دجوار أحمد آغا-
كردستان .. وطن الكُرد الأزلي
مثلها كمثل بقية دول العالم فهي تُسمى كردستان أي أرض الكُرد أو وطن الكرد (أفغانستان – باكستان – أوزبكستان – طاجيكستان – كازاخستان_ أرمنستان …). لكن أصحاب هذه الأرض لم ينعموا بالأمن والأمان والاستقرار سوى لفترات قصيرة نسبياً مقارنةً ببقية شعوب منطقة “ميزوبوتاميا” بلاد ما بين النهرين والتي تُعتبر قلب الشرق الأوسط.
الأسباب كثيرة منها ما هو متعلق بالموقع الجيوستراتيجي المتميز لهذه البلاد إضافة إلى غناها الكبير بالثروات الطبيعية كالغابات والمياه والبترول الخام والحديد والكروم والغاز الطبيعي…. هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك أسباب تتعلق بالإنسان الكردي نفسه، طبيعته أسلوبه في الحياة طريقة تعامله مع الغير، وهذه من أهم الأسباب التي دفعت بدول الهيمنة العالمية للتوجه إلى هذه المنطقة وقمع الإنسان الكردي وعدم السماح له بالاستقرار وجعله في حالة حرب شبه دائمة.
الكُرد.. صفاتهم ومآثرهم وانفتاحهم على الآخر
الكُرد شعب مسالم يسكن أرضه منذ قدم التاريخ ولم يترك مسكن آبائه وأجداده -إلا في زمننا المعاصر – حتى ذهب البعض إلى ذكر معنى كلمة “كُرمانجي” ـ على سبيل المزاح- بأنها تعني (كُرد مان لجي، أي بقي الكرد في مكانهم).
الكرد شعب محارب شجاع ويُحب القيادة حيث نرى عبر التاريخ الكثير من الأمثلة على ذلك لعل أبرزها قيادة الكرد الميديين تحالف الشعوب ضد ظلم وطغيان الإمبراطورية الآشورية والانتصار عليها في نينوى سنة 612ق.م.
الكرد شعب محب للسلام وللعيش المشترك ومنفتح للحوار والتواصل مع المجتمعات المجاورة وليس شعب منغلق على ذاته، والأدلة كثيرة، نفرتيتي الأميرة الميتانية ابنة الملك الميتاني آرتاتاما التي هي رمز مميز للمرأة الجميلة والقوية لدى شعب مصر بعد أن تزوجت من الفرعون امنحوتب الرابع “أخناتون”.
الكرد شعب متفاني يحب ويحترم الصداقة والعيش المشترك ولديه ميزة الإيثار أي تفضيل الشخص على نفسه والأمثلة من التاريخ كثيرة حول المآثر التي قام بها الكرد فمن صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس وبلاد الشام ومصر وأرسى فيها نظام حكم جديد يعتمد على التسامح والعدالة والمحبة مروراً بأبو مسلم الكردي الذي وطد وثبت أسس وأركان الدولة العباسية وصولاً إلى العصر الحديث والذي يزهر ويعج بالكثير الكثير من العلماء والأدباء والساسة والمفكرين والشعراء الكرد الذين قدموا خدمات جليلة لشعوب المنطقة، نذكر منهم على سبيل الذكر وليس الحصر: أحمد شوقي – محمد كرد علي – محمد علي العابد – قاسم أمين – بديع الزمان النورسي – خالد بكداش – يشار كمال – كمال جنبلاط – جميل صدقي الزهاوي …. القائمة تطول.
الرؤية المُغايرة للحقيقة
رغم كل هذه الخدمات الجليلة التي قدمها الكرد لشعوب المنطقة وأخص بالذكر (العرب – الفرس- الترك) إلا أنهم كانوا ينظرون إليهم بمنظار المحتل والمستعمر الذي زرع فكرة أن الكرد هم أعداء هذه الشعوب وأنهم يسعون إلى اقتطاع أجزاء من أراضي دولهم التي تم تشكيلها وفق معاهدات استعمارية خلال تقسيم المنطقة وبقي الكرد بدون وطن مشتتين ومتوزعين بين عدة دول.
هذه الفكرة التي عشعشت في أذهان غالبية شرائح وفئات هذه الشعوب – حتى المثقفين اليساريين- أتت من خلال الترويج لها وبشكلٍ ممنهج من جانب الأنظمة المغتصبة لكردستان هذه الأنظمة التي اعتمدت سياسة المستعمر “فرق تسد” مضيفةً إليها كل ما تفتق عنه ذهنها المريض والمتعصب الأعمى من أساليب وحشية ومنافية للإنسانية كحرق وهدم وتدمير الآلاف من القرى والبلدات والغابات وإحداث التغيير الديمغرافي من خلال التهجير القسري وغيرها.
معركة تشالديران 1514
الصراع على توسيع مناطق النفوذ والسيطرة على المزيد من الأراضي كان دائماً سيد المواقف بين القوى العالمية المهيمنة والتي تتحكم بمصير العالم، لم يكن الشرق الأوسط استثناء فكان هناك الشاهنشاهية الصفوية وإلى الغرب منها السلطنة العثمانية حيث تتقاسمان المنطقة وكنتيجة طبيعية لحب السيطرة والاحتكاك المباشر جرت معركة مفصلية بينهما بتاريخ 23 آب 1514 في منطقة تشالديران كان الدمار الأكبر من نصيب كردستان التي جرت المعركة على أرضها وكان القسم الأكبر من جنود الطرفين من الكرد أنفسهم، وبسبب وقوف الأمراء الكرد إلى جانب العثمانيين السنّة في وجه الصفويين الشيعة، رجحت كفة السلطان سليم الأول على الشاه إسماعيل الصفوي وانتصر في هذه الحرب.
قصر شيرين والتقسيم الأول لكردستان
كان من نتائج هذه الحرب أن تمددت السلطنة العثمانية باتجاه الشرق وضمت بالتالي معظم مناطق كردستان إلى سلطنتها مُبديةً استعدادها إلى إبقاء الامتيازات التي كانت للأمراء الكرد وشبه استقلالهم في إدارة مناطقهم وفق ما اتفق عليه مع إدريس البدليسي المفوض من جانب الأمراء الكرد. لكن السلطنة العثمانية والشاهنشاهية الصفوية لم يكونوا قد اتفقوا بعد على ترسيم الحدود بشكل رسمي بينهم وتم ذلك بعد مفاوضات استمرت 13 يوماً وتشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود الفاصلة بين الطرفين بطول 2185كم وبذلك تم تقسيم كردستان للمرة الأولى عبر التاريخ بموجب معاهدة قصر شيرين (معاهدة زهاب) التي وقّعها الجانبان في 17 أيار سنة 1639.
التقسيم الثاني لكردستان .. سايكس – بيكو
اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، كانت اتفاقًا وتفاهمًا سريًا بين فرنسا وإنكلترا وروسيا القيصرية على تقاسم النفوذ في منطقة ميزوبوتاميا بعد ثورة العرب بقيادة الشريف حسين وبتحريض من الإنكليز وتخبط السلطنة العثمانية ووصفها بالرجل المريض إثر الحرب العالمية الأولى والتي كانت تشير النتائج إلى خسارة ألمانيا وحليفتها السلطنة العثمانية، حيث جرت مفاوضات سرية بين الأطراف الثلاثة حول توزيع مناطق النفوذ وتقسيم المنطقة بموجب مصالح الأطراف الثلاثة فحصلت فرنسا على (سوريا ولبنان) وإنكلترا على (العراق ولواء الموصل “إقليم كردستان” وفلسطين وشرقي الأردن) وروسيا على (أرمينيا الغربية ومناطق من باكور كردستان). وقّع الاتفاقية كلاً من مارك سايكس عن الجانب الإنكليزي وجورج بيكو عن الجانب الفرنسي وسازانوف عن الجانب الروسي. بقيت الاتفاقية سرية بانتظار انتهاء الحرب للبدء بتنفيذها. لكن؛ ما جرى في روسيا من ثورة اشتراكية بقيادة لينين والاستيلاء على السلطنة فضحت وكشفت الأساليب الخبيثة والقذرة التي تستخدمها القوى الاستعمارية للسيطرة على الشعوب وتقسيم أوطانها.
انتهاء الحرب العالمية الأولى وتشكيل عُصبة الأمم
إثر انتهاء الأعمال القتالية بين الدول المتحاربة في الحرب العالمية الثانية تم الجلوس إلى مائدة الحوار والمفاوضات لتقاسم مناطق النفوذ وتنظيم قواعد حكم العالم وحل النزاعات بحيث يُمنع نشوب حروب عالمية أخرى وتم الاتفاق بين الدول المنتصرة في الحرب في معاهدة فرساي 29 نيسان 1919 على تشكيل عصبة الأمم مستندة إلى ثلاثة مبادئ أساسية وهي:
-
ضمان الأمن الجماعي.
-
ضمان التعاون الوظيفي.
-
تنفيذ بنود معاهدات السلام.