مجزرة البوير مغلفة بهمجية داعش وشاهدة على نصر قسد

منبج/ آزاد كردي ـ

---

ربما لم يسمع غالبية السوريين باسم قرية “البوير”، ولا بما ارتُكب فيها من مجزرة مروعة بحق أبناء عشيرة الجراح هناك، إلا أنها شاهدة على حقبة السواد التي حلت بأجزاء واسعة من سوريا والعراق، وزالت بفضل قوات سوريا الديمقراطية، هذه القرية مصير البعض من أبنائها كان مماثلاً لمصير العشرات من أبناء كوباني الذين استشهدوا نتيجة غدر مرتزقة داعش وانتقامهم من المدنيين الرافضين لسطوتهم، واليوم وثقت الجمعية التركمانية في منبج تفاصيل وأسماء ضحايا تلك المجزرة بالتعاون مع صحيفتنا.

احتلال مرتزقة داعش لمنبج

مع نزول الحركات المتشددة لميدان الصراع في سوريا؛ كجبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرها من الفصائل المسلحة، اتخذ الحراك الشعبي تجاهاً مغايراً في ظل الثورة السورية، فقد تسلل مرتزقة داعش الذي كان ينشط في ذلك الوقت بشكل متخف إلى منبج في أوائل شهر آذار/ مارس من عام 2013 على شكل مجموعات مشرذمة صغيرة. وتولى إمرة هذه المجموعات ابن شقيق البغدادي لأهميتها الجغرافية والتجارية باعتبارها المدينة العسكرية الثانية بعد مدينة الرقة لا سيما أن منبج تمتلك من الأهمية المتنوعة ما لا يتوفر في غيرها.

عملت مجموعات داعش بشكل أحادي وحيادي في بادئ الأمر تجاه الفصائل الثورية المسلحة الأخرى العاملة في منبج مع العلم أنها لم تكن مناوئة لهم أيضاً بل كانت تروج لنفسها بمظهر المسالم الراغب بالتقرب إلى الأهالي خشية افتضاح أمرهم، كما أنها قد بدأت بنشر بعض الفكر الدعوي الذي يدعو إلى التقرب إلى الله وترغيب الناس بأمور العقيدة السليمة إلى جانب أن دعواتهم تدعو بأنْ لا مطمع لهم بأي حاكمية للانفراد بالحكم.

كان جل سعيهم آنذاك إلى إقناع المواطنين أنهم فئة دعوية وعبر مسميات عدة كحركة الشباب المسلم، واتحاد الطلبة الأحرار، وكانوا يعملون بطريقة شبه سرية، وقد وفروا لهذا الغرض كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للأعضاء بهدف دعمهم على تأليب المواطنين ضد المجلس المحلي، وضد قيادات الفصائل المسلحة آنذاك.

استغل مرتزقة داعش الأخطاء في هذه الفترة من قبل المجلس المحلي وبدؤوا يتحينون الفرص للخروج باحتجاجات ومظاهرات يحمل أعضاؤها ربطة رأس سوداء مكتوب عليها شعار داعش، وهاتفين بشعارات تندد بالحراك المدني وتمجد شعارات الدولة الإسلامية في العراق والشام وهو الاسم الذي اختاروه، واختصاره “داعش”.

وخلال فترة وجيزة سيطر مرتزقة داعش على المربع الأمني والمركز الثقافي ومبنى السرايا والمطاحن ومبنى الأعلاف، وبات من الواضح أن هذه الشرذمة الإرهابية ستبتلع الحراك الثوري وستناهض أبرز قياداته إلى جانب اعتقال وتصفية كل من يناوئ فكرها المؤدلج، فأنشؤوا لهذا الغرض العديد من السجون والمحاكم.

الغريب أن الفصائل المسلحة لم تقاتلهم، إذ كانوا يرون أن مقارعة قوات جيش الحكومة السورية أولى في هذه الفترة الراهنة، كما أنهم اعتقدوا أن النزاع مع الفصائل ذات الطابع الإسلامي لم تتضح معالمه بعدُ خاصة عند قيادات الفصائل المسلحة بسبب غياب الوعي، كما كان انضمام أعضاء ممن غرر بهم في منبج من أبنائهم فرفضوا قتالهم حالياً، لكن لما تعاظم شأنهم وخطرهم، قررت الفصائل المسلحة قتالهم في 6/1/2014 وبالفعل استطاعوا أول مرة طردهم من منبج لمدة 18 يوماً بمؤازرة كافة الفصائل الثورية المسلحة، بيد أن داعش تمكن في 23/1/2014 من معاودة الكرة وحصار منبج مجدداً. حينئذ عمدوا إلى قصف المدينة بالهاون والمدفعية فنكلوا بهم وانتقموا منهم شر انتقام. وخلال المعارك الدائرة وسط منبج قتل عشرون مدنياً إضافة إلى العشرات من الجرحى، كما منع مرتزقة داعش الخبز منذ سيطرته على المطاحن الأمر الذي رفع من سعر ربطة الخبز إلى أسعار خيالية في ظل ظروف استثنائية ومأساوية.

بعد أيام اجتاحت الأعلام السوداء منبج بسياراتهم التي جابت الشوارع بأصوات مرتفعة بالتهليل والتكبير وببعض الأناشيد “دولتنا منصورة” إثر قضائهم بشكل نهائي على الصحوات (حسب تعبير داعش) أو فصائل الجيش الحر عبر إطباق الحصار على منبج من ثلاث جهات من الغرب عند جامعة الاتحاد ومن الشمال عند دوار جرابلس ومن الجنوب عند المطاحن. وفي آخر ليلة للفصائل داخل منطقة السعن غربي منبج ومن خلال عملية سريعة استطاع داعش حصار عدد من الحواجز وأمعن في قتل 16مسلحٍ من الفصائل وأسر البعض ثم قاموا برميهم في اليوم التالي بمدخل باب الإسعاف في المشفى الوطني دون أن يستطيع أحد من أهاليهم الاقتراب من جثث القتلى.

ومنذ سيطرة مرتزقة داعش على منبج ازدادت المجازر التي ارتكبها بين الفينة والأخرى بحق الأهالي في منبج، الواحدة تلو الأخرى ومن أهمها؛ مجزرة البوير.

الموقع

تقع قرية البوير في الجهة الشمالية الغربية من مدينة منبج التابعة لمحافظة حلب في سوريا. سكانها من العرب من عشيرة الخراج ويقطنها حوالي 225 عائلة ومن المتعارف أنها تتألف من ثلاثة عوائل؛ المصطاوي والعبيد والمواس. فيما يقدر عدد سكانها بـ1000 نسمة، ويشتهر أهلها بمهنة تربية المواشي، حيث وقعت المجزرة حوالي الساعة الرابعة فجراً بتاريخ 27/7/2016 على يد مرتزقة داعش، وقضى فيها 36 شهيداً أغلبهم نساء وأطفال ورجال.

 وتحررت قرية البوير من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي استطاعت دحر مرتزقة داعش الإرهابي من منبج خصيصاً ومناطق شمال شرق سوريا عموماً.

أسباب المجزرة

مما يثير الانتباه أن قرية البوير تحررت من مرتزقة داعش قبل أيام من المجزرة في عام 2016 واستقبل أهالي القرية قوات سوريا الديمقراطية استقبالاً حاراً بالزغاريد والورود، بالإضافة إلى تقديمهم الدعم اللوجستي المتنوع لهذه القوات من طعام وماء إلى جانب إعطاء بيوتهم لتأمين القوات المقاتلة في عمليات القتال المختلفة ضد داعش، كما قام أحد أبناء القرية بإعداد الولائم وتجهيز طعام لهذه القوات تكريماً لهم في التصدي لمحاولات داعش السيطرة على القرية الهامة.

في سياق الأحداث جعل مرتزقة داعش يصلي على القرية صلاة الغائب في قرى ريف جرابلس ويتوعد أهلها كبيراً وصغيراً وطفلاً وشيخاً بأشد عبارات الانتقام فيما اعتبروا أن دمهم مهدوراً ومستباحاً لأنهم – وفق وصفهم – (مرتدون) حسب عقيدة مرتزقة داعش لخيانتهم وتعاونهم مع قوات سوريا الديمقراطية.

أحداث المجزرة

طبيعة المعارك في الأيام الأولى لعميلة تحرير منبج التي أطلقها مجلس منبج العسكري بدعم من قوات التحالف الدوالي المناهض لداعش، فرضت على القوات المتحالفة “قوات سوريا الديمقراطية” تكتيكات عسكرية محددة، إذ تنوعت بين الكر والفر وتداخل السيطرة بين الليل والنهار، الأمر الذي استغله مرتزقة داعش لارتكاب المجزرة والانتقام من أبناء تلك القرية الذين فرحوا بتحرير قريتهم.

وعن تفاصيل المجزرة أعدت الجمعية التركمانية، التي أنشئت في تاريخ 25/4/2018 دراسة حديثة عن مجزرة البوير بالتعاون مع صحيفتنا “روناهي”، وبحسب هذه الدراسة فقد تسلل ثلاثة من مرتزقة داعش عبر وادي يحاذي أطراف القرية من الجهة الشمالية تجاه ضفاف الساجور واستخدموا أسلوب الغدر غيلة، حيث دخلوا إلى أحد منازل المدنيين العزل وعمدوا إلى تصفية أهله وأخذوا سيارة مركونة لديهم تحتوي على مولدة لتشغيل الآبار التي من شأنها تأمين مياه الشرب للقرية بينما قتلوا حمود الموسى واثنين من أولاده هما أيمن حمود وحسن حمود. ثم دخل هؤلاء المرتزقة الثلاثة الإرهابين القرية وأمعنوا بالقتل كل من يصادفهم تحت جنح الظلام الحالك حيث لا يمكن التمييز بين الواحد والآخر، على أثر ذلك دخلوا إلى بيت حسين الحمود وقتلوه وقاموا بتصفية أولاده أيضاً وهم عبد السلام حاج حسين وعبد الله حاج حسين وحاتم حج حسين.

ثم تجول المرتزقة الإرهابيون الثلاثة في القرية فدخلوا بيت شعبان الموسى ابن عبود فقتلوه وأولاده بالرصاص الحي إعداماً ميدانياً ثم اقتربوا من المدرسة وإلى حيث تتواجد عائلة مهجرة من دير حافر التي لم تنج من وحشيتهم فقتلوا منهم ثلاثة بينهم بعض الأطفال، كما لم تسلم الحيوانات، إذ قاموا بإطلاق النار على عجل بالإضافة إلى إبادة قطيع من الأغنام في منزل محمد العبود شيخ علي فقتلوه مع زوجته إلى جانب طفله الوحيد “طريف” الذي لم يتجاوز عمره حينذاك سبع سنوات. وكانت هناك مجزرة أخرى مماثلة بحق عائلة الحج حسن التي راح ضحيتها علي مصطفى العبود وحمود الموسى وأيمن الموسى وحسن الموسى وإبراهيم جاسم جاسم.

مذابح مروعة

انتقل الإرهابيون فيما بعد إلى بيوت العبيد على أطراف القرية من الجهة الجنوبية فارتكبوا مذبحة شديدة راح ضحيتها عشرة أشخاص من عائلة واحدة وهم زكريا جمعة العبيد وأحمد إبراهيم العبيد وجمال محمد العبيد وماهر زكريا العبيد وجمعة زكريا العبيد وفوزي حسن العبيد وشريف حسن العبيد وجمعة حسن العبيد.

ثم تسلل هؤلاء الإرهابيون خلسة إلى بيت غربي مدرسة القرية فرموا بالرصاص الحي بعضاً من أفراد عائلة العبود، منهم إبراهيم العبود وعبد الرحمن العبود ومحمد العبود، وهما طفلان أقل من ثلاث سنوات، إلى جانب عبود ابن عزيز وشعبان الموسى ابن عبود. ودخلوا على أثر ذلك بيت إبراهيم جاسم الموسى ففتكوا بعائلته كاملة ومنها أمونة عبد اللطيف الموسى ومحمد كامل الموسى وحمود الحفني. وقبل خروجهم من القرية دخلوا بيتاً على أطراف القرية فقتلوا صاحب المنزل إبراهيم الحمدي وزوجته رتيبة الحمادي وابنه محمود الحمدي.

تحرير البوير ثمنه الشهداء

إلى ذلك، خرج مرتزقة داعش الإرهابيين من القرية بعد أفول الليل وتنفس الصباح بدخول قوات سوريا الديمقراطية إليها مجدداً بمساعدة طيران التحالف الدولي الذي قصف الخطوط الخلفية وتحصينات مرتزقة داعش الإرهابي فاستطاعوا تحرير القرية ودحرهم بسواعد قوات سوريا الديمقراطية وسط مشاهد مروعة.

خرج منْ بقي من الأهالي الأحياء ليشاهدوا المجزرة الوحشية بحق أبناء جلدتهم فانبهروا من قسوة المشاهد المؤلمة ولم يكن هناك أي وسيلة للنقل أثناء القتال، مما اضطر المقاتلون إلى نقل الجرحى بين البيوت بعربة بدائية/ عربة دفش بسبب غياب وسائل النقل واشتداد المعارك. وعمد الأهالي إلى دفن معظم الشهداء في مقابر جماعية في قرية بوزكييج وشويحة فيما كان أسلوب القتل عن طريق الرصاص الحي بطريقة الإعدام الميداني وسط البيوت وتعرض الأهالي بما فيهم الأطفال إلى تصفية في حادثة تاريخية لم تذكر من قبل لجرائم داعش الإرهابي.

مناشدات مصابي المجزرة

لم تمض مجزرة البوير دون أن تترك العديد من الإصابات أو الإعاقات الدائمة أو شبه الدائمة، وهم وفق الحالات المسجلة على الشكل الآتي (وفاء خليل الحسين/ من ذوي الاحتياجات الخاصة – وأبنائها الثلاثة وهم علاء وولاء ووسام- عمر زكريا العبيد/ إعاقة كتف نتيجة الرصاص- يوسف محمد الموسى/ إعاقة كاملة وشلل عقلي بعد مشاهدة أهله يقتلون أمامه – محمد حاج الحسين/قطع أصابع – محمد الحفني – موفق حاج الحسين – محمد أمين حاج الحسين/ بتر أصابعه – جميلة الموسى بنت عبد اللطيف).

وناشد ذوو المصابين والاحتياجات عبر صحيفتنا “روناهي” أن تتدخل المنظمات الإنسانية للوقوف على حالهم وتقديم احتياجاتهم الصحية والمعيشية وسط ظروف اقتصادية صعبة تشهدها عوائلهم.

ويجدر بالذكر أن الجمعية التركمانية تهتم برعاية المكون التركماني بغية الحفاظ على موروثهم وعاداتهم ولغتهم من الاندثار والزوال في حلْقة من حلقات تعايش الشعوب، وتقدم العديد من الإسهامات الاجتماعية الهادفة إلى خدمة تطلعات المجتمع في مواكبة التطور والحداثة، مثل افتتاح دورات للغة الإنكليزية والحاسوب والخياطة وغيرها إلى جانب إلقاء محاضرات ودراسات بحثية هامة كدراسة لتاريخ المكون التركماني في سوريا وإجراء إحصاء سكاني للشعب التركماني في مدينة منبج وريفها، ومشروع دراسة الضحايا المفقودين والمتوفين في فترة سيطرة مرتزقة داعش.

وخلصت الدراسة هذه إلى أن حقبة مرتزقة داعش التي سيطر فيها على مناطق واسعة من سوريا عموماً ومناطق شمال وشرق سوريا خصيصاً من أسوأ العصور السوداء في تاريخ سوريا، قديمه وحديثه، لما فيه من مجازر يندى لها جبين الإنسانية، وما مجزرة البوير سوى شاهد على ذلك ومثلها العشرات من المجازر، أبرزها مجزرة كوباني.