رؤى النايف-
يكثر الحديث عن العلوم الروحانية وعن حلالها من حرامها، وهل هي صحيحة أم هي باب من أبواب السحر والدجل أم هي علم ولها أساس؟ فكل هذه التساؤلات تترد إلى أذهان الكثير من الناس، وذلك بسبب انتشارها بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث باتت أسلوباً لعمليات الاحتيال والنصب ليتوسع ويصل إلى شبكات التواصل الاجتماعية.
ما هو الطب الروحاني؟
قد يبدو للوهلة الأولى الحديث عن هذا الشي أمراً غريباً، حيث وصلنا إلى التطور العلمي والتقني في كافة مجالات الحياة وخصوصاً أننا في القرن الحادي والعشرين، ولكن الطب الروحاني ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا وحتى في مجتمعات الدول المتقدمة، وتحت ذريعة العلاج بالقرآن وفك السحر وتحسين الرزق وجلب الحبيب ورد المطلقة وعلاج الأمراض المستعصية وغيرها… يختبئ من يسمي نفسه العالم الروحاني أو الطبيب الروحاني أو معالج روحاني خلفه، وأكد علماء الفقه أن هذه التسمية تعتبر غطاء لأعمال السحر والنصب والشعوذة وليس لها مسمى آخر غير ذلك.
وأن الكثير منهم يقحم الدين في المسألة، وغالباً تتم هكذا عمليات داخل الغرف المظلمة، وفي أماكن تكون بعيدة تجدهم يقومون بأعمالهم على أكمل وجه، وبعضهم من تطور أكثر وأصبح علاجه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وحتى القنوات التلفزيونية، فكثيراً ما نرى إعلانات على سبيل المثال: “الشيخ والعالم الروحان (فلان بن فلان).. لفك السحر ورد الغائب وتزويج العانس وغيرها من الإعلانات على هذا الشكل، ويستغل هؤلاء المشعوذون والنصابون النساء والفتيات والرجال الذين يتعلقون بقشة في سبيل تحقيق حاجة ما، دون الإدراك للمخاطر التي يتعرضون لها، وغالباً ما تكون النساء أكثر الفئات المستهدفة لأنهن يستخدمن العاطفة أكثر من العقل، فهنالك من تخاف من زواج زوجها عليها فتلجأ إلى الذهاب لما يسمى بالشيخة، والتي تخاف من تأخر نصيبها… ومسائل عاطفية كثيرة، فتتعلق بحبال الهواء بظنها أنها ستجد ما تتمناه، فتغلب عليهن عاطفتهن ويمشين في درب هؤلاء دون تفكير وجدوى، والغريب بالأمر أن مثل هؤلاء يذيع صيتهم بشكل كبير ويكون لهم سماسرة من أقاربهم ينتشرون ويتغلغلون بين الناس، ويحصل السماسرة على أجرهم من كل زبون يستهدفونه، وينتشر مثل هؤلاء في كافة أرجاء سوريا دون محاسبة من الجهات المختصة إلا في حال تأتي شكوى فردية عليهم.
ويستخدم مثل هؤلاء أموراً كثيرة في التلاعب في عقول من يلجأ لهم، وفي حال استياء أحد الزبائن الذين لم يصلوا إلى مبتغاهم يقومون بابتزازه وتهديده وتخويفه بطرق مختلفة ومهينة وتمس بالشرف، كما يكون التلاعب على الفتيات أوسع لأنهن لا يدركن خطورة الانسياق وراء السحر والشعوذة.
أسباب انتشار ظاهرة الشعوذة
يكاد يكون إيمان بعض النساء بالسحر والشعوذة راسخاً، فالفقر والأمية المرتفعة، وهبوط نسبة الوعي الاجتماعي، وعوامل أخرى كغياب الثقة في النفس هي أقوى الأسباب.
لقد تحطمت عائلات بأكملها وانتشرت مشكلات اجتماعية عديدة بسبب هؤلاء المشعوذين الجهلة والأميين، حيث أن كثيراً من ضحاياهم من الأمهات والنساء اللواتي هن ضحايا الأزمات الاجتماعية وغياب الاستقرار الأسري والفكر العلمي والديني، حيث يقوم المشعوذون بالقراءة عليهن وكتابة الطلاسم مؤكدين أن مفعول السحر يظهر بعد أيام، وبعد طول انتظار يجدن أنه لا جدوى ولا نتيجة وبذلك يشعرن أنهن تعرضن إلى عملية نصب واحتيال، وتعود الأسباب وراء ازدياد هكذا حالات، إلى الجهل والسذاجة والحرب، ففي بعض الأماكن تغيب فيها القوانين ولا يمكن التبليغ عن هكذا حالات، حتى من يقع في حالة نصب من هذا النوع يرفض التحدث عنها وتنبيه من حوله من هؤلاء النصابين والمشعوذين.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارها
كما أن انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ كبير يؤثر على الكثيرين خلف شاشات الهواتف، فأثناء التصفح في المواقع الإلكترونية نرى عبارات هل لديك مشاكل مع زوجك؟ أو هل تودين استعادة حبيبك؟ أو هل تودين الحصول على الخاتم الذي يجعل زوجك ينصاع لكي بشكل تام؟ وغيرها… فيستغلون المسائل أو الأمنيات التي ترغب بها كل فتاة وتتمنى أن تكون حياتها بها سعيدة، فيستجرونها إلى ناحيتهم بهذه الطرق حتى يستغلونها بالصورة التي يرغبون بها والتي تشغل تفكير النساء بشكلٍ خاص والرجال أيضاً كلاً على حد سواء. مما سمح لمن يسمون أنفسهم بـ”الأخصائيين الروحانيين” بتطوير “خدماتهم” وتقديم عروض مع فتح فروع لهم في مختلف الدول بغية استقطاب المهتمين وضعاف النفوس مع خدمة توصيل العمل “السحر” إلى البيوت.
وليس هذا فقط بل يتعدى الأمر إلى أن هؤلاء المشعوذين بدؤوا ينتشرون بصورة غير طبيعية على مواقع التواصل وبدون خجل أو رادع لهم، تركوا القنوات التلفزيونية والتجؤوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث نتفاجأ بكروبات خاصة تحت مسميات مختلفة أو صفحات خاصة تحت مسمى الطبيب الروحاني لرد الحبيب وما شابه، كل هذه المغريات متواجدة لجذب ضحايا باستمرار. بالإضافة إلى تقديم خدمات وعروض لاقتناء الخواتم الروحانية المزينة بأحجار سحرية يزعمون أنها تمنح الزبون الهيبة وتساعده على الخلاص من العقبات التي تتخلل الحياة، ومنها “العنوسة”، فضلاً عن الادّعاء بتوسيع الرزق، والصلح بين المتخاصمين، تحصينات وأحجبة ضد الحسد والعين وغيرها من أمور الدنيا والغيبيات، وأيضاً الخرز أو الشذرات التي تجلب الحبيب..
