مأخوذ بها لدى الجهات الرسمية مثل القضاء أو المصالح العقارية (مكتب التوثيق العقاري)، حيث تمت معالجة تلك الظاهرة آنذاك من قبل الحكومة السورية بالإعلان في الصحف الرسمية لها على مراحل, ويتم الإعلان على ثلاث مراحل كل شهر مرة, فإذا لم يتقدم أي معترض على الإعلان تعطي الجهات الرسمية ممثلة بالقضاء المشتري قرار حكم مبرم ومكتب بالدرجة القطعية, ويحق له تنفيذ مضمون القرار.

ماذا ضم المخطط التنظيمي آنذاك؟

يعود عمر المدينة السكنية الجديدة إلى الثمانينات ووضع لها مخطط تبلغ مساحته 390 هكتاراً موزعاً ضمن بلوكات سكنية, وبلوكات تجارة تضم شوارع تنظيمية, وحدائق عامة, ومدارس, ومراكز إدارية, وروضة أطفال, ومساجد, ومساحات خضراء، فيما قدم أحد المهندسين مشروعاً يتضمن إحداث مدينة نموذجية للمنطقة, وتم إعداد مشروع استملاك للمنطقة ورصد اعتماد تعويض للمتضررين إما مادياً أو لقاء مقاسم سكنية, وإجراء عمليات مسح طبوغرافي للمنطقة وتنظيم شبكات ضمن حوض تجميع.

وتوجد أبنية نموذجية مبنية ضمن المدينة ومراكز خدمية هامة مثل دائرة النفوس والأحوال المدنية, ومراكز الانطلاق “كراج”, ومركز الهاتف ومديرية المالية ومركز صحي ومقر وحدة المياه, بالإضافة إلى مراكز حكومية وخدمية أخرى.

وإضافةً لطريق البوابة الحدودية التركية السورية المعروف بـ “أوتوستراد البوابة” وهي من البوابات الأولى في العالم، حيث كانت معبراً لكل التجارات العالمية, وأعطت ازدهاراً هاماً وحيوياً للمنطقة وحسنت الظروف المعيشية والنمو العمراني بالمنطقة، إلا أن الظروف التي مرت بها المنطقة حالت دون استكمال هذا المشروع.

مجرى نهر صلولح

يوجد مجرى نهر طبيعي يسمى باسم نهر “صلولح” مصدره من أراضي باكور كردستان ويصب ضمن نبع يعرف باسم “نبع عين الحصان”. وفي فترة جفاف هذا النهر لمدة 15عاماً ردمت البلدية الجسر الذي يقطع المنطقة إلى قسمين ويسلك الطريق الرئيسي, وفي فترة من الزمن أقدمت السلطات التركية على تنفيذ مشاريع ري حديثة على محاذاة الحدود التركية السورية, وتنفيذ مصارف تصب ضمن مجرى النهر القديم أجبرت البلدية على فتح المنافذ والعبّارات للجسر وقدمت مشروعاً حيوياً وهاماً.

وكان المشروع آنذاك يتضارب مع مصلحة بعض الأشخاص الذين تجاوزوا حرم النهر في بناء المنازل, ويتضمن قناة صندوقية على شكل شبه منحرف وتنفيذ طريقين محاذيين من مسار القناة وشوارع فرعية وجادة وتنفيذ معابر.

نفذ المشروع على  مرحلتين؛ المرحلة الأولى وضع خطة مستقبلية لكامل المشروع واقتُرح نقطة البداية للجسر المنَفذ على طريق البوابة الحدودية من قرية المنبطح, والنقطة الثانية شارع المحلق الجنوبي, وبعد مجريات الأحداث التي مرت بها المنطقة نسيت تلك الأمور وأصبح الحل من الماضي, مع العلم بأن مسار القناة ومسار الشوارع المحاذية لها واقع ضمن أملاك عامة.

حي الشهيد صادق أو كما يعرف بين الأهالي بـ ’’حارة الليل‘‘

توجد منطقة واقعة ضمن المخطط التنظيمي العام لمدينة كري سبي معروفة بـ “حارة الليل”، حيث أن هذه المنطقة واقعة ضمن عقار خاص تعود ملكيته لشخص يدعى خميس أبو سمرة وتم استدعاؤه آنذاك أثناء فترة تولي المهام من مجلس مدينة تل أبيض عام 1987 بأن يقدم المالك مشروعاً تقسيمياً يتضمن تنفيذ المخطط التنظيمي على الواقع طبقاً للمخطط التنظيمي والتنازل لصالح المراكز العامة والمراكز الإدارية والشوارع والحدائق الملحوظة على التنظيم, ورفض صاحب العلاقة وباع المنطقة المذكورة بشكل عشوائي مستقل بشكل يتناسب مع ظروف أهل المنطقة دون التقيد بالحد الأعلى والأدنى  لكل مقسم على حدة.

أهمية حي عين العروس ومن أين جاءت التسمية؟

يعتبر حي عين العروس من الأحياء القديمة في المنطقة وتأتي أهميته كونه كان ممراً للسياح الذين كانوا يمرون بالمنطقة قبل 50 عاماً, وجاءت تسمية هذا الحي بعين العروس نسبة لإحدى ملكات العالم التي أصرت أن يكون حفل زفافها في هذه المنطقة وأقيم حفل الزفاف وتسمت المنطقة بعين العروس، بالإضافة لوجود نبع يسمى ’”نبع العين” ويصب في نهر البليخ وحالياً يوجد مزار لسيدنا إبراهيم الخليل وبجانبه مسجد النبع وحديقة عامة تحيط بالنبع ومستثمرة من قبل البلدية ومجهزة بكافة التجهيزات اللازمة, وتولي البلدية الاهتمام البالغ لها. تقوم الإدارة الممثلة بالأوقاف بتنفيذ مشروع إعادة تصوين لحرم المسجد والمزار مع إعادة ترميم المسجد, وهي منطقة سياحية هامة.

حي تل أبيض الشرقي أو “الكيصوم”

وهو من الأحياء التابعة للمدينة والمؤهلة بشبكة طرق وشبكات مياه وصرف صحي وتقطنه بعض الأسر التي تنتمي للعشيرة الواحدة وهو من الجهة الشرقية للمدينة ويقع على طرق ناحية سلوك وسريه كانيه. وتقسم تل أبيض الشرقي إلى قريتين الجنوبية تعرف بـ ’’الجبلية‘‘ والشمالية محاذية للحدود.

حي منطقة تل أكجل أو ما يعرف بـ “أبو كراية”

عندما وضع مخطط تنظيمي توسعي للمدينة شمل أحياء أبو كرايا وهو من الأحياء الهامة, وتوجد عدة مراكز خدمية وسياحية ملحوظة على المخطط التنظيمي ولكنها تفتقد للخدمات مثل الصرف الصحي وشبكة طرق خدمية وشبكة مياه, ويعود ذلك إلى عدم توفر إمكانيات ودعم مادي ضخم للبلدية, وعدم مشاركة بعض المنظمات بهذا الأمر, علماً بأنه تم إعداد دراسات لتخديم هذه المنطقة, ولكن لم يكن هناك أي تجاوب من أي منظمة سوى بالوعود الواهية.

المناطق ذات الانتشار الواسع للسكن العشوائي

ولعدم دراية ومعرفة المواطنين وفي ظل تجاهل البلدية قبل الأحداث السورية، شيد بعض الأهالي الأبنية المخالفة سواء ضمن حدائق عامة أو مركز إدارية أو مدارس أو شوارع تنظيمية “أحياء”, وعلى سبيل المثال: ما تعرف بحديقة الأرصاد الجوية والملحوظة على المخطط التنظيمي العام لمدينة كري سبي حديقة عامة ومدرسة ثانوية وتقع على المدخل الجنوبي للمدينة مع العلم أنها مشغولة حالياً بمحلات تجارية ومنازل سكنية ولدى عرض أكثر من مشروع على اللجان الإقليمية آنذاك لتعديل الصفة التنظيمية للمنطقة, رفضت اللجان كافة تلك المقترحات ووضعت المسؤولية على البلدية, إضافة للمنازل التي بنيت على حرم ‘‘نهر صلولح’’ في حارة الجسر, وتجاوز الأهالي على حرم النهر مما جعل منازلهم ضمن السكن العشوائي ومخالفة للمخطط التنظيمي.

دور البلدية في الحد من المخالفات

تقدم التوجيهات اللازمة من قبل الجهات المعنية ومنها البلدية وبيان فائدة عمل المخطط التنظيمي, حيث أن البلدية لا تصادق على أي مشروع إفرازي أو تنفيذ حكم ما لم يكن الموقع المراد تفريقه واقعاً ضمن المخطط التنظيمي ومطابقاً لنظام ضابطة البناء ومرخصاً لدى البلدية.

وللحد من السكن العشوائي في مدينة كري سبي شكلت البلدية فريق مراقبة مؤلفاً من ضابطة البلدية والكادر العامل في المكتب الفني وموزعين ضمن قطاعات ويقدم كل فريق تقريراً مفصلاً عن حالات البناء والإجراءات المتخذة بحق مرتكبي المخالفات.

وضعت البلدية العقوبات لكل من يتجاوز ويخالف المخطط التنظيمي ونظام الضابطة بفرض غرامة مالية قدرها 200 ألف ليرة سورية والسجن لمدة ثلاثة أشهر وإزالة المخالفات على نفقة المخالف، أما ما يخص التجاوز على الأملاك العامة فيخضع البناء المشغول إلى الإزالة ولا تقبل التسوية المادية.

 ويجدر بالذكر أن مساحة المخططات التنظيمية لمدينة كري سبي وتوابعها تقدر بحدود 1000 هكتار ونسبة التخديم لا تتجاوز نسبة 25 بالمئة لها بمجمل المساحة المنظمة.