الأزمة
رامان آزاد
ثلاث كلمات مفتاحية في الأزمة السوريّة، كان عدم التفاهم حولها سبب الأزمة، وإعادة الاعتبار لها والتوافق حولها هو سبيل حلّ الأزمة. ففي الواقع السوريون مختلفون حول (الوطن، الدولة، النظام) من حيث المعنى والدلالة والأولوية والولاء.
السوريون الذين خرجوا للشوارع مطالبين بالحقوق في آذار 2011 يفترضُ أنّهم يمثلون الوطن، وطالبوا الدولة باعتبارها المؤسساتي، وبدا واضحاً منذ البداية الإشكال في تمثل الوطن في السجال الدائر، فكان تصعيد المطالب إلى المطالبة بإسقاط النظام. وكان التحول إلى الصراع المسلح، واعتبرت جملة الإصلاحات ترقيعيّة لا ترتقي للمطالب، واستثمر النظام كل إمكانات الدولة، التي أصبحت كل مؤسساتها وبخاصة العسكريّة والأمنيّة في مرمى الاستهداف.
الوطن باعتباره جغرافيا الحياة والإطار الجامع لكلّ الشعوب وحالة العيش المشترك، كان أول الضحايا، وانقسم الناس بين موالٍ ومعارضٍ، وأضحت مجمل الجغرافيا ميدان الحرب التي تدخل فيها القاصي والداني دولاً ومنظماتٍ وأفراداً، وبفقدان الأمن هجر الناس البيوت؛ فكان النزوح والهجرة.
أضحت سوريا مقصد الجهاديين والمقاتلين من كلّ أنحاء العالم ولعبت الدولة التركية الاستعمارية دوراً خبيثاً في جعل الأزمة مذهبيّة، وراحت تتطلع إلى احتلال مناطق من سوريا سعياً وراء هدف إحياء الميثاق الملّي، واحتلت جرابلس والباب وعفرين، وتواصل العدوان اليوم على مناطق شمال وشرق سوريا.
تعددت صور الإرهاب في سوريا وكذلك مسمياته، واحتل مناطق واسعة من البلاد، فكان غياب الدولة عنها كليّاً، في شمال وشرق سوريا؛ تشكلت قوة وطنيّة من كلّ الشعوب وقدّمت آلاف الشهداء حتى حررت المنطقة، واليوم يقود أردوغان معركة الانتقام للإرهاب شمال سوريا.
تراجع أداء الدولة خلال السنوات الماضية، وتوقفت كثيرٌ من القطاعات الإنتاجيّة وارتفعت البطالة، وازداد الغلاء، ووفق الخطة الروسيّة؛ تحولت إدلب إلى جغرافيا التجميعِ المكثفِ لكلِّ تفاصيل الأزمة، إلا أنّ أنقرة تعارض العملية العسكريّة فيها.
المصطلحات الثلاث وفق واقعها الراهن لا زالت إشكاليّة، ففيما تحتل أنقرة أجزاء من الوطن وتنتهكُ سيادةَ الدولةِ، وتواصل التتريك والتغيير الديمغرافي والانتهاكات اليوميّة مستمرة بحق المواطنين السوريين بالمناطق المحتلة، فقد استعاد النظام بدعم حلفائه السيطرة على كثير من الجغرافيا السوريّة، وتغيّر خطابه السياسيّ نسبيّاً وفقاً لمعطيات الميدان، وراح يوجّه تهم الخيانة والعمالة لسوريين ضحّوا من أجل الوطن لتحرير الإرهاب، ومساواة لمعنى النظام بالدولة بات شائعاً تداول مصطلح “عودة سيطرة الدولة” فيما الصحيح حضورها في إطارها المؤسساتي الخدميّ إلى ربوع الوطن ضمن توافق وطنيّ جامع.