بين الجبر والانكسار في المجموعة القصصية: مذكرات غريق

 ليلى الدردوري/ المغرب-

  ليس من الغريب ألا تخضع وبدهشة تراجيدية القصة القصيرة السورية في مسارها الحداثي والتجريبي السير خارج التحولات الاجتماعية الراهنة توازياً مع التحولات التي خضعت لها المنطقة ومضاعفاتها الاجتماعية توازياً مع المنظور الفني لجنس القصة القصيرة، فهذا الفن الذي وضعت له غربياً/ وعربياً مجموعة من النظريات المحايثة له في ظل رصده للحياة وتحولاتها واستجابته فنياً لجملة من النظريات، ومنها تلك التي يعتبر فيها شيخ القصة القصيرة المغربية (أحمد بوزفور) القصة القصيرة فأراً للتجربة لقدرتها التجريبية العجيبة على تمثل التجارب الحياتية والاجتماعية والميثولوجية بأداة السرد القصصي القصير، أي بفنه، والفنية هنا إعادة تشكيل الواقع بكل تجلياته في ظل تحول مسارات الحكي وتقنياته وجمالياته السردية دون التفريط في جلال خطب معاناته.

والحال أن مسار “الحكي” في قصص القاص عبد الرحمن محمد محمد قصص حانية في ظلال الانكسار بما هي صرخة حياة/ حيوات لما تستوحيه من تحولات الانكسار بتقنية سردية موضوعاتية وفنية عميقة موازية لانكسار جمعي واقعي مضاعف في ثلاثة انكسارات متتالية: بيضة لا تنكسر / كأس لا تنكسر / طاولة رقم 3. حيث السارد على الدوام متعب متأفف من العنف اليومي والفقر الملاحق، فقر الحروب، ضحاياها، وهو المحب للحياة ينتابه الشعور باشتهاء بالحياة، بعين القناعة المألوفة والجمال، لكن كيف؟

 الحياة في الأمكنة ظلالها مفعمة غارقة بالدموع والموت والصرامة والعنف والانكسار متآمر على القوى الفاعلة الآدمية، انكسار في المدرسة، في الحياة، في مقهى الإنترنت، إنه انكسار الذوات/ الذات، وهو مفتوح تطل منه الشخوص القصصية من داخلها على المكان الفارغ مصدر الانكسار الأصلي وكم هجر وغرب وفطر القلوب وفرق الأحبة والأسر ومع ذاك لا زال في جفاف النهر بعض بقاء.

فالحياة دون هذا المكان اغتراب ومنفى مادام مصدراً لنبتة الوجود، فلا حياة دونه ولو في ظل الكآبة والضيق والظلم والقدرية وانتظار جبر السماء، من يدري؟! فلعل الحياة تستعيد حكمتها وتستعيد عقلها وحكمتها. قد تعود أجواء الحياة لفرع الحياة المنكسر، إنها صورة حياة/ حيوات وفعل الحرب الشرس بالبشر نفسياً وجسدياً وحياتياً، موضوعة ناظمة للمتن، فقصص الحياة في مقهى الإنترنت مأساة متحركة باللقطة السردية، فهنا دموع وهناك ترجيات بالعودة حتى ولو استبدلت بقصور؛ فلن تغادر، وهنا رفض للعودة للنار والحصار، والنساء عددهن في مقهى النت بالألف يفوق عدد الرجال، عكس ما كان، وصور اشتياق.

 وعود بالحب لم تحقق وأحلام منتكسة ودخان كثيف وضوضاء ورجاءات العودة إلى الوطن، صور شوق في غرام الحب الذي كان، لكنه بالحرب حب فات/ وحب مات.

لا حديث في مقهى النت سوى أصوات الحنين إلى ما كان؛ وما كان يمكن أن يكون، لكنها الحرب كاسرة خادعة غدارة.

وفي البدء صورة أخرى لصراع إخوة حول البيضة التي لم تنكسر/ البيض رفعاً لعنف مصيره صغار المدارس، وفي ظل انتظار طويل قاس تحصل نور/ على بيضة للنجاة من سوط المدرس الشديد الصارم رمز المهابة، القسوة والعنف، في ظل حياة بسيطة أيامها شوربة عدس وعنف أخوي ودموع البصل وأم لا تمل ولا تكل، إنها صورة المرأة السورية الريفية المقاومة في الحياة تحت جدار الحطام، لكنها (نور) تسقط مشياً في الحجر والطين وتنكسر، لكن البيضة لم تنكسر، وهذا هو الأهم في عالم زاخر بالانكسار والانشطار والانتظار..

 الزجاج يقاوم، فالأحداث تنتظم وتتراكم، وتتركب تركيباً يعرض القصص باعتماد الأقاليم الثلاثة التي اعتبرها (جي دي موباسان) عروض القصة لكن بخصوصية طائلة التحول واللااستقرار حيث السرد/ والسارد والذوات تعيش في ظل انكسار منفرد، وبذلك فاصطدام السارد به يغير مجرى التركيب، الشيء الذي حول نفسيات القوى الآدمية تحت نير الحرب إلى ظلال بداية/ النهاية ونهاية/ البداية تتشابه في الوضعيات، فمع الحرب لا تستقر الحياة، إن هي إلا اسحم هطول بكل أحزان العالم وظلم العالم ومحن الانكسار.

إنها قصص مفعمة بالرغبة في الحياة واستعادة حيوية الحياة لفرع الذات مكسورة الجناح تحت جبروت الحرب وقدرية الحياة في جنح الرعب وكوابيس الحرب ومآسيها، من هنا يحق للذوات أن تحلم لتحقيق الإنجاز المرتبط بعلاقة الاتصال بين الذات والموضوع/ الحياة حتى لا تموت في/ الحياة، من هنا يقاوم الزجاج في (كأس لا تنكسر) الدمار وحتى وإن تحطم بمجرد الصدفة.

إنها حكايات تتماهى في الألم / في الدمع والحَيرة / لأن ما حولها أنهار، ومن هنا كان الإحساس الجمعي شعوراً بالحتف، لكنه يظل حتفاً مقاوماً للانكسار، حتف من صخر مرصود في الحياة للجبر.