عندما تُصنعُ الحياةُ من الموتِ (الكريلا)

غاندي إسكندر

على وقع الحرب الضروس، التي تدور رحاها في مناطق الدفاع المشروع، بين قوات حماية الشعب (الكريلا)، وجيش الاحتلال التركي، ينبري في ساحات القتال مفهوم المقاومة والروح الفدائية العالية، التي يتحلى بها تلامذة الشهيد القائد معصوم قورقماز (عكيد).

فمنذ أكثر من أربعة قرون، على الرغم من امتلاك دولة الاحتلال التركي ترسانة عسكرية من أحدث أنواع الأسلحة المتطورة، واستخدامها مؤخراً الأسلحة المحرمة دولياً، إضافة إلى تلقيها العون والمساعدة المادية والاستخباراتية من دول الناتو، وقوى الرأسمالية العالمية، إلا أن الاندحار وجر أذيال الخيبة، هي التي (مُني) بها ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي أمام الضربات الموجعة، التي تلقاها، ويتلقاها يوميا من فدائيّ القائد عبد الله أوجلان.

عرف تركيا في التهميش متمثلٌ منذ أرطغرل

 سجل مخضب بالدماء، وتاريخ من القتل، وعمليات الإبادة، وصهر الشعوب في بوتقة (التتريك)، هي التي تحتفل بها ذاكرة الشعوب، التي تشاركت العيش مع الأتراك القادمين من آسيا الوسطى، الذين استقروا في الجغرافية المسماة زوراً (تركيا)، فما زال الشعب الأرمني المسيحي، والعالم أجمع  يستذكرون المحرقة الأرمنية، وعملية القتل الجماعي والممنهج، التي حصلت على يد حكومة جمعية الاتحاد والترقي، خلال الحرب العالمية الأولى، والسنوات التي تلتها، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من مليون ونصف أرمني، عدا تهجير أكثر من 800 ألف آخرين، جلهم من النساء والأطفال، فيما عرفت بـ (مسيرات الموت).

 كما أن الشعب اليوناني إلى يومنا هذا، لم ينس قصص المذابح، التي جرت بحق (اليونانيين البونتيك)، فضلا عن تدمير المعالم المسيحية الأرثوذكسية الثقافية والتاريخية، والدينية، ما بين أعوام 1919 -1922 ومنذ مذبحة (ديرسم)، التي وقعت بين عامي 1937-1938والتي راح، على إثر عمليات الإبادة بحق الشعب الكردي في المدينة، ثلاثون ألف شهيد، لم يندمل الجرح الكردي، حيث يستمر في النزيف، وعندما أعلنت حركة حرية كردستان بدء الكفاح المسلح في منتصف ثمانينات القرن الماضي، تحديدا في الخامس عشر من آب، عام أربعة وثمانين، وتسع مائة، وألف، ضد دولة الاحتلال التركي؛ وذلك نتيجة تماديها في انتهاكاتها الهمجية ضد السكان والمدنيين الكرد، فقط لمطالبتهم بهويتهم الكردية، وإحياء تراثهم وثقافتهم وممارسة عاداتهم وتقاليدهم، فقد دمر الجيش التركي الفاشي ما يزيد عن أربعة آلاف قرية كردية في (آمد وشرناخ وبوطان  وباطمان وسلوبي ووان وكربوران وبينكول) وغيرها من مدن وقرى باكور كردستان، واتبع السياسة التي لا يتقن غيرها، وهي سياسة الأرض المحروقة، كما هجّر مئات الآلاف من الشعب الكردي، إلى المدن التركية الرئيسية، ويستمر في حرب الإبادة، الذي أعلنها منذ قرن ضد الشعوب المجاورة له، رغبة منه في إنهاء هويات الشعوب الأصلية في كردستان والمنطقة برمتها، فالهمجية وسحق الشعوب وإنكار الحقوق، عرفٌ تركيٌّ متبعٌ منذ أيام أرطغرل مرورا بعثمان، وسليمان القانوني، وعبد الحميد الثاني، وجمال باشا السفاح، وكنعان إيفرن، وأجاويد  انتهاء بالطاغية أردوغان.

استخدام الأسلحة المحرمة دوليا

 استمرارا لمسلسل حرب الإبادة، التي أعلنتها دولة الاحتلال التركي ضد الشعب الكردي، فلم يبقَ نوع من السلاح إلا واستخدمته تركيا في كردستان، ولاسيما في مناطق الدفاع المشروع، وللتغطية انكساراتها المذلّة في حملاتها العسكرية المتلاحقة، تحت مسمى (المخلب، ومخلب النسر، وقفل المخلب) التي تم إطلاقها منذ السنة المنصرمة، فقد أكدت قوات (الكريلا) أن الجيش التركي قد استعمل الأسلحة المحرمة دوليا ضدها، وخلال بيان للمركز الإعلامي لقوات حماية الشعب بتاريخ 9/8/2022ذكرت فيه: “أنه في الثامن من آب المنصرم قصف الجيش التركي أنفاق الحرب في ساحة المقاومة في (تلة إف إم) بالقنابل النووية التكتيكية، والأسلحة الكيماوية، والقنابل الفوسفورية، وفي التاريخ نفسه، تم قصف (ورخيله) ثلاث عشرة مرة بالأسلحة المحرمة دوليا” وفي السنة الماضية، أيضا استخدم الجيش التركي أمام أنظار العالم، الذي التزم الصمت الأسلحة الكيمياوية في مواجهة المقاومة التاريخية لقوات الكريلا، ووفقا لبيان وإحصائيات المركز الإعلامي لقوات حماية الشعب، “تم استخدام السلاح الكيمياوي 367مرة على الأقل، وعلى إثرها استشهد أربعة عشر مقاتلا، ومقاتلة من الكريلا”، ولم يسلم من ذلك القصف المدنيون باشور كردستان، حيث لفت الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار ياور، أن الجيش التركي قد توغل داخل باشور كردستان، بعمق خمسة وأربعين كيلومتراً، هذا التوغل أدى إلى تهجير سكان 450 قرية كردية، فتركيا نتيجة لانهيار جيشها أمام المقاومة الأسطورية لقوات الكريلا، ولإدراكها وشعورها بالهزيمة المريرة، التي تتكبدها يوميا رغم الدعم الذي تتلقاه، ولأنها تشعر أن خياراتها التقليدية، قد نفدت منها وما عادت مفيدة لها، فتبادر إلى الاستخدام المفرط للأسلحة، التي حرمها المجتمع الدولي، والتي تتسبب في إعاقة، وقتل الحياة لأجيال وعقود عديدة، وتحوّل أراضي كردستان الخضراء إلى صحراء قاحلة.

تواطؤ الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الاحتلال التركي

 للأسف بات الحزب الديمقراطي الكردستاني الحزب، الذي يضع العراقيل، ويشارك في المؤامرات، والمخططات، التي تستهدف الشعب الكردي في الأجزاء الكردستانية الأربعة، عبر عقد اتفاقيات مع دولة الاحتلال التركي الغاصبة لكردستان والتواطؤ معها؛ لشن هجمات مشتركة على قوات الدفاع الشعبي (الكريلا)، ففي الآونة الأخيرة كان له دور في استشهاد العشرات من مقاتلي الكريلا، ففي الخامس من شهر أيلول الحالي، تعرضت مجموعة من مقاتلي (الكريلا) مكونة من خمسة مقاتلين لهجوم بطائرة مسيرة في منطقة (خليفان)، تبعه هجوم بري شنه مقاتلو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونتيجة للهجوم الجوي بالاشتراك مع بيشمركة (البرزاني)، ارتقى اثنان من قوات (الكريلا) إلى مرتبة الشهادة، وجرح ثلاثة مقاتلين آخرين، وأحيانا كثيرة تتخذ قوات البيشمركة موقع رأس الحربة في الهجمات، التي يشنها المحتل التركي من قواعده المنتشرة في باشور كردستان في مناطق الدفاع المشروع، كما يساهم علنا دون خجل في فك الحصار عن جيش الاحتلال التركي، ويفتح له ممرات آمنة، لاسيما في المناطق، التي يتعرض فيها المحتل لضربات موجعة في  (زاب ومتينا وآفا شين) ومؤسف القول: “أن الطبقة الحاكمة في هولير، قد تحولت إلى أداة رخيصة بيد السلطات التركية، وتشارك بنشاط وفعالية في ضرب النضال التحرري الكردي، ومكتسباته لاسيما في (باكور كردستان وروج آفا) ويعكر صفو الأجواء في (روجهلات) حسب مقتضيات السياسة الأردوغانية، وعلى مدى السنوات والعقود الماضية إلى يومنا هذا عمل، ويعمل هذا الحزب من أجل تصفية أية حركة أو شخصية تخدم المصالح الوطنية للشعب الكردي، فـ400 ألف من الكرد الإيزيديين شهود عيان على تخلي الحزب الديمقراطي الكردستاني عنهم، وتركهم يواجهون مصيرهم في جبل (شنكال) الوعر وحدهم أمام هجمات إرهابيي داعش،  قبل ثماني سنوات، فيبدو أن مهمة الحزب الديمقراطي الكردستاني الوحيدة هي، إلحاق الأذى  بالكرد والمشاركة في قتلهم إلى جانب الأعداء وتصفية، واعتقال المطالبين بالحرية، والعمل على جر حركة الحرية الكردستانية إلى حرب أهلية لا يستفيد منها سوى المحتل التركي الغاشم وأعداء الشعب الكردي.

(زاب – متينا- آفاشين) ملاحم من البطولة والفداء

 باتت مناطق المقاومة (زاب، متينا، آفاشين، ورخيله، خليفان، خاكورك) أساطير خالدة من المقاومة تحفر تفاصيلها بحروف من ذهب في قلوب ووجدان وفكر الشعب الكردي، المناضل ضد الغطرسة التركية، فالمحتل التركي كلما زاد من هجماته وتضييقه على مقاتلي الحرية، يزيد المقاتلون من وتيرة ونبرة المقاومة، وتزداد خسائر المحتل، وقد مني مؤخرا بإخفاق كبير جدا في معظم جبهات القتال المحتدمة، فعلى الرغم من اتباع سياسة الأرض المحروقة، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، إلا أن صناعة الحياة من الموت، والقسم على قهر العبودية، على ذرا وسفوح جبال الحرية، هي التي دوما تضع النهايات السعيدة لكل معركة مع العدو، فالعنف الثوري، والقتال بلا هوادة في سبيل رفع الغبن، والظلم والاستبداد عن المجتمع الكردستاني، قد تحول عند معتنقي فكر الحرية، الذي أرساه القائد عبد الله أوجلان من موضوع إطلاق الرصاص إلى ذخيرة، وأداة قتالية ممثلة بالتضحية بالجسد للعبور إلى مرافئ الحرية، التي تنشدها الشعوب المقهورة بفعل الاستبداد التركي، ولاشك أن الاستبسال في ساحات المعركة ضد أعداء الشعوب والإنسانية يلقي بظلاله على المنطقة ككل وتبرز أهمية الحرب العادلة، التي تخوضها حركة حرية كردستان، فهذه الحرب تفشل كل يوم مخططات المحتل التركي المتمثلة في إركاع الشعوب، وإعادتها إلى المربع الأول إبان فترة الاحتلال العثماني للمنطقة، وبالتالي إحياء العثمانية الجديدة، وتطبيق الميثاق الملي التركي حسب ما يتمنى الساسة الترك من العثمانيين الجدد، لكن لم يتحقق إلى الآن أي من أهداف أنقرة بفضل التضحيات الجسام لقوات الكريلا، وامتلاك إرادة المقاومة، والإصرار الثوري على النصر على الرغم من خطورة المرحلة التاريخية الصعبة، التي تمر بها المنطقة عامة.