مآلات تغيير الخارطة العسكرية في عفرين بعد غزوة النصرة

غاندي اسكندر_

بين ليلة وضحاها، سيطر مرتزقة (جبهة النصرة)، أو ما يعرف بهيئة تحرير الشام، والمصنفة تنظيماً إرهابياً من قبل المجتمع الدولي على مدينة عفرين، بعد طردها فصيلي الجبهة الشامية، وجيش الإسلام، ومرتزقة الفيلق الثالث المنضوي تحت ما يسمى (الجيش الوطني السوري) المرتبط بتركيا، والمدعوم منها، أحداث دراماتيكية وتغيير لحدود الخارطة العسكرية، قابله صمت تركي  حيال ما جرى؛ ما يوحي، أن ما حصل مرتبط إلى حد ما بالتغيرات، التي طرأت على السياسة التركية، ولاسيما فيما يتعلق باستدارتها نحو دمشق، فعفرين، التي باتت بيد سلطة جديدة، ستفرز واقعا قد يغير ترتيب المنطقة، وإدارتها سياسيا وعسكريا.

دخول مرتزقة النصرة على الخط

على أثر استمرار اغتيال الناشط الإعلامي (محمد عبد اللطيف أبو غنوم) وزوجته في مدينة الباب المحتلة، بتاريخ السابع من تشرين الأول الجاري، وثبوت تورط عناصر تابعة لمرتزقة فرقة (الحمزة) بعملية اغتياله؛ نتيجة لذلك شهدت مدينة الباب سيطرة لفصيل فيلق الشام على مقرات فرقة (الحمزة)، من أبرزها الكلية الحربية، ومدرسة الزراعة في مدينة (الباب)، لترد فرقة الحمزة بهجوم، وقصف طال أجزاء من المدينة، لكن نطاق المواجهات توسع مع دخول (جبهة النصرة) هيئة تحرير الشام الإرهابية، التي يتزعمها محمد الجولاني في المعمعة الدائرة هناك، حيث توجهت أرتال ضخمة من مناطق سيطرتها في إدلب، وريف حلب الغربي باتجاه أرياف عفرين المحتلة، بهف مساندة فرقة الحمزة، التي ينتمي غالبية مسلحيها للقومية التركمانية، وهي إحدى أبرز الجماعات الموالية لتركيا، والتي تقوم بتجنيد مقاتلين لصالح الاستخبارات التركية للقتال خارج سوريا، فاشتبكت أرتال النصرة مع فصائل مساندة للفيلق الثالث عند معبر( دير بلوط)، وامتدت فيما بعد إلى قرية (الباسوطة) حيث استخدمت في الاشتباكات الدبابات، والأسلحة الثقيلة، وقذائف الهاون، وسيطرت الهيئة على عدد من البلدات والقرى، جنوبي عفرين، وأدت الاشتباكات إلى قطع التيار الكهربائي بالكامل عن منطقة جنديرس، ومقتل العشرات من الطرفين، وعلى وقع الاقتتال سيطر مرتزقة جبهة النصرة، بشكل كامل على مدينة عفرين بتاريخ 13/10 بعد انسحاب الفيلق الثالث، والجبهة الشامية، وجيش الإسلام إلى بعض نقاطها على تخوم بلدة كفر جنة، ومدينة إعزاز.

ترتيب للأدوات والأوراق

دون أدنى شك أن دخول (جبهة النصرة) الذراع السوري لتنظيم القاعدة، والمصنفة على لوائح الإرهاب العالمي إلى عفرين المحتلة، تحت مرأى ومسمع القوات التركية، التي لم تحرك ساكنا لوقف الاقتتال أو التدخل لفض الاشتباك؛ يجعل هذا التطور القتالي لأنقرة دوراً فيما يجري، إن لم تكن هي نفسها من أعطت الأوامر بالهجوم، فالجولاني الابن البار لتركيا لا يتجرأ على التقدم قيد أنملة في أي منطقة دون إذن وإشارة من الاستخبارات التركية، فهو السوط التركي، الذي يستخدم لتأديب الفصائل، التي تفكر في التمرد والتغريد خارج السرب التركي وسياسته، فتسعى تركيا من خلال سيطرة النصرة على عفرين، وباقي المناطق إلى تعزيز موقفها التفاوضي مع حكومة دمشق، فوجود فصيل واحد تحت راية وقيادة واحدة يمكن البناء عليه في مراحل لاحقة؛ لخلق تشكيل عسكري موحد يمكن تسويقه على أنه ممثل عن الفصائل المعارضة، من ناحية أخرى المأمول وفق مخططات دائرة الاستخبارات التركية من سيطرة جبهة النصرة على المناطق الخاضعة لها، تشكيل طوق أمني إرهابي، أو حزام أسود ميال لها، وطوع بنانها وقت الحاجة على خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية في جبهات تل رفعت، ومنبج والباب، وريف كوباني الغربي، كما ترمي إلى تربية بعض الفصائل العسكرية، التي لها ارتباطات مع بعض دول الخليج كالجبهة الشامية، وجيش الإسلام، التي يُقال: أنهما كانتا رافضتين لتجنيد المرتزقة  للقتال، لصالح المصالح التركية في جبهات (ليبيا، وناكورني كارباخ في أذربيجان) والتي كان لها دور أيضا في المظاهرات، التي خرجت رفضا للمقترح التركي، الذي طالب المعارضة بالتصالح مع حكومة دمشق، وفي السياق ذاته، تريد تركيا إرسال رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف حجر عثرة أمام التحركات التركية في الملف السوري، ولاسيما أن الولايات المتحدة الأمريكية مددت حالة الطوارئ الوطنية حول سوريا، حيث تضمن القرار، الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن ربطا بين مكافحة مرتزقة داعش، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، والتهديدات التركية بشن هجوم على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الأمر، الذي رفضته تركيا.