رامان آزاد_
يسابقُ أردوغان الزمن لإيجاد متغيرات ميدانيّة في المفصلِ السوريّ يمكنه تقديمها على أنّها إنجازاتٍ كبيرةً فيصرفُ عوائدها في الاختبارِ الانتخابيّ القادم الذي سيُحدد المصير السياسيّ لحزب العدالة والتنمية، وفيما تتواصل اللقاءاتِ الأمنيّةِ مع دمشق في مسعى للتوافق معها في سياق المسار التصالحيّ الذي أعلنه. أدخل إرهابيي هيئة تحرير الشام/ النصرة إلى عفرين المحتلة، رغم أنّه سبق أن صنّفها “منظمة إرهابيّة”.
مساعٍ تركيّة لدمج الفصائل
فهم كلّ عمليّة سياسيّة يحتاج لمراجعةِ السياقِ العام للأحداث، وبالمجمل فإنّ كلّ عملٍ عسكريّ في الميدان تقف وراءه إرادة وقرار سياسيّ، ووفق ذلك يُطرح السؤال لماذا تسعى أنقرة لإيجاد صيغة توحيد للفصائل المسلحة.
لم تنفك الحكومة التركيّة على مدى أشهر تهدد بعملٍ عسكريّ جديدٍ وذلك على لسان أعلى القيادات السياسيّة اعتباراً من الرئيس التركيّ ووزير الدفاع، إلا أنّ أنقرة لم تحصل على غطاءٍ سياسيّ دوليّ، وبخاصةٍ من موسكو، وكانت النتيجة المباشرة لقمتي طهران 18/7/2022 وسوتشي 5/8/2022، والدعوة إلى المسارِ التصالحيّ على مستويين الأول بالسعي لإعادة فتح العلاقة مع دمشق اعتباراً من التنسيق الأمنيّ، والثاني دفع المعارضة إلى التصالح مع دمشق.
كشف موقع ميدل إيست آي البريطانيّ عن مسعى تركيّ لإعادة صياغة الفصائل المسلحة وتوحيدها تحت قيادةٍ مركزيّةٍ وإنهاءِ الحالة الفصائليّةٍ، التي تسبب بالاقتتال والصراع المسلح، وسيُسحب الوجودُ المسلح من المدن، رغم أنّه يفترض أنّها موحّدة في إطار ما يسمّى “الجيش الوطنيّ”، ولكنها ما تنفك تقتتل وتتنافس على السيطرة والنفوذ، وغرقت في الانتهاكات، وكانت أداة تركيّة طيّعة تزجُّ بها في معارك سوريا وحتى في ليبيا وأذربيجان.
تم الإعلان عن تشكيل كيانِ باسمِ “الجيش الوطنيّ” في 30/12/2017، أي قبل العدوان على عفرن بثلاثة أسابيع بتوحيد فصائل مرتزقة ريف حلب الشماليّ، وفي 4/10/2019 أُعلن مجدداً عن تشكيل “الجيش الوطنيّ” بدمج فصائل إدلب، وكان ذلك مقدمة للعدوان على تل أبيض ورأس العين/ سري كانيه.
وجرت محاولاتُ تكتلٍ بأسماء مختلفة من قُبيل “غرفة عزم”، كما تشكلت كلٌّ من “الجبهة السوريّة للتحرير” و”حركة ثائرون” اللتين أعلنتا اندماجهما باسم “هيئة ثائرون للتحرير”، وأخيراً كيانٌ باسم “حركة التحرير والبناء”، وطرأت على كلّ هذه الكيانات متغيراتٌ من انضمامٍ وانسحابٍ.
وبذلك فإنّ كلَّ محاولة توحيد برعاية السلطات التركيّة كانت تحضيراً لعملٍ عسكريّ ضد الكرد، ولم يترافق تهديد أردوغان والمسؤولون الأتراك طيلة الأشهر الماضية بعملٍ عسكريّ بأيّ مساعي تنظيميّة لتحديد المهام والأدوار، ولذلك كان ذلك إشارة أنّ التهديد هو للتهديد والابتزاز، والواقع أنّ متغيراتٍ عديدةً طرأت على الانتشارِ العسكريّ استناداً إلى مجرد التهديد.
كلّ الحكاياتِ التي يروّجها متزعمو المرتزقة عن فتحِ الجبهاتِ مجردُ حكاياتٍ، فقد راكموا ثروات طائلة ولديهم استثمارات بملايين الدولارات في تركيا وحتى دول الخليج، وممنوعٌ عليهم إطلاق الرصاص إلا في إحدى الجبهتين إما الاقتتال الفصائليّ أو ضدّ الكرد.
ما يحدث اليوم متغير جديد، بدخول إرهابيي “تحرير الشام” إلى عفرين والباب، متحالفين مع الفصائل التركمانيّة المقربة من أنقرة، وبعد إقصاء “الجبهة الشاميّة” و”جيش الإسلام”، وهي مجاميع كبيرة والقاسم المشترك بينها أنها خاضت تجربة ركوبِ الحافلات وخرجت من حلب نهاية 2016 وريف دمشق في آذار 2018.
موسكو راضية لدرجةٍ كبيرةٍ عن خروج “تحرير الشام” من إدلب، ليس إلى عفرين وحسب، بل بوصولها إلى مشارف منبج، عبر سيطرة حليفها “حركة أحرار الشام” على جرابلس، ليكون ذلك رسالةً إلى الأمريكيّ بكلفةٍ مجانيةٍ، ومن جهةٍ ثانية هناك انتشارٌ عسكريّ في قرى ناحية شيراوا، أي على مشارف الشهباء، وهي المناطق عينها التي حددتها أنقرة أهدافاً في عمليتها العسكريّة المزمعة.
في المعطى العسكريّ، دفعت موسكو عبر علاقتها مع أنقرة الفصائل للقتال في عفرين ولاحقاً في كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه، في سياق خطة “ضرب الخصم بالخصم”، أي استثمار حالة التسلّح بتغيير وجهة القتال، ولا يُستغرب أن تسعى إلى دفع “إرهابيي الهيئة” لقتال “قسد”.