سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ثنائياتُ التناقضِ التاريخيّة التركيّة

تحقيق/ رامان آزاد –

تعود جذور علاقة الأتراك بالإسلام إلى العهد الأمويّ عندما أرسل الحجاج بن يوسف الثقفيّ حملة عسكريّة بقيادة قتيبة بن مسلم الباهليّ فعبر نهر جيحون ودانت له المنطقة بالولاء ودخلت الإسلام، فتعلم الأتراك العربيّة وكتبوا بها لغتهم نحو ألف عام طيلة الحقبة العثمانيّة 1299-1923 وكانت إمبراطورية مترامية الأطراف انتشرت على كامل الجغرافيا العربيّة، حتى مرت بمرحلة الضعف وانتهت عقب ما سُمّي بالثورةِ الوطنيّة وتأسيس الجمهوريّة على يد مصطفى كمال أتاتورك “أبو الأتراك”، والذي تبنّى العلمانيّةَ والانقطاعَ عن العالمِ العربيّ والإسلاميّ، فعاشت تركيا حالة أقرب للعزلة.
نشأة الدولة التركيّة الحديثة
مثّلت معاهدة لوزان 23 تموز 1923، تاريخ ميلاد الجمهوريّة التركيّة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك فبدأت مسيرةُ التحوّل والتوجّه نحو أوروبا بالسلوك والثقافة والسياسة، وشكّلت معاهدة لوزان الضمانةَ لوحدةِ الأراضي التركيّةِ كما هي عليه اليوم بعد المحاولات المتعددة من قبل روسيا وبعض الدول الأوروبيّة لتقسيم هذه الأراضي إثر اتفاقية “سيفر” عام 1920، والتي كانت استهدفت تقسيم تركيا بين الأرمن والكرد والدول الغربيّة وقطعة صغيرة وسط الأناضول للأتراك، إلا أنّ أتاتورك قاد حرباً ضد هذه التطلعات أفضت نتائجها للشكل الحاليّ للجمهورية التركيّة جغرافيّاً.
أعطتِ المرحلةُ التي تزعم فيها مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركيّة الملامح الأساسية للمشهد العام التركيّ في المجالات السياسية والاجتماعيّة والثقافيّة وكذلك الاقتصاديّة، إذ طبق نظريته في علمنة الدولة والمجتمع على مجالات الحياة كافة في تركيا.
بدأت نواة تشكل النظام السياسيّ للحكم في الجمهورية التركيّة بإعلان دستور دولة تركيا  عام 1921 والذي أسس الدولة القوميّة، وينصُّ الدستور على أنّ الشعب هو مصدر السلطات دون قيد أو شرط ويدير الدولة بنفسه وذاته. ومن ثم أعلنت الجمهورية وفقاً للقانون 364 الصادر عام 1923، والذي حدّد شكل الدولة ونظامها ولغتها، وأعطى رئيس البلاد سلطات مطلقة، فرئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطنيّ كما يتولى رئاسة الوزراء، وله أن يختار من أعضاء المجلس الوطنيّ رئيساً للوزراء، وعلى الرغم من أن دستور 1921 شكل النواة الأولى للدساتير اللاحقة إلا أنّه لم يكن مفصّلاً شارحاً للنظام السياسيّ وكذلك بنية هذا النظام والسلطات الممنوحة واختصاصها.
وبهذه الصورةِ شكّلتِ المرحلةُ الكماليّة انقطاعاً عن الدولةِ العثمانيّةِ فنُقلت العاصمة إلى أنقرة، ومُنع ارتداءُ الطربوش والعمامة وتمَّ شجب ارتداء النساء للحجاب، وألغى المحاكمات الشرعيّة، وألغى استخدام الحروف العربيّة بالكتابة، واستبدلها بالحروف اللاتينيّة، وأصبح يوم الأحد عطلة أسبوعية وألغي التعاملُ بالتقويم الهجريّ وأُوقفت المدارس الدينيّة؛ عدا الكثير من الإجراءات التي تنطوي على إلغاءِ المظاهر الدينيّة وإحلال العلمانيّة محلها. وجاء التحوّل الثقافيّ مترافقاً مع تبنّي أسس قانونيّة وحقوقيّة جديدة لقيادة الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة واُعتمدَ دستورٌ جديدٌ، وقانون مدنيّ جديدُ بالاعتماد على القانون المدنيّ السويسريّ، وقانون جزائيّ جديدٌ بالاعتماد على قانون إيطاليّ، وقانون تجاريّ جديد من القانون التجاريّ الألمانيّ، وكانت كلّ الإجراءات موجّهة نحو خلق دولة قوميّة تركيّة أحاديّة من بقايا الإمبراطورية العثمانيّة المهزومة.
شكلتِ الكماليّة أيديولوجيّة تقوم على ثلاثة مبادئ (الجمهورية والقوميّة والشعبيّة). وقد استقى من التجارب الأوروبيّة في بناء الدول القومية مبدأي الجمهورية والقوميّة، أما الشعبيّة فيعود للمثل الجماعيّة الأمميّة المنبثقة من الإسلام. ونظر إلى الشعب موحداً بكتلة سياسيّة مشتركة هي الأمة، ولا يجوز تعريف الأمة بوصفها تحالف الطبقات والطوائف أو الفئات المتمايزة بأشكال أخرى، بل كتلة مستندة إلى وحدةٍ متماسكةٍ لا تعرف إلا بالانقسامات الوظيفية، وبهذا المعنى فإنّ النزعة الشعبيّة أو الشعبويّة عبرت عن رفض فكرة المجتمع التعدّديّ. وكانتِ الممارسةُ السياسيّة للجمهورية التركيّة باتجاه تفسير أكثر تحديداً بالمنطق الإثنيّ لذلك المبدأ بحصره بالانتماء التركيّ، وتطوّر مفهوم للقوميّة إلى رفض الاختلافات العرقيّة والثقافيّة، ووفق هذه الأيديولوجيا أسس أتاتورك حزب الشعب الجمهوريّ CHP عام 1931، والذي ظلَّ في سدّةِ الحكم حتى بعد وفاته، فخلفه نائبه عصمت إينونو، الذي سار على نهجه.
التقاليد الأتاتوركيّة العلمانيّة والدين
طيلة العقودِ التي أعقبت إعلان الجمهوريّة التركيّة، ظلت تركيا محكومة برؤيةٍ سياسيّةٍ أحاديّة، رسّخها مصطفى كمال أتاتورك، وتبنّتها من بعده الحكوماتُ الجمهوريّة، والتي تعتمدُ العلمانيّة الكاملة أساساً للدولة، ليس في المستوى السياسيّ فقط، بل على مختلف المستويات الفكريّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
كانتِ المؤسسة العسكريّة التركيّة طيلة العقود الماضية ورثية التقاليد الأتاتوركيّة العلمانيّة، وأداة التطبيقِ بحكمِ البلادِ، وفي عام 1946 بعد موت أتاتورك؛ صدر قانون  سُمّي قانون “إقرار السكون” وبموجبه يُحاكم كلُّ من ينادى بعودة الدين أو إقامة حكومة تعتمد على الشريعة الإسلاميّة، وطُبقت أحكامٌ مختلفةٌ مع المخالفين ممن خرجوا على هذه الثوابت فكان النفي لبديع الزمان النورسي، وإعدام عدنان مندريس.
على هذا الأساس؛ رتبت تركيا تحالفاتها الخارجيّة، وكانت وجهتها الرئيسيّة الغرب، ورسمت سياساتها إزاء قضايا المنطقة والعالم العربيّ والإسلاميّ، وبخاصة القضية الفلسطينيّة والصراع العربيّ- الإسرائيلي، فكان التحالفُ التركيّ ـ الإسرائيليّ، والتحالف التركيّ ـ الغربيّ خلال حقبة الحرب الباردة. وبقيت هذه الثوابت مقدّسةً حتى مطلعِ الألفية الجديدة، عندما فاز حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، بانتخابات عام 2002 العامة، حيث بدأت تحوّلات عميقة تطرأ على مجمل السياسة التركيّة.
التحولات التي تشهدها تركيا في ظل حكومة العدالة والتنمية وتولي أردوغان الحكم، ليس بدايةً بحدِّ ذاتها، بل نتيجة تراكم تحولات كثيرة طرأت على المجتمع التركيّ خلال عقود سابقة.
بقيت تركيا تتغنى بعلمانيّتها وانحسار دور الدين، إلى أن برز على نحو غير متوقعٍ دورُ العاملِ الدينيّ بالمشهدِ السياسيّ التركيّ عقب انقلابِ الجنرال كنعان إيفرين 19 تموز 1980 الذي استخدمه ضدَّ ما يُعتبر وفقَ عقيدةُ الجيشِ بالخطرِ اليساريّ أو الشيوعيّ في الداخل، والخطرِ الإيرانيّ المفترض بعد ثورة الخمينيّ من الخارجِ، وهي قصة معقّدة في تأثيراتها وحواملها، ولعلَّ إيفرين أرادَ تقليدَ نماذجَ مماثلةٍ في باكستان الإسلاميّة التي تحافظ على علاقة وثيقة مع واشنطن ومصر بعد كامب ديفيد.
وبذلك شهدت مرحلةُ الثمانيناتِ نهوضَ العاملِ الدينيّ وتحريضَ الشعورِ الدينيَ، إضافة لعواملَ مناهضةٍ للتوجّهاتِ اليساريّة، والقصة تشبه لدرجة معينة التدخل الأمريكيّ ودعم الجهاديّة الإسلاميّة مقابل الحزب الشيوعيّ الأفغانيّ الذي دعمته موسكو، فالخوف من التيارات اليساريّة أشد من توجهات الإسلام السياسيّ والتيارات الجهاديّة الإسلاميّة. فتمّ استغلال العامل الدينيّ ضدَّ حزب العمال الكردستانيّ بسبب أدبياته الماركسيّة واتهامه “بالإلحاد”،  كما استغلتِ السلطةُ وحلفاؤها حجّة أخرى للمواجهةِ بتحفيزِ “الطائفيّة والمذهبيّة” كمعطىً دينيّ ضمنيّ أو داخليّ، وذلك بالنظر للبنية الاجتماعيّة التي ضمّت شريحةً واسعة من الكرد العلويين.
كان ذلك محلَّ المفارقة، فالمؤسسة العسكريّة التي قادتِ الانقلابَ حاضنةُ الميراثِ الفكريّ الكماليّ العلمانيّ، ولكنها لجأت لاستخدامِ “الإسلامِ السياسيّ” لمواجهةِ ما اعتبرته اليسارِ الراديكاليّ بالبلاد في ظاهر الأمر، فيما كان المضمون شكلاً من التمييز العرقيّ وحرباً إلغائيّة للكرد ورفضاً للإقرار بحقوقهم الطبيعيّة وفي مقدمتها المواطنة والمسائل الثقافيّة. وأدّى استخدام الإسلام السياسيّ إلى تعزيزِ حضورِه وقوته.
التوجّه إلى اعتبارِ البلاد العربيّة عمقٌ استراتيجيّ لتركيا، لم يبدأ مع كتاب وزير الخارجيّة أحمد داوود أوغلو “العمقِ الاستراتيجيّ”، بل سبقه بذلك رئيس الحكومة التركيّة تورغوت أوزال بعد حرب خليج الثانية 1991، فدعا للانفتاح على المنطقة العربيّة. إذ؛ أنّ التقاليد الأتاتوركيّة تقضي بمقاطعة العرب.
العدالة والتنمية إلى السلطة
بقي الجدلُ قائماً في تركيا حول الهويةِ الإسلاميّةِ والعلمانيّة، والمستقبلُ، وقد حافظت تركيا على هويتها العلمانيّة بعد انقلاب أتاتورك وأضحى ذلك ميراثاً سياسيّاً للحكوماتِ المتعاقبة، حتى ترأس زعيم  حزب الرفاه الإسلاميّ  نجم الدين أربكان حكومة ائتلافيّة مع حزب الطريق القويم ليكسرَ القاعدةَ العلمانيّةُ لأول مرة. ولكن؛ ارتفعتِ الأصواتُ المناوئة لسياساته، فأُقصي بانقلابٍ عسكريّ وحُلِّ الحزبِ، وتُعتبر تجربة نجم الدين أربكان، والتي بدأت منذ مطلع السبعينيات، بحزبه “السلامة” الإسلاميّ من أبرزِ عواملِ التغيير المناهضة التي بدأت ضد الأتاتوركيّة.
وأشار الجنرال غوفين إيركايا أحد قادة الأركان الذين شاركوا بالانقلاب ضدّ حزب الرفاه الإسلامي 28 شباط 1997 الذي سمّي بانقلاب ما بعد الحداثيّ، إلا أنّ الإسلامَ السياسيّ أمسى خطراً يجبُ الحذرُ وقطعُ الطريقِ عليه، وقال: “لقد كان استخدامُ الإسلامِ ضدَّ اليسارِ خطأً”.
أسفرتِ الخلافاتُ عن تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 بقيادةِ رجب طيب أردوغان وعبد الله غول، فيما استمرّ حضورُ الإسلامِ السياسيّ ومراكمته عناصرَ القوة بدءاً من تسعينات القرن الماضي حتى التحوّلاتِ السياسيّة بداية العقد الأول من القرن الحالي عندما حقّق حزب العدالة والتنمية قفزةً سياسيّة كبيرةً بفوزه وحصوله على 363 مقعداً من أصل 550 مقعداً بالانتخابات البرلمانيّة في 3/11/ 2002، وكان فوزه دليلَ تبدلِ المزاجِ العام من خلال الاستجابة السياسيّة للناخبين الأتراك الذين أدلوا بأصواتهم لصالح حزب العدالة والتنمية الذي رفع شعاراتٍ يساريّةِ المضمون وإسلاميّةِ الشكلِ. فوز العدالة والتنمية الكبير مكّنه من تشكيل الحكومة منفرداً، برئاسة عبد الله غول، وكان أردوغان حينها ممنوعاً من الممارسة السياسيّة، فتمَّ تعديلَّ الدستور ليسمحَ بتولّي أردوغان منصبِ رئاسة الحكومة. والواقع ليس من الممكن تصور ولادة العدالة والتنمية لولا حزب الرفاه. ولكن؛ رئيسه نجم الدين أربكان الذي توفي 2011 أبدى من امتعاضه من سلوك العدالة والتنمية.
نموذج إسلاميّ مثير للجدل

لعلنا نختزل الكثير من الحقائق بالقول إنّ النموذج التركيّ الإسلاميّ مثير للجدل لجهة جمعه بين الثنائيات المتناقضة، والصحيح تلونه والأصباغ التي تلون بها. ولكن؛ أردوغان كان مأخوذاً بالنموذجِ الذي تحقّقَ، واعتبره “نموذجاً”؛ أي مثالاً للتصدير للدولِ الإسلاميّةِ، وهنا يمكن أن نفهم مقاصد أردوغان لحكومة دمشق بالاستفادة من “التجربة التركيّة الديمقراطيّة”، فالمطلوب تعميم نموذجٍ جمع بقالبٍ واحدٍ المضمومين الدينيّ والسياسيّ، وقال أردوغان في وصفه: “تركيا نموذجٌ لمنطقةِ شرق الأوسط، فهي بلدٌ تتعايش فيه الثقافةُ الإسلاميّةُ الديمقراطيّةُ بسلامٍ ومن الطبيعيّ أن تبرزَ الهويةَ الإسلاميّة بشكلٍ طاغٍ، وأن تبرز كهويةٍ بديلةٍ، وعلينا أن نؤمنَ بذلك ليس فقط بالنسبةِ للشرقِ الأوسط وإنّما بالنسبة إلى القفقاس وآسيا الوسطى”. وقد أرادت حكومة العدالة والتنمية أن تبرزَ التحوّلات في مسألةِ الإسلامِ السياسيّ وأسلوب التعاطي في السياسة الخارجيّة من خلال:
 إنجازِ حالةِ توافقٍ موضوعيّ مع الغربِ ودولٍ عربيّة بشأنِ الهواجسِ إزاءَ التهديداتِ المفترضة التي يمكن أن تشكّلها إيران، واتبعت سياسةِ احتواءٍ انطوت على جوانبَ متناقضةٍ، ففي السياسةِ الداخليّة مارست أسلمةَ السياسة ّ في مواجهة الحركة الكرديّة بمقابل الكبح الدينيّ ضد تأثير الثورة الإيرانيّة، وأما في السياسة الخارجيّة اتبعت تسييس الدين فتمظهرت بالرداءِ الإسلاميّ في علاقاتِ الانفتاحِ والاهتمامِ بدول الخليجِ الغنيةِ بالنفطِ لاستقطابها، وفي العلاقة مع أوروبا ارتدت عن الدين وتبنّت قيم أتاتورك العلمانيّة، وبذلك تجسدت سياسةُ أنقرة في ثنائيّةٍ متناقضةٍ ما بين تحريضِ وكبحِ العاملِ الدينيّ، ما بين الإرث الإسلاميّ العثمانيّ والعلمانيّة الأتاتوركيّة والرؤية الحداثيّة.
 اهتمتِ السياسةُ الخارجيّة التركيّة بترسيخِ الفروقِ المذهبيّةِ ما بين السنة والشيعة، إذ اعتبرت تركيا نفسها زعيمةَ العالم السنيّ للحد من التأثرِ بتجربة إيران، علاوةً على تعزيزِ ديناميات انقسام واستقطاب غير قوميّة في ظاهرها للتخفيفِ من طبيعةِ الصراعِ القوميّ التركي ـ الكرديّ، وبرز ذلك في خطاب حزب العدالة والتنمية السياسيّ بعد الأزمة السوريّة وخروج القوات الأمريكيّة من العراق، وكانت أنقرة سبب تدحرج الأزمة السوريّة إلى الحرب الأهليّة وإسباغ التوصيف المذهبيّ عليها.
 حافظت تركيا رغم علمانيّتها الرسميّة على حضورٍ إسلاميّ مذهبيّ ويتضحُ مدى التفاوتِ والتمييزِ في السياساتِ الداخليّةِ بين التكويناتِ الدينيّةِ المذهبيّةِ، الأمر الذي أثار تساؤلاتٍ عن الطبيعةِ المُلتبسة أو النابذة لعلمانيّةٍ مشوّهةٍ، لتستوعبَ المؤسسةَ العسكريّة والتياراتِ العلمانيّةِ واليساريّةِ المعارضةِ.

kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle