عدنان عزو: “يجب مشاركة الشعوب السورية كافة في الحوار؛ لأنه مسألة مصيرية”

حوار/ هفال ابراهيم –

في حوار أجرته صحيفتنا مع رئيس مكتب حزب المحافظين الديمقراطية عدنان عزو دارت محاوره حول ما يجري في هذه الأيام فيما يخصُّ محافظة إدلب وما ستؤول إليه الأمور هناك، واللقاء الذي جرى بين مجلس سوريا الديمقراطية والنظام السوري، وانتهاكات الجيش التركي ومرتزقته في عفرين والوضع في الشمال السوري وسوريا بشكلٍ عام، وبعض المواضيع الأخرى التي تتعلَّق بالوضع العام في سوريا والمنطقة، حيث قال: “إن الحديث عن الحسم العسكري في إدلب يتوقَّف على التوافقات الدولية ومن ثم التوافق التركي الروسي، وأن تركيا هي من تدير المدينة مع جبهة النصرة الإرهابية وإنْ حدثت معركة فستكون بالتوافق بين الروس والأتراك، وحزب المحافظين يدعم أيَّ حوارٍ بين السوريين على شرط أن يؤدي إلى وقف نزيف الدم السوري”.

وأكد على أنَّ المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية رهينة السياسات الدولية وأن هذه المنظمات ليس لديها أية سلطات تنفيذية تُلزم تركيا ومرتزقتها بالخروج من عفرين ومعاقبتها على أفعالها المشينة هناك، وأن تذرُّع الأمريكيين باحتجاز القس لا أساس له؛ لأن هناك أسباب أخرى وأهمها على الإطلاق التقارُب التركي ـ الروسي، وأنَّ خروج إيران من الأراضي السورية شبهَ مستحيلٍ لأنَّه مسألة مصيرية بالنسبة لها. وكان الحوار على الشكل التالي:

ـ تتوجه الأنظار في هذه الأيام صوب إدلب ومعركتها الوشيكة، برأيكم هل اقتربت ساعة الصفر والحسم في المدينة؟

إنَّ الحديث عن الحسم العسكري في إدلب متوقفٌ على التوافقات الدولية حول هذا الموضوع، ومن ثم التوافق الروسي ـ التركي؛ لأنَّهما من يديران هذا الملف، ونعلم جميعاً أن التواجد التركي في إدلب تواجدٌ مباشر وفعليٌّ على الأرض، من خلال وجود قوات عسكرية تركية من عناصر وخبراء ومستشارين، وجميع صنوف الأسلحة ومعداتها، بالإضافة إلى التحشيد الإضافي الذي تحشده الدولة التركية قبالة إدلب. بالطبع النظام السوري يهدد بدخول المدينة وتقدم قوات النظام السوري سيكون حتماً بدعم وقيادة روسية، ما قد يؤدي إلى تأزُّم الوضع بين تركيا وروسيا وإلى صدام بين الدولتين، وحرب مباشرة بين أنقرة وموسكو، قد تكلِّفهما الكثير. وتركيا تعتبر قوة إقليمية كبيرة في المنطقة وقد تكون لذلك حسابات عند الروس، حيث تعتبر تركيا ثاني أكبر قوة في الناتو ونتيجة تعامل الدولة التركية مع الروس أثَّرت على علاقاتها مع الحلف أولاً، ومع واشنطن ثانياً. وبإمكاننا القول: إنَّ هناك اتفاقاً بين الطرفين على شكل العملية العسكرية إن حدثت، إذ أن الفصائل المسلحة المتواجدة في إدلب ومن ضمنها جبهة النصرة تُسبِّب الكثير من الاحراج لأنقرة، وروسيا تطالب تركيا بفصل الفصائل التي تعدها معتدلة عن جبهة النصرة المصنفة إرهابياً، وقد يكون هذا الطلب بعيد المنال؛ ما يضع الأتراك في موقف حرج لأنَّهم قد يكونون غير قادرين على الفصل بين الفصائل، وهذا ما يُشكِّل ورقة ضغط كبيرة على تركيا، ومن هذه النقطة يمكن أن يكون هناك توافُقٌ مُسبقٌ على شكل العملية وتوقيتها، والنظام من جهته استقدم تعزيزات عسكرية كبيرة نستنتج منها أنَّ هناك عمليةً عسكرية، يبدو ذلك واضحاً حتى من الموقف الأمريكي والذي هدَّد أيضاً بأنَّهم سيعاقبون النظام في حال استخدامه الأسلحة الكيميائية، وبالطبع يمكننا القول: إنَّه لم يعد هناك شيء اسمُه مناطق خفض التصعيد التي كانت إدلب من ضمنها.

ـ هل هناك بوادر مقايضة أو اتفاق بين النظام وروسيا من جهة وتركيا وتلك الفصائل الموالية لها في إدلب من جهة أخرى، هل تتوقعون دق طبول الحرب قريباً؟

الوجود التركي في إدلب وكما نعلم هو الذي يسيطر على الأرض عملياً وهو الذي يُدير المدينة وبمشاركة جبهة النصرة الإرهابية، وكما قلتُ سابقاً عندما تتقدَّم قوات النظام المدعومة روسياً، هذا ما سيخلق إشارات استفهام كثيرة حول وجود اتفاق بين الروس والأتراك، بمعنى إن حصلت معركة هناك ستكون بالاتفاق بينهما، وهناك في الفترة الماضية لقاءات مكثفة بين الجانبين وأغلب الظن أنَّهم إن لم يتوصلوا إلى اتفاق فسيحاولون الوصول إليه، لتجنُّب الحرب. وأعتقد أنَّه من غير الممكن أن تصطدم روسيا وتركيا مباشرةً، لاعتبارات هامة وفي مقدمتها الخلافات الأمريكية ـ التركية في الآونة الأخيرة والتي أدَّت إلى سوء العلاقة بين الطرفين، كما أنَّ إدلب أصبحت مكاناً لصراع المصالح الدولية والإقليمية، ولذلك قد تحسب حسابات للقوى الدولية الأخرى كالتحالف الدولي في سوريا، وقد تكون هناك معركة ومناوشات ولكن ليست بتلك الضراوة التي يتخيَّلُها البعض وتكون قد تمَّ الاتفاق على سيناريو المواجهات مسبقاً.

 ـ في الفترة الماضية كانت هناك لقاءات ومشاورات بين مجلس سوريا الديمقراطية والنظام السوري، كيف تنظرون إليها وهل لديكم ملاحظات؟

نحن في حزب المحافظين الديمقراطي مع أي حوار وطني وندعمه بقوة وبخاصة عندما يكون بين السوريين، ويؤدي إلى نتائج ملموسة ويهدف إلى وقف نزيف الدم في سوريا، ونحن مع مبدأ الحوار. لكن على أنْ الحوار على أسسٍ واضحة المعالم ومبنيٍّ على عدة نقاط ومنها: أولاً من حيث التمثيل ومن الجانبين فمجلس سوريا الديمقراطية يجب أن يشارك الجميع في هذا الحوار الذي يتوقف عليه مصيرنا، وكذلك النظام عليه أن يكون جدَّياً في التوصل إلى نتائج يمكن الاعتماد عليها في الاستمرار، وما أعنيه أن يتحمَّل الطرفان المسؤولية الكاملة عما سيصدر من قرارات نتيجة اللقاءات.

ثانياً: أن تكون النقاط التي تتم النقاشات حولها واضحة المعالم وأن تناقش جميع الأمور العالقة والأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع المكونات السورية.

ثالثاً: أن يكون الحوار بَنَّاءً وعلى أسس تخدم مصلحةَ الوطن وحمايته أولاً، ومصلحة المواطن وتقديم ما هو ممكن له من متطلبات حياتية هامة.

وبهذا فقط يمكننا السير في الحوار مع النظام، وباعتقادي إنْ كان هناك نيةً صادقة وجادة في الحوار يمكن أن نصل إلى نتائج ملموسة تصبُّ في خدمة الجميع، وتنهي الأزمة السورية.

ـ الجيش التركي ومرتزقته يرتكبون في عفرين وبشكلٍ يومي الكثير من الجرائم، لماذا لا تتدخل المنظمات الدولية والإنسانية لإيقاف مثل هذه الانتهاكات؟

عندما نتحدث عن المنظمات الدولية والإنسانية علينا أن نتكلم عن المصالح الدولية، لأنَّ هذه المنظمات ومع كل أسف رهينة السياسات الدولية المتبعة في المنطقة والعالم بأسره، واحتلال الجيش التركي لعفرين والمدن السورية الأخرى خير دليل على هذه السياسة المتبعة. وما يرتكبه الجيش التركي والمرتزقة في عفرين هو انتهاكات صارخة، وهناك يومياً قتل ونهبٌ وملاحقة وتهجير قسريٌّ، وهذه كلها تجري أمام العالم الصامت وهذا دليل قاطع على أن هناك مصالح اعتبارية للدول الفاعلة على هذه المنظمات التي لا حول لها ولا قوة. وأن المنظمات الإنسانية والمرتبطة بحقوق الانسان ليست مستقلة بالقرار، وليس لها سلطة تنفيذية تُلزم تلك الأطراف بالتدخل عند الحاجة، ما يحد من فاعليتها إزاء الوضع الإنساني والكارثي في عفرين وغيرها من المناطق الأخرى.

ـ العلاقات الأمريكية ـ التركية تراجعت كثيراً في الفترة الأخيرة، ما هي أسباب تدهور تلك العلاقة وإنْ استمرَّت إلامَ ستذهب؟

في الحقيقة ما يجري في هذه الأوقات حربٌ اقتصاديَّةٌ على عدة محاور، فأمريكا فرضت عقوبات صارمة على طهران والسبب التدخلات الإيرانية في الدول المجاورة، ومن ثم توجَّهت إلى تركيا فأصبحت حرباً معلنة عليها. وتذرَّع الأمريكيون بأن سبب هذه العقوبات الاقتصادية هو احتجاز القس الأمريكي وهذا لا أساس له من الصحة، وإنَّما هناك أسبابٌ أخرى ولعل أهمها على الإطلاق التقارُب الروسي ـ التركي ـ الإيراني، ومحاولتهم توسيع النفوذ على الأراضي السورية، والتوافق على إدلب، وصفقة صواريخ إس 400 وهذه هي الأسباب الرئيسة، وهناك أسباب أخرى أكثر أهمية من احتجاز القس الأمريكي، ولكن يبقى الخاسر الأكبر من كلِّ ما يجري على الساحة السورية هو الشعب السوري.

ـ أمريكا تُصِرُّ على إخراج الإيرانيين وميليشياتهم من سوريا، ويبدو أن هناك تفاهُمٌ بينهم وبين الروس، هل سترضخ إيران لهذه الضغوطات وما مدى تأثيرها على الوضع في سوريا؟

عندما نتحدث عن خروج إيران من الأراضي السورية نجد أنها شبه مستحيلة وصعبة للغاية، قد تُحيَّد إيران في بعض المناطق السورية كما حصل في الجنوب، ولكن بالمعنى الكلِّي وخروجها من سوريا هذا يبقى في إطار الأقوال فقط وذلك لعدة أسباب وهي: أنَّ الوجود الإيراني في سوريا ليس وليد اللحظة إنما هو وجود قديم ومنذ تولي الأسد الأب لزمام الأمور في سوريا هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فالوجود الإيراني ليس وجود عسكري فقط، بل وجود أيديولوجي وكما نعلم أن الرئاسة السورية تابعة عملياً لولاية الفقيه في إيران، وهي مرتبطة بها من خلال نشر التعاليم الدينية الإيرانية في سوريا، ومن الصعب خروجها أو تغيير تلك المفاهيم بسهولة. بمعنى يمكننا القول: إنَّ الوجود الإيراني في سوريا بات أمراً واقعاً، ولذلك وقفت إيران إلى جانب النظام في كلِّ ما حدث، وليس خافياً على أحد وجود الحرس الثوري الإيراني على الأرض السورية لأنَّ الصراع في سوريا بالنسبة لها هو صراع وجود وبقاء، وهناك القوات البرية الإيرانية تقاتل بجانب قوات النظام السوري وبات الكل يعلم الاتفاقات التي تجري كل يوم بين الطرفين، وإذا كانت إيران تسيطر على الأرض فروسيا تسيطر على الجو وهما يُكمِّلان بعضهما البعض. نعم أمريكا تطالب الإيرانيين بالخروج من سوريا وتقول: إنَّ خروجَها مرتبطٌ بخروج القوات الإيرانية، وقد تكون جادة لأنَّ اسرائيل تضغط بهذا الجانب وقد يكون هناك نوعٌ من الاتفاق بين الأمريكان والروس، ولكن مع ذلك لا يمكن لروسيا أن تفرض على إيران الخروج من سوريا، فهو لصالحها أيضاً لأنه إنْ لم يكن هناك قواتٌ تحارب على الأرض لا يمكن تحقيق التقدم/ والقوات الإيرانية تقوم بهذه المهمة. ولو كان هناك بالفعل نية لخروج القوات الإيرانية لما عقد اتفاق جديد بين قوات النظام السوري والإيراني بمباركة روسية، وهذا ما يعتبر رسالة للجميع مفادها أنَّ الإيرانيين باقون لأمد طويل، ما يؤدي إلى زيادة الأزمة السورية تعقيداً.

ـ ما هي نظرتكم للوضع في الشمال السوري وسوريا بشكل عام، وهل هناك بوادر حلول في الأفق؟

عندما تحدث أزمات وثورات أو تحت أيِّ مسمى من هذا النوع؛ يحدث فراغ أمني، وتدخل المنظمات الإرهابية وتحتل مناطق النزاعات، وبالمقابل هناك جهات تملأ الفراغ الحاصل وتحارب ذلك الإرهاب وتحافظ على السلم الأهلي، والأمن والأمان وتحقق نجاحات باهرة وتبقى مناطقها خارج دائرة الحرب فهذا شيءٌ كبير. ونحن في إقليم الجزيرة والشمال السوري حافظنا خلال سبع السنوات الماضية، على الأمن وقدمنا الكثير من الشهداء في سبيل العيش والحياة الحرة الكريمة. لذلك لا يحق لأيِّ جهة ومهما كانت ذات قوة نكران ما تحقَّق في مناطقنا وهذا ما دعى القوى الكبرى للتحالف معنا ونحن ننسِّق معاً حتى الآن وسنستمر. أما الوضع العام في سوريا فلا بدَّ أن تقدم الأطرافُ جميعها التنازلات، وبخاصة النظام وما يُسمَّى المعارضة السورية الخارجية، ونحن من جهتنا منفتحون على أيِّ حوار ومع جميع الجهات، والحوار السوري ـ السوري سيكون في المرتبة الأولى للوصول إلى الحلول التي يمكنها أن ترضي جميع الأطراف، والتدخلات الدولية والإقليمية ليست لمصلحة الشعب السوري. ولا بدَّ في النهاية من أنْ يُقرِّر الشعب السوري مصيره بعيداً عن الإملاءات الخارجية، ومجلس سوريا الديمقراطية على استعداد للحوار الجاد، فمن الواجب على النظام السوري تقديم تنازلات تليق بالتضحيات التي قدَّمها الشمالُ السوري. وفي الختام نحن نؤمن بقدرة الشعب السوري على إيجاد الحلول المناسبة، ونؤمن بالعيش المشترك وأخوَّة الشعوب، كما نعتبر التنوُّع السوري حضارة وجمال ومعاً من أجل سوريا لامركزية تعددية موحدة.