خمس سنوات على تحرير منبج.. والمقاومة لا تزال طريق الحرية

منبج/ آزاد كردي ـ

---

بعد مضي خمس سنوات على تحرير مدينة منبج من رجس مرتزقة داعش، لا تزال ذكرى التحرير تسطع في تاريخ 15 آب؛ لتعلن إنهاء حقبة سوداء عاشها الأهالي بتاريخ مدينتهم الحضاري، وليستمر ذلك البهاء بعد سيطرة مجلس منبج العسكري.

بيد أن أهمية استعادة منبج بعد خمس سنوات لا تحسب بالكيلومترات التي تمتد عليها هذه المدينة، بل بموقعها الاستراتيجي بوصفها لفترة من الوقت “العاصمة العسكرية لمرتزقة داعش”. وتولى إدارتها ابن شقيق أبو بكر البغدادي؛ زعيم مرتزقة داعش، ما يشير إلى أهميتها كونها كانت ممراً ونقطة اتصال حيوية بين نقاط تجمعهم في سوريا والعراق.

بعد معارك عنيفة بين عناصر مرتزقة داعش وبين قوات مجلس منبج العسكري نجحت الأخيرة خلال 73 يوماً بطرده بشكل كامل، بعد عامين ونصف من احتلال داعش، ذاق السكان خلالها كل معاني الخوف وشتى أنواع الانتهاكات والجرائم الإنسانية، وكلّف تحريرها ما يزيد عن 500 شهيد وشهيدة والمئات من الجرحى.

أعلن عن تحرير منبج في الخامس عشر من آب عام 2016 م، أعقبه تغييرات مصيرية بالنسبة للاعتماد على مشروع الأمة الديمقراطية في المنطقة، كمشروع سياسي لكل الشعوب، بالإضافة إلى أن تحريرها نقطة تحوّل بمعارك دحر مرتزقة داعش وخصيصاً بمناطق شمال وشرق سوريا فيما بعد وضربة قاصمة للمشروع التركي داخل سوريا.

وبهذا الصدد، التقت صحيفتنا “روناهي” بأحد القياديين بمجلس منبج العسكري، وممن شهدوا معارك التحرير وخاضوا كل تفاصيلها عن كثب ليحدثنا عن انطلاقة حملة التحرير، ومحطات من بطولة الشهيد أبو فيصل، ودروس وعبر من وحي سير المعارك ومواضيع أخرى.

أول الغيث انتصارات

بداية، وحول انطلاقة حملة تحرير منبج، التقينا بالقيادي بمجلس منبج العسكري عمار المازرلي الذي حدثنا عن ذلك بالقول: “أُعدّ للحملة منذ عام 2015م، أي بعد تحرير سد تشرين. وشكل مجلس منبج العسكري بعدد من الكتائب والفصائل مثل كتائب شمس الشمال وثوار منبج وكتيبة الظاظات وكتيبة الحرمين ووحدات حماية الشعب التي شكلت العمود الفقري للحملة والمنضوية بمجلس منبج العسكري”.

وأضاف إلى أن: “كل المقاتلين كانوا من أبناء منبج، أما دور وحدات حماية الشعب فاقتصر على المساندة مثلما نحن قدمنا لهم المساندة بالقتال بمناطق مختلفة من معارك التحرير، هم فعلوا الأمر ذاته في تحرير منبج حيث قاتلنا جميعاً تحت راية واحدة وهو ما أعطى هذه الحملة ميزة لم تكن في سابقاتها من المعارك بأنها تحت قيادة واحدة”.

للبطولة وجه واحد

أما حديثه عن بطولات الشهيد فيصل أبو ليلى، لفت المازرلي إلى أنه، “كان قائداً مغواراً ومخططاً عسكرياً فذاً استطاع أن يقود المعارك بضراوة شديدة وغير مسبوقة. واتبع في كل مرحلة من مراحل المعارك تكتيكاً عسكرياً خاصاً بها حيث اعتمد على تقسيم المقاتلين إلى مجموعات بهدف تسهيل قيادة المعارك وتوجيهها بشكل أقوى إذ أسند إلى مجموعة من المقاتلين أن يخوضوا معارك الريف وكذلك أسند إلى مجموعة أخرى مؤلفة من اثني عشر مقاتلاً مهمة القتال في منبج، وبالطبع أنا واحداً منهم، لمعرفتنا التامة بالنواحي الجغرافية والسكانية الأمر الذي أدى إلى استغلال ذلك بالسيطرة على منبج بشكل عاجل”.

وينعطف المازرلي في ذكر خصال الشهيد فيصل أبو ليلى إلى أن الإصابات التي تعرض لها قبل انطلاق حملة تحرير منبج لم تمنعه أن يفارق ميادين المعارك أو يفارق الجبهات مع العلم كثرة النداءات التي كانت تطلب منه البقاء بغرفة العمليات وقيادة المعركة من الخلف لكنه كان أشد إصراراً على خوض المعارك بنفسه، أضف إلى ذلك أنه “لم يكن باستطاعتنا الاستغناء عنه لأنه كان ملهمنا في القتال والدافع الأول لتلقي دروس في النضال والمقاومة”.

شهامة ومروءة

وإلى مزايا الشهيد فيصل أبو ليلى أيضاً، يضيف المازرلي: “كان الشهيد فيصل أبو ليلى لا يملك أي تفرقة وعنصرية مع أي أحد من المقاتلين سواء عربي أم كردي أم غيره بل كان متشدداً أكثر مع الشعب الكردي حتى لا يساء فهمه من الآخرين ودرءاً لعدم العنصرية كذلك. لقد أدى المقاتلون العرب بلاء حسناً في القتال، وتمكن الشهيد فيصل أبو ليلى توجيههم بشكل مفيد، ومن ذلك؛ أن مجموعة مقاتلة كانوا من مدينة حلب لدى دولة الاحتلال التركي بعدما كانوا يعملون هناك بالحدائق لكنه صنع منهم بأرض المعركة مقاتلين أشداء قدموا غيضاً من فيض من ملاحم البطولة والفداء”.

وحول لحظات استشهاد الشهيد فيصل أبو ليلى، ذكر المازرلي إلى أن، هذه اللحظات تملأ بالشهامة والمروءة حيث وقع مجموعة مؤلفة من ستة مقاتلين بكمين نصبه مرتزقة داعش في قرية خفية أبو قلقل. ولم يتوان عن الاستجابة لنداءات المجموعة لفك الحصار، إذ هرع واستقل سيارة مصفحة دون أن يبالي بما يحدث ونال على أثرها مرتبة الشهادة بأحد المشافي نتيجة تعرضه لصاروخ حراري”.

وأوضح إلى أن: “طيران التحالف الدولي لم يتمكن من التدخل على خط التماس لقرب المسافة بين الطرفين وتفادياً لوقوع خسائر من طرفنا الأمر الذي دفع بمجموعتنا الاثني عشر التي أسند لها مهمة القتال بمنبج إلى تغيير التكتيك وأن نشارك بالمعارك حيث لا يمكن تخيل أن قائدنا استشهد ونحن ننتظر نقطة البدء”.

من وحي المعارك

وعن دروس والعبر التي سطرتها حملة تحرير منبج، يتحدث القيادي بمجلس منبج العسكري عمار المازرلي عن ذلك بالقول: “دفعت الأساليب والممارسات الظلامية لمرتزقة داعش الأهالي أن يقدموا لنا يد العون والمساعدة وربما الثأر أحد الأسباب أيضاً، ومن ذلك كيفية استشهاد كل من الشهيد اسماعيل أبو جاسم، وساتان، وهما من أبناء الأرياف، واستشهد الأخير، وهو من قرية الشبالي، دون وعي منه وهو لا يزال في الثامنة عشر، غير آبه بما يجري من معارك طاحنة بعدما أقدم داعش على قتل أخيه بقطع رأسه بسد تشرين وهو كان أحد أفراد مجموعتي القتالية ومن بين المغاوير الذين يشهد لهم السؤدد بالاقتحامات”.

دروس وعبر

ونوه إلى أنه في أحد المعارك أيضاً، شكلنا بنقطة الشرعية التي تقع غربي مدينة منبج، بالقرب من دوار الشرعية ثلاث مجموعات، إحداها من وحدات حماية الشعب وهذه المجموعات مكونة من ميمنة وميسرة، وسميت هذه المعركة بمعركة كسر العظم. تسللنا في الساعة الثانية ظهراً لكن لم يبدأ الاشتباك إلا بعد الساعة الثالثة حيث تفاجأ مرتزقة داعش بذلك الأمر الذي لم يتوقعه منا أن نجازف بالهجوم”.

وتابع بقوله: “انكشفنا بعد أن داس أحد أفراد طابور قامشلو على لغم أرضي لنقع على أثرها بكمين محكم دام يوماً كاملاً، ولم نجد من البد إلا أن نعتمد على أنفسنا لفك الحصار وهو ما حدث بالفعل ولم يتمكن طيران التحالف الدولي التدخل إلا عبر غارتين جويتين اثنتين، كنا في تلك الأثناء قريبين من التفجيرين الأمر الذي أحدث فجوة بصفوفهم ودخلنا وسط منبج تدريجياً مما سهل عملية إحكام السيطرة على منبج”.

ووصف المازرلي إلى أن، وجود مقاتلين من مدينة منبج ساعد على التعجيل بسقوط منبج لأنهم يعرفون أحياءها وشوارعها عن كثب إضافة إلى ذلك تعاون الأهالي من خلال ما قدموه لنا من معلومات قيمة عن تواجد مرتزقة داعش، ومن ذلك أروي هذه الحادثة، بأن مجموعة مكونة من مقاتلين من منطقة السفيرة تلقت صدمة كبيرة أثر سقوط اثنين من مقاتليها شهداء بعد أن فجر أحد عناصر داعش نفسه كان متواجداً فيما بينهم وهذا الأمر عائد إلى عدم معرفتهم ببعضهم وبطبيعة الجغرافية والسكانية على وجه الخصوص.

حين تنتصر المرأة

وحول دور المرأة بتحرير منبج، نوه المازرلي إلى أن، “القيادية “بيسه” كانت الأم والأخت الروحية لكل المقاتلات ولكل المقاتلين، حتى الجرحى من مرتزقة داعش كانت تقف على رعايتهم صحياً كحالة إنسانية بل كانت من الأوائل بتواجدها بالصف الاول أو على خط الصفر”.

وأضاف إلى أن: “وحدات حماية المرأة كن قناصات من الطراز الرفيع ولا سيما في الاشتباكات في خطوط الجبهة، ولا شك أن كل مجموعة من المقاتلين كانت تتواجد معها مقاتلتان حيث يسهمن بدفع المقاتلين للقتال بالتحفيز والتشجيع وتقديم الرعاية الصحية حين يتطلب ذلك”.

الحفاظ على المكتسبات

وتعليقاً على الحفاظ على مكتسبات التحرير، يقول المازرلي: “قدم مجلس منبج العسكري الكثير من الشهداء طوال الخمس السنوات الماضية وهو لا يزال يقدم مدفوعاً بحماية الشعب خاصة على الجرائم والانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال التركي ومرتزقته على كافة الجبهات ولولا قوات مجلس منبج العسكري لكان هؤلاء وصلوا إلى المربع الأمني ببضع ساعات فقط”.

وأضاف في ذات السياق إلى أن، مجلس منبج العسكري حقق تقدماً ملحوظاً بعدد من الجوانب أبرزها الجانب التنظيمي وهو ما أعطى فرصة واضحة أن يقوم على تنظيم نفسه ضمن الأفواج والألوية فضلاً إلى وجود تخصصات جديدة، والاعتماد على عتاد عسكري ثقيل، والأهم من كل ذلك بلورة مميزة بطبيعة الفكر العسكري السياسي الاستراتيجي وهو لم يكن من قبل.

واختتم القيادي بمجلس منبج العسكري عمار المازرلي حديثه بالقول: “شهدت الفترة التي تأسس بها مجلس منبج العسكري حدوث توافق مثالي، يمكن أن نسميه التفافاً شعبياً مع الأخير، وهو ما خلق حالة غير مسبوقة من الأمن والأمان سمح مجلس منبج العسكري باحتضان أبناءهم من الشعب، فكانوا خلال السنوات الخمس درعاً حصيناً لمنع كل المؤامرات والفتن التي يراد بها تدمير النسيج الاجتماعي الوطيد”.